كريم بابا لـ”بلادنا24″: انتقاد الأعمال الرمضانية قد يهيج مشاعر الناس لكنه لا يبني التجارب

غادر رمضان، تاركا خلفه جدلا كبيرا حول الإنتاجات التلفزية. وككل سنة، يخلف الشه، موجة انتقادات واسعة تطال الأعمال الفنية، وتفتح العديد من الأقواس حول قدرة التلفزيون المغربي في الرفع من سقف الإبداع، وخلق أعمال تلفزية تنافسية تقتدي بتجارب عربية ناجحة.

انتقادات كثيرة تلك التي عرفتها الأعمال الرمضانية التي عرضت خلال الشهر الكريم، طالت الشكل والمضمون. ومع اتساع هامش ورقعة الحرية التي أتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي، تصاعدت وثيرة الانتقادات، خاصة مع ظهور أعمال فنية بديلة، عبر المنصات الرقمية، أثرت على ذوق المشاهدين.

ورغم تعدد الانتاجات الدرامية، والكوميدية توالت التعليقات السلبية، خلال شهر رمضان وبعد مغادرته، بما يؤكد عدم رضاء المتابعين عما يقدم على الشاشة المغربية.

وفي هذا الحوار، نتعرف مع الصحفي، والمتخصص في الدراسات المسرحية، كريم بابا، على أبرز الأسباب التي تجعل الانتاجات الرمضانية في مرمى الانتقادات.

هل الرفع من درجة الإنتاج بعد شهر رمضان يعد أمرا ضروريا؟

المسألة تحتاج إلى تصور شامل للإنتاج الدرامي في المؤسسات العمومية، بمعنى أن الإنتاجات لا يمكن أن تقتصر فقط على شهر، وباقي الأشهر تكون جامدة. وحتى التفاعل المجتمعي، أو من قبل النقاد، ينحصر في فترة زمنية معينة، وبالتالي يجب أن يؤسس الإنتاج الدرامي التلفزيوني على مستوى السنة بأكملها، وأن تكون هناك طلبات العروض على أربع مراحل، وليست مرحلة واحدة فقط.

يجب أن تكون طلبات العروض في فصل الشتاء، كما يجب أن تكون هناك مرحلة ربيعية، ومرحلة صيفية، وهكذا حتى يكون هناك استمرارية في الإنتاج، ويضمن هذا الأمر المستوى الاجتماعي للمشتغلين في الفن. بمعنى أن الممثل عليه أن يجد مورد أو دخل طوال السنة، لا أن يقتصر عمله خلال فترة معينة، وباقي السنة هو في عطالة، وبالتالي يصبح المحظوظ هو الذي يشتغل في التلفزيون وفي السينما وفي المسرح، وهي فئة قليلة، لكن فئة عريضة من المشتغلين في المهن التلفزيونية لا تستطيع الأعمال التلفزيونية خلال رمضان أن توظفهم جميعا، وأن تستثمر طاقاتهم، وهذا ما يؤثر على جودة الأعمال.

وإذا كان هناك ضغط الزمن، وضيق في مساحة الاشتغال، طبعا سيؤثر على الجودة، لأن الممثل يشتغل في هذا العمل، وذلك العمل، وفي خمسة أعمال أخرى، في نفس الوقت، بحيث لا يمكن له أن يشتغل في أكثر من عمل خلال ستة أو سبعة أشهر.

في نظرك، هل حقا تجسد الأعمال التلفزية الدرامية واقع المغاربة؟

بحديثك عن مسألة المضمون في الأعمال المغربية الدرامية، فهي تبقى جزءا مكمل لجزء آخر، وهو الجانب الجمالي، بمعنى مفهوم الصناعة الدرامية، والتي فيها شقين، شق مرتبط بالشكل الجمالي بالتصوير، بالرؤية، بالكتابة، بالاخراج، بكل مسارات الإنتاج. بالموازاة، يكون هناك حديث عن المضمون.

يجب استحضار كل العناصر الفنية والجمالية في الإنتاج الدرامي، والذى حينما نتحدث عن الأعمال الدرامية هل تجسد واقع المواطن المغربي، نحرج بأن المستوى الجمالي ضعيف، لأنه متى نتحدث عن المضمون عندما يكون هناك جانب تقني حاضر.

فإذا غاب السيناريو، وغابت الكتابة بمفهومها الدقيق، وهو بناء الشخصيات ورسمها، وتحديد أدوار المشاركين في المنتوج، وأن لا يحصل هناك التداخل بين الكاتب الدرامي والمخرج والمنتج، وأن لا تكون هناك سلط تتجاوز الحدود، كأن يكون المنتج هو الذي يختار الشخصيات، وهو الذي يختار كل العناصر المشاركة، يجب أن نستوفي العناصر الجمالية حقها، بعد ذلك نتحدث عن المضمون.

نعم، تحضر مجموعة من القضايا في الأعمال الفنية الرمضانية، كالمرأة، والطفولة، والقضايا الاجتماعية، والخلافات الأسرية، ومسألة الخيانة، إلى آخره. هذه القضايا تعالج، لكن الإشكال أنها أصبحت مستهلكة ونمطية تقدم بصورة واحدة، وليس هناك عمق في التناول، وهذا العمق لا يمكن أن يأتي إلا إذا كانت هناك جودة على مستوى اختيار الممثلين في ’’الكاستينغ’’، ولا يمكن لشخصية يؤديها ممثل لا تتوفر فيه صفات وشروط ذلك الدور، فيصبح المعيار في اختيار الممثل ليس هو ما يريده السيناريو من الشخصية، بل شهرة الممثل، أو قربه من فريق العمل.

تم عرض مجموعة من القضايا والمواضيع المجتمعية في الأعمال الرمضانية، لكن زاوية المعالجة، وطريقة التناول، هي التي تثير حفيظة النقاد والمتتبعين، بل حتى المشاهدين، لأنه عندما نتحدث عن قضية المرأة، هناك زوايا متعددة لتناول ذلك، لكن يتم دائما تناول موضوع المرأة من زاوية تبسيطية تجزيئية، في علاقتها بزوجها وبحماتها وبمدير شغلها.. وهذه قضايا يجب أن نتجاوزها ونتناول دور المرأة في بناء المجتمع ككل، أو في المجال العلمي، هناك العديد من القضايا التي يمكن تناولها.

كيف يمكن أن ننظر للعمل الدرامي؟ هل بعدسة القيمة الفنية؟ أم أنه ينتظر منه أن يقدم حمولة معرفية وتاريخية فقط؟

إن أغلب القراءات التي تقدم الآن حول الأعمال الدرامية خلال رمضان، فهي غير راضية، بل هناك من وصل إلى حد مقاطعتها، تحت ذريعة أو بحجة أنها لا تمثل أي شرط من شروط العمل الدرامي، وبالتالي لا تتوفر شروط القراءة عندما لا يكون حد أدنى في معايير العمل الفني، فربما قراءة العمل الفني مضيعة للوقت، لهذا يجب أن تتوفر في رؤيتنا للعمل الدرامي الفني بداية الشروط الأولية لقرائته.

يجب أن ننظر للعمل الفني بكل عناصر القيمة الفنية، يعني العمل من مراحله الأولى ينطلق من فكرة، والفكرة تختمر في عقل الكاتب، ويكون هناك حمولة معرفية وفكرية في ذهن صاحب وحامل المشروع، قبل أن نصل إلى الإنتاج التنفيذي،

كما يجب أن يكون لحامله رؤية فنية وتصور، وهذا هو الذي ينقص جل الأعمال في المغرب، بينما في المدارس العريقة، دائما ما نجد أن السيناريست متخصص في السيناريو، والمخرج متخصص في الإخراج، والمنتج متخصص في الإنتاج، والممثل متخصص في الأداء، وهناك ممثلين متخصصين في نوع معين من الشخصيات، إما الشخصية الدرامية أو الكوميدية أو غيرها من الشخصيات الأخرى. إن احترام التخصص، من الأشياء الأولية في العمل الدرامي.

وبخصوص انتقادات المشاهد، فمن الصعب الجزم أو وإعطاء حكم، لأنه في كثير من الأحيان تكون هناك موجة، بل هناك من لم يشاهد الأعمال إلا أنه ينخرط في التطبيل وإما في التحريض على عدم مشاهدة ذلك العمل. الرأي العام للمشاهد فيه نقط خلل كثيرة، لأنه يصعب أن نبني على آراء الجماهير رأيا منسجما واحدا. أغلب الآراء الجماهيرية تكون مبينة على العواطف، وليست برأي الناقد.

انتقادات المشاهد قد تهيج مشاعر الناس إلى آخره، لكن لا تبني أعمالا ولا تبني تجارب، لأنها مبنية على وسائل التواصل الإجتماعي، التي يحتاج فيها المجال الفني إلى الهدوء، لأنها ليست بقضايا سياسية تحتاج إلى ’’تجييش’’ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثلما حصل مؤخرا في قضية صورة ’’المعلم’’ في إحدى السلسلات، حيث كان هناك نقاش عاطفي، أي هناك من يدافع عن المعلم بجانب عاطفي، وهناك من يدافع عن الجانب الآخر، فنحتاج إلى قراءة واعية.

أعمال رمضانية “مستقلة” نالت إعجاب المشاهد في الوقت الذي ينتقد فيه الأعمال التلفزية، ما سبب ذلك؟ هل الجرأة في تناول مواضيعها؟

الأعمال “المستقلة” ناجحة، لأنه فيها نوع من الحرية على مستوى تناول المواضيع، وفي الإدارة الفنية أيضا للزمن والوقت والعلاقة مع الفريق التقني. لا تكون هناك ضغوطات مثل المؤسسات التلفزيونية، كما أن منصات البث، منصات حرة نسبيا، وجمهورها واسع، والجمهور الافتراضي ليس هو الجمهور التلفزيوني، الجمهور الافتراضي يمكن أن تشاهده في أي مكان، في القطار، في المقهى، في البيت، بينما التلفزيون يحتاج إلى انخراط وطقوس خاصة في البيت، وليس للجميع إمكانيات في أن يرتبط لديه التلفزيون بهاتفه.

الأمر الآخر، هو الرقابة في المستقل، أقل من المؤسسات العمومية التي تحكمها ضوابط ودفاتر، عكس المنصات المفتوحة، الأمر تحكمه قواعد قانونية، لكن ليس بتلك الصرامة التي تجدها في المؤسسات العمومية. وهذا عامل في نجاح سلسلة ’’سي الكالة’’، إلى جانب أن الموضوع الذي اشتغل عليه محمد باسو، يثير الحماس والعواطف، وهو موضوع الفساد السياسي والزبونية والمحسوبية، فالجميع يتبنى الطروحات التي قدمها باسو.

لدي تحفظ  واحد فيما يتعلق بقدرة باسو على الاستمرار، لا يجب عليه أن يسقط فيما سقطت فيه التجارب الأخرى، كحسن الفد حينما كرر سلسلة ’’كبور’’، وأصبحت مستهلكة لدرجة أنها تقتل تجربته ويصبح مستهلكا، لهذا حاول الفد هذه السنة أن يغير من سلسة “كبور”، رغم أن الطابع البدوي لازالت ملامحه تبدو في الشخصية الجديدة.

على باسو أن يحاول أن لا يكرر نفس التجربة، ولا يسقط في الخطابة، فمن الأشياء التي لوحظت في سلسلة ’’سي الكالة’’، اللغة المباشرة، ولا يوجد هناك نوع من الانزياح والرموز، يعني يتحدث بلغتنا، وهذه كانت من نقاط القوة. اللغة البسيطة التي تكون عادة في المكاتب وفي الفضاءات الخاصة.

هل استطاع التلفزيون المغربي خلق أعمال تنافسية تقتدي بتجارب عربية، على غرار مصر؟

عندما تتحق كل هذه الأمور التي تحدثنا عنها سابقا، بالإضافة إلى أشياء أخرى مرتبطة بالمركز السينمائي المغربي، ووزارة الثقافة، وشركات الإنتاج، ومؤسسات التكوين الفني، ومعاهد التكوين، وعندما يكون هناك قانون الفنان، عندما تصبح الوضعية الاجتماعية للمشتغلين في الميدان الدرامي مستقرة، آنذاك، يمكن أن نتحدث عن صناعة درامية في المسرح والسينما والتلفزيون، وفي كل مجالات الإنتاج الدرامي، وعن التنافسية. أما في الوضع الراهن، نبقى أمام تجارب شخصية، ربما تحصل على دعم من مؤسسات الدولة، وهناك تجارب محلية تستفيد من دعم مؤسسات عمومية، لكن لا تستطيع الاستمرارية.

منافسة تجارب كبرى كمصر وسوريا في هذه الحدود العربية، والخاصة بالإقليم والمنطقة، تحتاج إلى تصور شامل، وليس فقط إلى دفاتر تحملات، أو شيء من هذا القبيل. هكذا يمكن أن ننفاس إذن، نحن لدينا الشروط والمؤهلات والشباب وما يكفي من السنوات لننتج نموذجا دراميا خاصا بنا.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *