الدكتور التازي.. القصة الكاملة لخبير التجميل من “الشفاء” إلى “عكاشة”

أسدلت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة، الستار عن واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ المغرب، وهنا الحديث عن ملف الدكتور التازي، صاحب مصحة “الشفاء”، بعدما أدانته المحكمة بـ3 سنوات حبسا، سنتان نافذة وواحدة موقوفة التنفيذ، وإسقاط جناية الاتجار بالبشر عنه، مع متابعته بجنحة حمل الغير على الإدلاء بتصريحات كاذبة.

وبينما غادر الدكتور التازي سجن عكاشة بعين السبع ليلة البارحة، تعود “بلادنا24” لتسرد قصته من البداية إلى النهاية بتفاصيلها، لتقربكم من كواليس واحدة من القضايا التي استمرت المحاكمات فيها زهاء العام.

صدمة وخبر كالصاعقة

في أحد أيام شهر أبريل من ربيع 2022، نزل خبّر كالصاعقه على مسامع الشارع المغربي، وهنا الأمر متعلق بتفكيك شبكة متكونة من 8 أشخاص، على رأسها الدكتور التازي، وزوجته وشقيقه ومستخدمون آخرون بمصحته، وذلك في قضية لها علاقة بالنصب والاحتيال والتزوير واستعماله في فواتير وهمية.

الشارع المغربي يكاد لا يصدق هذا الخبر الصاعق، متسائلا عن كيف لطبيب التجميل الشهير، الذي لطالما انتشرت فيديوهاته على مواقع التواصل الاجتماعي، توثّق لقيامه بعمليات جراحية في سبيل الإحسان في حق الفقراء والمساكين، وتسابق الإعلاميون على انتزاع حوارات معه، وسط زحمة انشغالاته، أن ينتهي به الأمر داخل زنزانة ضيقة لا ينتمي إليها، لكن معطيات بلاغ أمني صادر آنذاك، كشفت عكس ذلك.

وبعد انقضاء مدة الحراسة النظرية للتازي ومن معه، تمت إحالته على النيابة العامة المختصة، التي قررت، بعد استنطاقهم ابتدائياً، إحالتهم على قاضي التحقيق، الذي قرّر إيداعهم على سجن عكاشة بملتمس من الوكيل العام للملك لمحكمة الاستئناف بالبيضاء، حيث سيقضون أولى ليلاتهم داخل أسوار سجن “عكاشة” وما أدراك ما سجن “عكاشة”، وهو ما زاد من الصدمة في الوسط المهتم بمجريات هذه القضية، وفضحت خبايا اعتقد الطبيب ومن معه أنها لن تخرج إلى العلن.

نصب واحتيال من أجل الربح السريع

ووفقاً لما أكدته مصادر “بلادنا24” آنذاك، فقد انطلقت أولى بوادر التحقيق في هذه القضية، من نقطة مصحة الطبيب الشهيرة، بعد زيارة ميدانية لعناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي قامت فيها بتجميع عدد كبير من المعطيات بغرض استثمارها في البحث المعمق، بخصوص تهم متعلقة أساساً بتزوير الفواتير والنفخ فيها، والتحايل على نظام التغطية الصحية، وعلى المتبرعين وغيرها، وهو ما لم يصمد أمامه المتهمون في الملف، بسبب تقاطر الأدلة الواحد تلو الآخر.

هذا، وأسفرت مواجهات المتهمين ببعضهم البعض، داخل مكاتب التحقيقات عن تفجير تناقضات كبيرة، أسفرت عن اعترافات تلقائية بمحاولة تضليل العدالة بقيام شقيق الدكتور التازي، بالضغط على مستخدمات للإدلاء بشهادة زور وتقديم تصريحات غير صحيحة، كما أظهرت الأبحاث والتحريات أن المتهمين الثمانية المعتقلين، كانوا على علم بأن العمليات الجراحية التي تنجز للمعوزين مدفوعة الثمن من قبل محسنين، وتشتغل المجموعة كل حسب الأدوار المنوطة بها، وفق تقنية متطورة، كشفت الأبحاث أنها تعتمد التصوير والتواصل عن بعد وإعداد ملفات طبية والاتصال بالمحسنين المفترضين، أي المتبرعين، قبل إنجاز العملية للمريض، والاستفادة عبر الاحتيال 3 مرات، الأولى من المتبرع الذي يدفع مبلغا أكبر من قيمة العملية، والثاني يتعلق بالمبالغ المخصومة التي تقتطع من التغطية الصحية، والثالث يتجلى في الزيادات غير المبررة، بالنفخ في الفواتير، وتحديد أسعار أدوية ومعدات بأضعاف ثمنها.

وبالرغم من محاولة المتهمين المعتقلين، إنكار التهم الموجهة إليهم طول مراحل التحقيق، إلا أن الأدلة التي ووجّهوا بها، كانت أقوى من أن يصمدوا أمامها، حيث فضحت كل شيء في هذا الملف، وعلى رأسها الفواتير المزورة وأسماء المرضى الذين تلقوا العلاج عبر تبرعات المحسنين، والهواتف المحجوزة التي تضم صور المرضى المرسلة إلى مختلف المحسنين.

وأمام وفرة الأدلة التي كانت كافية لإثبات تورط الدكتور التازي ومن معه في الجرائم المنسوبة إليهم، جاء الدور على النيابة العامة، التي تقدمت بملتمس بإجراء تحقيق تفصيلي في مواجهتهم، وذلك بعد أن ارتأت سلطة الملاءمة توافر جنايتي تكوين عصابة إجرامية والاتجار في البشر، وهما الجريمتان الأشد في صك الاتهام، الذي تضمن متابعة الموقوفين الثمانية كلهم بجناية “الاتجار بالبشر باستدراج أشخاص واستغلال حالة ضعفهم وهشاشتهم وحاجتهم لغرض الاستغلال للقيام بأعمال إجرامية بواسطة عصابة إجرامية، وعن طريق التعدد والاعتياد وارتكابها ضد قاصرين دون 18 سنة يعانون المرض”، وجنحة “الاستفادة من منفعة الأموال، المحصل عليها عن طريق ضحايا الاتجار بالبشر، مع العلم بجريمة الاتجار بالبشر وجنحة المشاركة في النصب والتزوير”، وغيرها من الجرائم الأخرى.

متابعة وطنية للمحاكمة

بعد مرور حوالي السنة على اعتقال الدكتور التازي وزوجته وشقيقه ومن معه من مستخدمين في مصحته، انطلقت يوم الخميس 13 أبريل من عام 2023، أولى جلسات المحاكمة في هذا الملف الشائك الذي هزت قضيته الرأي العام المغربي، وسط حضور مكثف طرف المحامين والصحفيين، داخل القاعة 8 بمحكمة الاستئناف، التي امتلأت عن آخرها بعدد من أقارب المتهمين، الذين كانت أعينهم مشدودة إلى شاشة العرض، التي ظهر عبرها الدكتور التازي ومن معه، لأول مرة من سجن عكاشة، عن بعد، بواسطة تقنية التناظر المرئي.

الجلسة الأولى من المحاكمة لم تشهد الكثير من الأحداث، حيث قرر فيها القاضي علي الطرشي، الاستجابة لطلب هيئة الدفاع بتأجيل البث في الموضوع إلى جلسة 4 ماي، من أجل تمكين المحامين من إعداد ملفاتهم، وشرعت الهيئة في الاستماع إلى ملتمسات تتعلق بطلب الإفراج عن المتهمين المتابعين في حالة اعتقال، قبل أن تقرر رفضهم والإبقاء على التازي ومن معه رهن الاعتقال الاحتياطي داخل أسوار السجن لخطورة التهم المنسوبة إليهم.

وقبل الوصول إلى آخر جلسة، فقد شهدت جلسات المحاكمة في هذا الملف، التي استمرت حوالي السنة هي الأخرى، تفجر معطيات مثيرة من الفينة للأخرى، من بينها عدم تمالك الطبيب الشهير نفسه داخل محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث ذرف الدمع بقاعة المحاكمة وهو يسمع تصريحات ممرضة كانت تشتغل معه في مصحة الشفاء، صرحت بأن “الدكتور التازي كان يأمرنا بإدخال أي مريض حالته مستعصية حتى ولو لم يتوفر على المبلغ المالي الكافي”.

المتهمة، التي فاجأت الجميع خلال جلسة اعتيادية للبث في الملف، تابعت بأن “الدكتور حسن التازي، صاحب المصحة، لا يتدخل في الإجراءات الإدارية”، موردة أن تدخله “يكون في حالة ما احتاجت حالة مريض تخفيض تكاليف العلاج”، ومشددة على أن نسبة التخفيض تكون قليلة؛ وهنا استغرب المتهم الرئيسي حسن التازي، من تواجده داخل أسوار السجن رغم تعامله مع المرضى بهذه الطريقة.

وانطلقت “آخر جلسة” في هذا الملف الذي وُصِف بالحارق، زوال أمس الجمعة، وسط حضور مكثر لأسر وعائلات المعتقلين، الذين سادت لديهم حالة من القلق والتوتر الشديدين داخل بهو محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، لحظات قبل النطق بالحكم الابتدائي النهائي في هذا الملف، وذلك بعد أن حجزته هيئة غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، للمداولة والنطق بالحكم في آخر الجلسة.

التازي يعانق الحرية 

وبعد ساعات طوال على حجز ملف الدكتور التازي ومن معه للمداولة من أجل النطق بالحكم، جاء الفرج حوالي الساعة الحادية عشر من مساء أمس الجمعة، بعدما طوت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء ملف التازي ومن معه، وأدانته بـ3 سنوات حبسا، سنتان نافذة وواحدة موقوفة التنفيذ، وإسقاط جناية الاتجار بالبشر عنه، مع متابعته بجنحة حمل الغير على الإدلاء بتصريحات كاذبة، وهو ما يعني معانقة الطبيب المعتقل للحرية بعد سنتين قضاهما داخل السجن.

وقضت الهيئة القضائية، التي يرأسها المستشار علي الطرشي، ليلة الجمعة، وفقاً لما علمته “بلادنا24“، بإدانة زوجة الطبيب حسن التازي، مونية بنشقرون، بالسجن 4 سنوات حبسا نافذة، فيما أدانت شقيقه عبد الرزاق التازي بالسجن 5 سنوات حبسا نافذة؛ كما أُدينت  ّزينب.ب” المتابعة في هذه القضية، والتي كانت تقدم نفسها بصفتها “فاعلة خير”، بـ5 سنوات حبسا نافذة، مع الحكم على “سعيدة. ع”، المكلفة بقسم الحسابات، بالحبس 4 سنوات حبسا نافذة، وعلى “أمينة. ف” بـ4 سنوات حبسا نافذة، وعلى “فاطمة. ح” بـ3 سنوات حبسا نافذة.

مصادر “بلادنا24“، أكدت على أن المتهمين، قد نفوا، خلال كلمتهم الأخيرة، تهمة الاتجار بالبشر التي توبعوا بها، بينما أكد دفاعهم غياب أركان هذه الجناية في الملف، وهو ما دفع النيابة العامة لإسقاط هذه التهمة عليهم، وبهذا إسدال الستار عن واحدة من القضايا التي خلّفت رجة داخل الوسط المجتمعي المغربي.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *