المغرب يصارع من أجل مواجهة الفساد.. وقضايا تفاقم تسويد صورة السياسيين بالبلاد

مما لا شك فيه، أن المغرب اليوم بات يسير بخطى ثابتة في طريق الارتقاء نحو مصاف الدول الرائدة، ولعل أبرز ما يظهر ذالك بالملموس اعتماده الجلي لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وتفعيله كأساس جدي وواقعي، وهو ما حملته الأشهر الماضية التي أسقطت بمرورها عددا من النخب السياسية “الفاسدة” في البلاد.

هي دينامية كانت ولاتزال محط إشادة دولية واسعة، دون إغفال الاستحسان والارتياح الكبير التي أثارته في صفوف المغاربة، الذين استبشروا خيرا بـ”الحقبة الجديدة”، التي تحمل في طياتها “مغربا جديداً”، إلى جانب كونه “مغرب التنمية”، سيرتقي هذه المرة ليصبح “مغربا دون فساد”.

حقبة جديدة في مقارعة الفساد

معطيات جديدة تلك التي حملها التقرير السنوي لمنظمة الشفافية العالمية بخصوص مؤشر مدركات الفساد لدى دول العالم لسنة 2023، واضعا المغرب في المرتبة 97 عالميا من أصل 180 دولة تم رصدها، متراجعا بثلاثة مراكز مقابل سنة 2022، في وقت تمكن من الحفاظ على التنقيط نفسه، أي 38 نقطة من أصل 100؛ وبالرغم من أن المملكة لازالت متأخرة بمراحل عن الدول التي توصف بكونها “متقدمة”، إلا أنها دون شك تسير على “الطريق الصحيح”، وهو ما ستبرزه قادم السنوات التي ستبين طينة البلاد في مواجهة ظاهرة تغدت على نواتها ونهشتها لأعوام وعقود، لا سيما في الوسط السياسي.

ولا يغدو مصطلح “الفساد” يمر برهة دون ربطه بكل ما هو سياسي في المغرب، حتى أضحت صفة “الفاسد” ملتصقة بظهر الساسة والمنتخبين، وهو ما دفع زعماء الأحزاب للتنديد والخروج في أكثر من مناسبة لمحاولة إبعاد هذه التهمة عن مجال ممارستهم، وذلك بعدما أصبحت بمثابة “سوط” يجلدهم ليل نهار أمام أعين الجميع.

زج ساسة وراء القضبان

سنة 2023 أبت أن تنتهي دون أن تحدث رجة في الوسط السياسي المغربي، إثر اعتقال أسماء سياسية وازنة على غرار رئيس نادي الوداد الرياضي والبرلماني عن “البام” سعيد الناصري، إضافة إلى عبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق، في إطار قضية تاجر المخدرات المالي المعروف بـ”إسكوبار الصحراء”، وقبلهما تم اعتقال برلمانيين على خلفية شبهات فساد وعزل نواب ورؤساء جماعات من مناصبهم، ليؤكد بذلك المغرب أنه ماض في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتكريس استقلالية السلطة القضائية والقطع مع سياسة الاحتماء بمظلة المناصب والأحزاب السياسية.

كما أن دخول عام 2024 الذي اعتبر بمثابة “الحقبة الجديدة” بالمغرب، لم يمر بشكل مؤكد دون اعتقالات بالجملة وسط “النخبة السياسية الفاسدة”، الذين أجبرتهم ملفات وقضايا وجدوا أنفسهم متورطين فيها لإكمال العام الجديد خلف القضبان، حيث ستترك لهم برودة زنازين “عكاشة” و”العرجات” متسعاً من الوقت للتفكير جلياً في التهم الملتصقة بظهورهم.

ضمن قائمة السياسيين الذين سيحرمون من إكمال العام الجديد بالكيفية التي اعتادوا عليها، يقفز لقب “إمبراطور بوزنيقة”، المرتبط بالبرلماني السابق محمد كريمين، الذي قرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قبل أيام، إيداعه السجن المحلي عين السبع “عكاشة” رهن الاعتقال، رفقة الرئيس السابق لنادي الرجاء البيضاوي عزيز البدراوي.

ومثل المتهمان أمام الوكيل العام للتحقيق معهما في شبهة تلاعبات في ملف عقد التدبير المفوض بقطاع النظافة مع شركة “أوزون”، لصاحبها المتهم البدراوي، تمت مع جماعة بوزنيقة خلال فترة رئاسة كريمين قبل عزله من طرف وزارة الداخلية.

“وحش” ينهش “لحم السياسة”

وتعليقا على تبخيس الفساد للسياسة بالمغرب، قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في حوار له مع “بلادنا24“، أن “الفساد له تأثير كبير على كافة الأوضاع، ليس فقط على المستوى الحزبي والسياسي، بل حتى القيم في المجتمع، قيم النزاهة والشفافية وقيم مجتمعية أخرى، أيضاً يسود نوع من الإحساس والشعور بالظلم واليأس، وبالتالي من الطبيعي أن يكون هذا الفساد مؤثرا على البنيات السياسية والحزبية وأن يشكل عاملا من بين العوامل الأخرى إلى جانب تدهور مصداقيتها لدى الرأي العام”.

ترقب فتح ملفات فساد “عالقة”

المغاربة قاطبة انشغلوا منذ “النهاية الدرامية” لعام 2023 بالحديث عن محاربة الفساد، وعن التوقيفات المتكررة بالجملة في صفوف النخب السياسية المتابعة؛ كما أنهم يتطلعون في المستقبل القريب لفتح عدد من الملفات “العالقة” التي تهم سياسيين وبرلمانيين من أحزاب مختلفة يشغل بعضهم مناصب قيادية فيها.

وبعد مرور حوالي الشهر والنصف من عام 2024، لازال الشارع المغربي يراقب وينتظر بحماس مواصلة الضرب بيد من حديد على كل المتورطين في قضايا وملفات فساد محتملة في مختلف المجالات، لا سيما السياسية، على أمل تطهير الحياة العامة ومناصب المسؤولية من الفساد الذي يعتبر أحد المعيقات الأساسية التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق التقدم والتنمية التي تنشدها البلاد، فضلاً عن السير بثبات في تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” الدستوري.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *