العلاقات الرضائية في المغرب.. بين طبيعة المجتمع وتكاليف الحياة

يعيش المجتمع المغربي على وقع الانتظار والترقب، فرحلة إصلاح مدونة الأسرة قد انطلقت، لتشمل العديد من موادها التي تسعى إلى تعزيز حقوق المواطنين وتمكينهم، تماشيا مع النقاش القائم حول القيام بالعديد من الإصلاحات. وكشف استطلاع رأي حديث، عن مجموعة من التمثلات المتعلقة بالمجتمع المغربي لعدد من القضايا المرتبطة بالحريات الفردية، من قبيل العلاقات الرضائية خارج مؤسسة الزواج.

الاستطلاع الذي أنجزه المركز المغربي للمواطنة، خلص إلى أن نسبة رفض تجريم العلاقات الرضائية خارج نطاق الزواج، ترتفع في صفوف الشباب والأرامل والمطلقات، على اعتبار أن النساء هن الأكثر تفهما وقبولا لهذه العلاقات، فيما يرفض أبناء العالم القروي، والأشخاص ما بين سن 42 و49 سنة هذه العلاقات.

الدعارة سببا رئيسيا في رفض النساء تجريم العلاقات الرضائية 

يؤكد نور الدين المصوري، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، على كون الدعارة في المغرب، كما في باقي دول العالم، “تساهم كقطاع غير مهيكل في القوت اليومي لشريحة واسعة من المجتمع، خاصة النساء”، فالسبب الرئيسي حسبه، للجوء إلى بيع الجسد، هو الفقر والهشاشة، “الشيء الذي يدفع هذه الفئة الممتهنة للدعارة بمطالبتها بعدم تجريم ذلك، وإظهارها تفهما كبيرا”.

ويعتبر نور الدين المصوري، في تصريح لـ”بلادنا24“، أن السبب الرئيسي الذي يدفع ممتهنات الدعارة إلى المطالبة بعدم تجريم العلاقات الرضائية، هو ’’إيمانهن بأن ذلك سيؤدي إلى تقنين مهنة الدعارة، ما سيحميهن مستقبلا من المتابعات القانونية والقضائية، جراء ممارستهن لهذه المهنة المحرمة اجتماعيا ودينيا’’.

تكاليف الحياة وغلاء الأسعار.. يقابلها رفض تجريم العلاقات الجنسية

ويعتبر المصوري، أن السبب الرئيسي في رفض فئة الشباب تجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، راجع إلى العديد من الظواهر الاجتماعية التي تعاني منها هذه الفئة، والمتمثلة أساسا في ’’تأخر الزواج أو العزوف عنه، وذلك نتيجة متغيرات اجتماعية، كغلاء الأسعار، وتكاليف الحياة، وانتشار البطالة، والفقر، وعدم القدرة على تكوين أسرة، وتحمل مسؤولية الزوجة  والأبناء، ما يدفعهم إلى المطالبة بهذه العلاقات، بغية إشباع رغباتهم ورغباتهن الجنسية، دون اتهامهم بالفساد أو الزنى، ومن أجل التخلص من الرقابة الاجتماعية المفروضة عليهم’’.

وأضاف المتحدث، أن “الفئة الاجتماعية المستهدفة بالمجتمع، تكون مفروضة عليها رقابة كبيرة من طرف الأهل والمجتمع ككل”، معتبرا أنها تعاني من وصم اجتماعي وتمثلات اجتماعية سلبية سائدة حولها، كما أشار إلى أن “فقدان نساء هذه الفئة لأزواجهن بفعل الوفاة، أو مغادرتهن مؤسسة الزواج، يجعلهن دائما تحت المجهر، ومحط شك واتهام بربط علاقات خارج إطار الزواج، أي علاقات محرمة مجتمعيا”.

أما فيما يخص رفض فئة ما بين 42 و49 سنة لذلك، راجع حسب أستاذ علم الاجتماع، إلى كون أغلبيتهم أشخاص دخلوا إلى مؤسسة الزواج، فوافقوا على تجريم العلاقات الرضائية، بناء على قناعاتهم الاجتماعية، المتمثلة في انخراطهم في مؤسسة الزواج.

العالم القروي والعلاقات الرضائية 

وتمت من خلال النتائج  السالف ذكرها، الإشارة الى أن 61 في المائة من العالم القروي يوافقون على تجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، ما يعتبره الأستاذ الباحث راجع إلى العلاقة القائمة بين المجال والتمثلات الاجتماعية، والتنشئة الاجتماعية، والرابط الاجتماعي السائد في المجال.

فالمجتمع المغربي، يقول نور الدين المصوري، أنه يحتوي على مجال قروي بسيط، ومجال حضري مركب، “فأول الأسباب المؤدية لهذه النتيجة بالمجتمع القروي، راجعة إلى قيم التضامن والتأزر المنتشرة في العالم القروي، بناء على مجموعة من الاعتبارات المبنية على قرابة الدم، وحضور مفاهيم الجماعة والقبيلة، كما لازال نمط الأسرة المهيمن والسائد هو نمط الأسرة الممتدة، أي تلك التي يعيش فيها ثلاث أجيال، جدة وجد وعمة وعم وأبنائهم داخل منزل واحد، حيث تنتشر فيه طبيعة التنشئة الاجتماعية المرتبطة بالدين والأخلاق والقيم والهوية الاجتماعية المحافظة”.

وعلى عكس المجتمع الحضري، الذي يعتبر المحدث، أن نمط الأسرة المهيمن فيه هو الأسرة النووية، وليست الممتدة، “مما أدى الى انتشار نمط الفردانية، أي أصبح كل شخص يعيش بمفرده، يعمل لأجل نفسه وذاته وكيانه ولصالحه الخاص، ما ساهم في انتشار ما يسمى بالشخصية ’’الأنومية’’، أي الشخصية المنعزلة التي تتعامل مع الجميع بنوع من الحيطة والحذر والخوف والريبة، ما أثر على نمط التنشئة الاجتماعية السائدة بالمجال الحضري، التي تأثرت نسبيا بمظاهر العولمة والحداثة السائدة، والانفتاح المعلوماتي السائد من خلال الشبكة العنكبوتية، مما أعطانا انفصال نسبي عن الهوية الثقافية المغربية، وهناك تأثر نسبي بأفكار وثقافات غربية دخيلة على المجتمع المغربي، وبالتالي هذا ما أعطانا تلك النسبة في المجتمع القروي”.

ويسجل المصوري، أن ’’المجتمع القروي ينظر للعلاقات الرضائية على أنها علاقات محرمة يجب تجريمها، على عكس العالم الحضري، المتميزة أبنائه بنوع من التحرر والليبرالية، بسبب ثأترهم بالثقافة الغربية، نظرا لعدم وجود مفاهيم الجماعة والقبيلة داخل أسرهم، ما أعطانا تباين النتائج بين المجتمع القروي، الذي لا زال محافظا على ثقافته وهويته المغربية، مرتبط بقيمه وعاداته وأخلاقه المحافظة. في المقابل، نجد أبناء العالم الحضري الذين طبعوا مع القيم والثقافات الدخيلة والغربية على المجتمع المغربي المحافظ’’.

الكلفة الاجتماعية في حالة تقنين العلاقات الرضائية 

ووفقا لأستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، فإن الكلفة الاجتماعية في حالة تقنين المغرب للعلاقات الرضائية، ستكون باهظه كثيرا، بعيدا على جميع الاعتبارات الدينية والأخلاقية والإيديولوجية والثقافية، فإن ذلك سيؤدي الى ’’انحلال المجتمع المغربي، وتفشي الأمراض المنقولة جنسيا، بسبب غياب الثقافة الجنسية عن مؤسسات التنشئة الاجتماعية، من أسرة ومدرسة وإعلام ومجتمع مدني، جراء تصنيف هذه الثقافة الجنسية ضمن خانة الطابوهات أو المحرمات أو المسكوت عنه، إضافة إلى ارتفاع نسبة الأمهات العازبات، والاجهاض وأطفال الشوارع وتكريس ظاهرة الخيانة الزوجية، إلى غير ذلك من التكاليف الباهظة التي سيدفعها المجتمع المغربي’’.

ويخلص المصوري، على أن تعديل مدونة الأسرة، يجب أن يتماشى مع طبيعة المجتمع المغربي، من خلال تكريس مسألة المساواة والعدالة الاجتماعية، والأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات التاريخية والثقافية والاجتماعية للمجتمع في هذه الإصلاحات، من أجل الوصول إلى الأهداف والمرامي المنشودة.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *