أغمات.. مهد الدولة المرابطية ومنفى آخر ملوك الطوائف تعيش اليوم وضعا مؤسفا

تعتبر أغمات الواقعة على بعد حوالي 30 كلم، من مدينة مراكش، من أقدم المدن المغربية، حيث استوطنها الأمازيغ، قبل الفتوحات الإسلامية، التي قام بها عقبة بن نافع في شمال إفريقيا، لينتشر بعدها الإسلام سنة 689 ميلادية، وتصير مهد الدولة المرابطية، أحد أهم الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، ومناطق شاسعة من شمال إفريقيا شملت دول الجزائر وموريتانيا حاليا، في سياق تاريخي يظهر الحيز الجغرافي والتاريخي، لدولة مغربية أرهبت قوى أوروبية، كانت جيوشها ترعب ساكنةالمعمور.

صراع مرير بين المغراويين والمرابطين

تعود أصل تسمية أغمات، إلى اللغة الأمازيغية، وتنطق غمات بتسكين أول وآخر كلمة، وتعني “خضبوا أو اصبغوا”، ولها عدد من الدلالات الأخرى، اشتهرت المدينة باسم زينب النفزاوية المرأة القوية في الدولة المرابطية، حيث كانت زينب النفزاوية في بداية الأمر، زوجة يوسف بن علي بن عبد الرحمن بن وطاس شيخ مدينة أغمات، وذلك قبل أن تقع المدينة في أيدي المغراويين، ليتزوجها آنذاك زعيم إمارة مغراوة لقوط المغراوي، وبعد دخول المرابطين تزوجها أبو بكر بن عمر اللمتوني، الذي سارع لتطليقها فور عزمه العودة إلى الصحراء، لتأديب عدد من القبائل الثائرة، ليتزوجها بعده يوسف بن تاشفين بناء على وصية أبو بكر بن عمر اللمتوني، لتبدأ بعدها سيرة أقوى النساء في تاريخ المغرب، ومعها مهد أحد أقوى الدول، التي تعاقبت على حكم المغرب.

23

معركة الزلاقة.. زحف المرابطين صوب الأندلس

دخل يوسف بن تاشفين قائد جيوش المرابطين، مدينة إشبيلية، دخول الفاتحين، حيث استوطن بطليوس على بعد كليموترات من موقعة الزلاقة، التي كان قد نزلها ألفونسو السادس، حيث وصل عدد جيوش المسلمين، بعد انضمام ملوك الطوائف الذين يقودهم حاكم إشبيلية المعتمد بن عباد، نحو 30 ألف جندي.

قبل أيام من موقعة الزلاقة حاول ألفونسو السادس خداع يوسف بن تاشفين، محددا موعد المعركة “غدا الجمعة ولا نهاجم مقاتلتكم فيه، لأنه عيدكم، وبعده السبت، يوم عيد اليهود، وهم كثيرون في محلتنا، ونحن نفتقر إليهم، وبعد الاحد عيدنا فلنحترم الأعياد، ويكون اللقاء الإثنين”، تسلم بن تاشفين الرسالة، وكان أن ينخدع بها، لولا دهاء المعتمد ابن عباد، الذي نبهه بغدر ألفونسو السادس.

بحذر تام، جهز بن تاشفين جيوش المسلمين، وقسمه لوحدات، فالتقى الجمعان وحقق المبراطين أهم الانتصارات في تاريخ المعارك بين المسلمين و النصارى، حيث لم يبقى من جيش ألفونسو سوى 30 جنديا، وبهذا أبعد المرابطين، تحرشات جيوش النصارى بساكنة الأندلس.

رعي الجمال خير من رعي الخنازير

حاول عدد من مستشاري المعتمد بن عباد، ثنيه عن طلب العون من دولة المرابطين، وقد أورد صاحب الحلل الموشية في الاخبار المراكشية (ص44-45) مقولة المعتمد ابن عباد ” والله لايسمع عني أبدا، أني أعدت الأندلس دار كفر، ولا تركتها للنصارى، فتقوم علي اللعنة في منابر الإسلام مثلما قامت على غيري”، وحذرت ملوك الطوائف ملك إشبيلية، من عاقبة استدعاء يوسف بن تاشفين في رسالة “الملك عقيم والسيفان لا يجتمعان في غمد”، فأجابهم المعتمد ابن عباد، بكلمته السائرة “رعي الجمال خير من رعي الخنازير”، كونه أسير ليوسف بن تاشفين، يرعى الجمال في الصحراء، خير كونه ممزقا يرعى الخنازير في قشتالة.

في خطوة مفاجئة، قرر يوسف بن تاشفين، العبور للمرة الثانية صوب الأندلس، بعد نقض ملوك الطوائف للعهد وتأيديتهم للجزية لمملكة قشتالة، فقرر إنهاء تواجد ملوك الطوائف، وتحرير الأندلس من صراعهم، فبسط نفوذه على الأندلس، ونفى ملك إشبيلية المعتمد بن عباد إلى مدينة أغمات، رفقة عائلته وزوجته، فلما ساء الحال المعتمد، أنشد قصيدته، التي لازالت تزين جدران ضريحه بأغمات قائلا:

فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا

فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا

22

أغمات بين الأمس واليوم

رغم كونها مهد الدولة المرابطية، أحد أقوى الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، تعيش ساكنة أغمات حاليا وضعا اقتصاديا واجتماعيا كارثيا، بفعل غياب فرص شغل وانعدام بنية سياحية، تساعد على النهوض بالمقومات التاريخية للمنطقة، حيث تفتقر  للمآوي السياحية والمطاعم والمقاهي التي تساهم في تقديم زيادة الإشعاع السياحي لمنطقة تضم أهم مآثر الدولة المغربية، علاوة على غياب بنية تحتية من مستوصفات صحية وطرق، ثم استفحال آفة البطالة، حيث يلجأ شباب المنطقة إلى الهجرة صوب مراكش للبحث عن مورد عيش، في ظل انعدام فرص الشغل، وتوالي سنوات الجفاف بالمنطقة.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *