هل يمكن أن يصبح المغرب مزودا للطاقة لأوروبا؟

جعل المغرب استقلال الطاقة أحد محاوره الاستراتيجية الرئيسية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، فإن المغرب لديه مشكلة ذات شقين في تحقيق ذلك بالوسائل التقليدية. بالكاد تنتج الهيدروكربونات ولا تملك التكنولوجيا اللازمة للطاقة النووية. كان حل سياسة الطاقة المغربية في السنوات الأخيرة هو اللجوء إلى الشمس والرياح، وهما نقطتا قوتها.

ووفق وثيقة نشرها المعهد الإسباني للدراسات الاستراتيجية، سيكون الهدف هو تقليل واردات الطاقة وزيادة حصة الطاقة المتجددة بشكل كبير، في مزيج الطاقة الخاص بها، مع تحديد أهدافها عام 2030. إذا تحقق ذلك، سيصبح المغرب رائدا أفريقيا رئيسيا في مجال الطاقة المتجددة وموردا قويا لأوروبا.

لكن نجاح هذه السياسة، سيعتمد على قدرة شبكة الطاقة المغربية على الاندماج مع الشبكة الأوروبية، الذي يشير المنطق الجغرافي إلى أنه يجب القيام به عبر شبه الجزيرة الأيبيرية. وبهذه الطريقة، سيتم تحقيق تأثير تآزري مهم لتوليد وتصدير طاقة نظيفة منخفضة التكلفة، مما يعود بالفائدة على المغرب وأوروبا، والذي سيطلب من إسبانيا أن تلعب فيه دورا مهما.

هل يمكن أن يصبح المغرب مزودا للطاقة لأوروبا؟

تقول الوثيقة أن المملكة بلد غير نمطي. “منذ استقلالها في عام 1956، لم تكن البلاد أكثر من متواضعة مقارنة بقوى الطاقة المجاورة مثل الجزائر وليبيا. على عكس جيرانها في شمال إفريقيا فإن إنتاجها المحلي ضئيل وينتج كميات هامشية من النفط والغاز الطبيعي في حوض الصويرة وكميات صغيرة من الغاز الطبيعي من حوض الغرب، لم يتجاوز أبدا 5000 برميل في اليوم”.

ومع ذلك، فإن اكتشاف الغاز في منطقة تندادرة بواسطة شركة “Sound Energy في المملكة المتحدة، والتنقيب عن المياه العميقة في الخارج هي تطورات واعدة. وهذه جزء من برنامج التنقيب عن النفط والغاز الذي يديره المكتب الوطني للهيدروكربونات والمناجم.

ووفق المصدر نفسه، فإن ندرة موارده الهيدروكربونية تجعل الاقتصاد المغربي يعتمد على الواردات لتلبية الطلب المحلي على الطاقة، مما جعل المملكة أكبر مستورد للطاقة في شمال إفريقيا. وخلال الفترة 2017-2020، شكلت واردات الوقود الأحفوري حوالي 90 بالمائة من إجمالي إمدادات الطاقة الأولية و80 بالمائة من إمدادات الكهرباء.

ويتكون مزيج الطاقة بشكل أساسي من الوقود الأحفوري، والذي يمثل ما يقرب من 90 بالمائة من إجمالي إمدادات الطاقة الأولية (TPES) و80 بالمائة من إمدادات الكهرباء. في سنة 2020، استحوذ الفحم على ما يقرب من 70 بالمائة من الطاقة المولدة، تليها مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي بنسبة 18 بالمائة و9بالمائة على التوالي.

وفي المقابل، قدم النفط مساهمة محدودة في مزيج الطاقة، حيث انخفضت حصته بشكل كبير من 26 بالمائة في عام 2011 إلى أقل من 2 بالمائة في عام 2020. وكان الفحم أيضا المصدر الرئيسي للكهرباء في المغرب، وإن كان بدرجة أقل، لما يقرب من 40 بالمائة من الإنتاج في عام 2019، حسب ذات الوثيقة.

الالتزام بالطاقات المتجددة

مع حلول الألفية الجديدة، انتشرت حمى الخوصصة في مجال الطاقات المتجددة، والتي بدأت تعتبرها السلطات رهانا استراتيجيا لتقليل اعتمادها في مجال الطاقة على الموردين الأجانب، في وقت كان المغرب يستورد فيه 97 بالمائة من مصادر الطاقة المتجددة. ومصادر الطاقة لتوليد الكهرباء. وكما أشار محلل الطاقة للمنصة، فإن “التحدي الأكبر للحكومة كان ضمان أمن الطاقة، حيث أن احتياطياتها المنخفضة من الوقود الأحفوري، تعني أنها يجب أن تعتمد على الواردات لتلبية احتياجاتها من توليد الطاقة”.

ولحل مشكلة الاعتماد على الطاقة الناجمة عن احتياطياته المحدودة من الغاز والنفط، قرر المغرب استخدام الشمس، وهي مورد طبيعي لا ينضب، كعنصر أساسي في سياسته المتعلقة بالطاقة. والمنطق الاستراتيجي وراء هذه المقامرة واضح. من ناحية أخرى، لا يمكن للمغرب أن ينافس في قطاع النفط والغاز دولا في المنطقة مثل الجزائر أو ليبيا أو حتى مصر. ومع ذلك، فإن موقعها الجغرافي وخصائصها المناخية المواتية، تجعل من المغرب إحدى الدول الأفريقية الرائدة من حيث قدرة الطاقة المتجددة المحتملة.

ومع أكثر من 300 يوم من أشعة الشمس في السنة في مناظرها الصحراوية الشاسعة وغير المأهولة، والتي يمكن استغلالها باستخدام الألواح الشمسية، وإمكانات طاقة الرياح ذات العائد المرتفع بسبب انتظامها، يمكن للمغرب الاستفادة من موقعه المميز للتحرك نحو استقلال الطاقة، وبالتالي، زيادة أمن الطاقة، وفي الوقت نفسه، إنتاج فوائض للتصدير إلى أوروبا بتكلفة تنافسية للغاية، وفق التقرير نفسه.

والميزة النسبية التي توفرها خصائصها المناخية تعني أن أداء الألواح الشمسية في المغرب أعلى منه في أي بلد أوروبي، كما يمكن تقديره بسهولة من خلال زيارة المنصات التي تجمع بيانات أشعة الشمس من جميع أنحاء العالم، والتي تشير إلى أن الشمس يمكن يتم استغلالها بالشكل الأمثل في ما يقرب من ثلثي التراب المغربي.

وفيما يتعلق بطاقة الرياح، يتمتع جنوب المغرب بأكمله بإمكانيات استثنائية كواحد من ممرات الرياح الرئيسية في العالم، مما يجعله البلد الإفريقي الأفضل لتوليد هذا النوع من الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن كثافتها السكانية المنخفضة بسبب ظروفها الصحراوية تفضل إقامة مزارع رياح ضخمة مع القليل من التدخل في حياة سكانها. كل هذا يختلف عن أوروبا، حيث توجد أكثر المناطق رياحا في المناطق الشمالية المكتظة بالسكان في القارة وفي الجزر البريطانية.

المغرب أفضل دولة للاسثتمار

وقال المصدر، إن الفرص الاقتصادية التي ستنجم عن تحويل المغرب إلى منصة متوسطية للطاقة المتجددة ستكون هائلة، ويبدو أن المغرب قد أدرك ذلك. على سبيل المثال، أدى تشغيل محطة أرفود الكهروضوئية وحدها في عام 2021، وهي إحدى المحطات الثلاثة التي تشكل مجمع نور تافيلالت للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 120 ميجاوات، إلى إتاحة مصدر لإنتاج الطاقة المتجددة بتكلفة تنافسية للغاية تبلغ يورو. 0.03 / كيلوواط ساعة مقارنة بـ 0.35 يورو / كيلوواط ساعة التي كلفتها في عام 2009، أو 0.20 يورو / كيلوواط ساعة كلفت إسبانيا في يناير 2023، مما يجعله موردا محتملا للطاقة المتجددة لأوروبا.

هذا، وأبرز التقرير، أن المغرب يشترك في هذه الخاصية القائمة على الطاقة الشمسية مع دول شمال إفريقيا الأخرى التي لديها ظروف مناخية مماثلة. ومع ذلك، تتمتع المملكة بميزة الاستقرار السياسي – على الرغم من العلاقات الدبلوماسية المتوترة مع الجزائر المجاورة، أو الأزمات الدورية مع الاتحاد الأوروبي – والسهولة الأكبر التي يمكن للشركات الأجنبية أن تستثمر بها في البلاد. وهذا يجعلها ، إلى جانب جنوب إفريقيا ومصر، أفضل دولة للاستثمار في إفريقيا، ولا عجب في أنها من البلدان الثلاثة ذات القدرة المتجددة الأعلى في إفريقيا.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *