حادث مقتل مغربيين يعيد اعتداءات عسكر الجزائر بالحدود إلى الأذهان

أعادت قضية مقتل شابين مغربيين يقيمان بالديار الفرنسية، رميا بالرصاص، من قبل عناصر خفر السواحل الجزائري في عرض البحر، وإصابة آخرين بجروح، إلى أذهان المغاربة، الاعتداءات المتكررة لعناصر الجيش الجزائري على ساكنة الشريط الحدودي، والتي كان آخرها، إقدام عنصر من الجيش سنة 2014، على إطلاق 3 عيارات نارية على عشرة مدنيين مغاربة على مستوى الحدود المغربية الجزائرية، وهو ما أسفر عن إصابة المواطن المغربي، رزق الله الصالحي، بإصابات بليغة على مستوى الوجه في دوار أولاد صالح، التابع للجماعة القروية بني خالد (عمالة وجدة أنجاد)، الأمر الذي جعل الحكومة المغربية تعبر عن استيائها وقلقها الكبيرين، وتدين ما وصفته بـ”التصرف غير المبرر الذي ينتهك أبسط قواعد حسن الجوار ويتناقض والأواصر التاريخية وروابط الدم التي تجمع الشعبين الشقيقين”.

فواقعة مقتل الشابين المغربيين، بلال قيسي (28 عاما)، وعبد العالي مشيور (30 عاما)، تأتي في وقت تعيش فيه العلاقات المغربية الجزائرية على وقع مجموعة من التوترات، أبرزها إقدام السلطات الجزائرية على قطع علاقتها الدبلوماسية مع المغرب وإغلاقها للحدود الجوية، علاوة على الحدود البرية المغلقة منذ سنة 1994، على خلفية الأحداث الإرهابية التي شهدها فندق “أطلس اسني” بمراكش، والتي كان يقف من ورائها عناصر وعملاء من المخابرات الجزائرية.

وتفتح قضية ضحايا رصاص عسكر الجزائر، الباب واسعا أمام المغرب والجزائر، للدخول في علاقات أكثر توترا من التي عليها، بالرغم من أنها تمر من “عنق الزجاجة”، وهو ما يستدعي تدخلات وإجراءات لنقل جثمان الشاب عبد العالي مشيور، المحتجز بالجزائر، لدفنه بالتراب المغربي، وإطلاق سراح الشاب الآخر المتواجد بالسجون الجزائرية.

غير أن الأسئلة التي تطرح نفسها بحدة، وتحتاج إلى إجابات، هي: “هل ستعترف الجزائر بارتكابها أفعالا مخالفة للقانون وتقر بقتلها لمغربيين دخلا مياهها الإقليمية عن طريق الخطأ؟ أو أنها ستتبلع لسانها وتلتزم الصمت، بالرغم من أن العالم بأكمله يعرف أنها ارتكبت جريمة مكتملة الأركان؟”.

جريمة مكتملة الأركان

ويرى الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية، وعضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية، أحمد نور الدين، أن ما أقدم عليه عناصر خفر السواحل الجزائري يعتبر “جريمة نكراء ومتكاملة الأركان مع سبق الإصرار والترصد، بدعوى أنه من العادي أن يقوم شباب في مقتبل العمر باختراق الحدود البحرية عن طريق الخطأ، وهي التي لا تفصل بين السعيدية ومرسى بن مهيدي إلا ببضع أمتار، لأنه من يعرف هذه المنطقة أو زارها من قبل، سيعرف أن الجزائريون والمغاربة يسبحون تقريبا في بحر واحد، حيث لا تفصل بينهم سوى بضع أمتار لا تتجاوز حتى 50 مترا.

ويضيف الخبير الدولي في تصريحه لـ”بلادنا24“، أن “هؤلاء الشباب لما دخلوا بجيت سكي، أكيد أنهم لم يعرفوا البحر وتياراته، ولا يستطيعون التمييز إن كانوا داخل المياه المغربية أو الجزائرية، وبالتالي فإن حالات مثل هاته على مستوى القانون الدولي، ينبغي على حرس الحدود للبلد المعني أن يتعامل معها بتوجيه إنذارات عن طريق مكبرات الصوت التي تتوفر عليها زوارق حرس الحدود لتنبيه المخترقين بالعودة إلى المياه الدولية أو المياه الإقليمية للبلد المجاور”، مشيرا إلى أنه “في الحالات القصوى يتم اعتقالهم وتقديمهم أمام المحاكم على حسب ما تتوصل بها؛ أحيانا يتم سجنهم حسب اختراق الحدود بنية مبيتة أو عن طريق الخطأ، ربما شهر أو أقل من شهر، أو لا يتجاوز 3 أشهر؛ أو طردهم عبر الممر الذي دخلوا به بطريقة غير قانونية، ويتم تسليمهم للدولة المعنية”.

وأوضح عضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية، أنه “في حال إذا كانت العلاقات مقطوعة، يتم تسليمهم لدولة ثالثة كتونس مثلا، أو دولة أخرى تسلمهم للمغرب، وهذا هو المنطق القانوني”، قبل أن يضيف، “وإذا صرنا في المنطق الحربي أو منطق السلاح، يتم توجيه ضربات نارية في الهواء لتنبيه المخترقين للمجال البحري أو الحدود البرية أو غيرها، قبل إطلاق النار، وفي حال توجيه طلقات نارية، يتم توجيهها للتخويف وليس للقتل، وبينما نحن أمام الحالات التي هي معروضة أمامنا حسب شهادة أحد أشقاء الضحايا، فإن جيت سكي تمت غربلته بالرصاص، إذ تم رش واحد بـ5 رصاصات، والقتيل الذي لفظته أمواج البحر صوب المياه المغربية، اخترقت جسده عدة رصاصات، وهو ما يبين أننا أمام جريمة مكتملة الأركان”.

تعامل إنساني

واستحضر الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية، رواية أب أحد ضحايا عسكر الجزائر، والتي قال فيها “إن عناصر الدرك الملكي المغربي أخبروه عن حادثة وقعت، شهر رمضان الماضي، في الحدود مع بلدة بني أدرار (عمالة وجدة أنجاد)، حيث تم توقيف 5 جزائريين اخترقوا الحدود البرية، وتم اقتيادهم إلى مركز الدرك، إذ تمت ضيافتهم وقدم لهم الفطور والسحور، وخصصت لهم أماكن للنوم، وفي الغد تم إيصالهم إلى المنطقة الحدودية في أمان”.

وقال أحمد نور الدين، إن “هناك تسجيلات فيديو تظهر اختراق قارب للصيد جزائري للمياه الإقليمية المغربية، بسبب عاصفة تعرض على إثرها لعطب في محركه، إذ اقتادته البحرية الملكية، وقطرته بميناء رأس الماء قرب مدينة السعيدية، وتم إصلاح العطب، وضيافة صاحب المركب، بعد أن تم إصلاحه، وأعطيت له الإمكانيات للعودة إلى الجزائر، دون اتخاذ أي إجراءات قانونية”.

اعتداءات متكررة

وأكد المتحدث، أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي يقتل فيها الجيش الجزائري المغاربة، إذ “هناك سنويا ما لا يقل عن شخص قتيل، أو محاولة اغتيال تتم في الشهر على الأقل، يعني هناك 12 محاولة سنويا عبر الحدود من السعيدية إلى فكيك، يذهب ضحيتها الرعاة وهم يلاحقون ماشيتهم، أو يذهب أحيانا ضحيتها الفلاحون الذين توجد أراضيهم على التماس مع الحدود، بينما لم يثبت يوما ما أن الجيش المغربي، أو الدرك الملكي، أو عناصر القوات المساعدة، قاموا بإطلاق أي رصاصة ضد أي جزائري اخترق الحدود”.

وأبرز أن “هذا يثبت التعامل القانوني والإنساني الذي يتعامل به المغرب، فضلا عن حسن الجوار مع الجزائريين، بينما في المقابل نجد نظاما مجرما تجاوز كل حدود الإجرام في حق شعبه، وفي حق الشعب المغربي، وجيرانه المغاربة من المدنيين العزل”، مؤكد أن الجريمة التي ارتكبها عسكر الجزائر، “يجب إدانتها بكل الوسائل الممكنة القانونية والسياسية والدبلوماسية”.

استرجاع جثة الضحية

وأوضح نور الدين، أن “ما يمكن فعله الآن، هو المطالبة باستعجال، باسترجاع جثة الشاب المغربي المتواجد بالجزائر، والتي اقتادها عناصر الحدود الجزائري، لأنه بناء على تصريحات عائلات الضحايا، يتبين أن الجزائر تحتجز جثة الشهيد (عبد العالي مشيور)، وهو ما يستدعي تدخلا من قبل السلطات المغربية، وإن كان هناك حديث يجري عن أن السلطات الفرنسية دخلت على الخط، كون الضحايا يحملان الجنسية الفرنسية”.

وأكد المصدر ذاته، أنه “نظرا لقطع العلاقات الجزائرية مع المغرب، فإن السلطات الفرنسية ستتولى المطالبة باسترجاع الجثة، وإلا فعلى المغرب أن يطالب عبر القنوات الدبلوماسية، سواء عبر القنصلية المغربية المتواجدة بوهران مثلا، أو قنصلية الجزائر بوجدة، أو تكليف بلد آخر صديق أو شقيق للقيام بالإجراءات اللازمة، وذلك من أجل نقل الجثة ودفنها بالتراب المغربي”.

وأشار إلى أنه، “بما أن الضحايا يحملون الجنسية المزدوجة، لا ينبغي على المغرب أن يفوت هذه الفرصة، إذ يجب عليه أن يراسل مجلس الأمن على هذه الاعتداءات المتكررة على طول الحدود المغربية الجزائرية سنويا وبشكل ممنهج، ويراسل الاتحاد الافريقي بحكم أن الجزائر عضوا فيه، وكذلك الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، على الأقل مراسلة كل المنظمات التي نشترك فيها مع العدو”، ليضيف متسائلا: “قد يقول قائل ما الفائدة من هذه المراسلات الدبلوماسية؟”، قبل أن يجيب: “إنها الدليل الذي يبقى للتاريخ على هذه الجرائم، لأننا لا نعرف كيف ستتطور العلاقات مع جار السوء، كون العمليات التي يقوم بها تدخل في إطار الاستفزازات”.

إشعال فتيل الحرب

وأكد الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية، على أن “الجزائر تسعى بكل جهدها لإشعال فتيل الحرب، لأن النظام الجزائري أحس بأن الحبل قد التف حول عنقه، وأن الأزمة قد استفحلت به بشكل رهيب جدا، وهو ما يعني أن النظام الجزائري يختنق وفي أنفاسه الأخيرة، والدليل على ذلك هو أن الرئيس الجزائري يعتبر نفسه قوة إقليمية كما يدعي، وهم ليسوا حتى “قهوة إقليمية”، إذ نجد رئيس دولة يتحدث عن أزمة العدس واللوبيا، فهذا دليل على أن النظام الجزائري وصل إلى حالة الإفلاس”.

وقال إن “هذا دليل مبسط، فإذا أردنا التحليل، فإنه معروف أن النظام الجزائري، منذ اندلاع الحراك شهر فبراير من سنة 2019، خرج الشعب الجزائري عن بكرة أبيه يطالب بإسقاط النظام، وهو الشعب الوحيد الذي رفع شعارات الشعب يريد الاستقلال، لأنه يعتبر  نفسه محتل من طرف هذا النظام العسكري وعصابة الجنرالات، وهو الشعب الذي أطلق صفة العصابة على حكامه”.

وشدد أنه “معروف منذ العشرية السوداء، أي منذ الانقلاب على صناديق الاقتراع سنة 1992، أن الأحزاب الحقيقية المعارضة تم حلها، وهي ممنوعة من الممارسة السياسية، وبالتالي فحتى الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية، هي أحزاب مفبركة على مقاس النظام ويتم التحكم فيها، وهذا ما يبين أن الجزائر وصلت إلى احتباس سياسي وصل إلى أقصاه”.

أزمة أمنية

وأبرز أحمد نور الدين، أن “الجزائر أصبحت تعيش أزمة أمنية، تتجلى في صراع الأجنحة بين الجيش الجزائري، وأبرز عناوين هذا الصراع هو وجود 30 جنرالا خلف القضبان وفي السجون، مما يعني أن هناك صراعا محتدما داخل المؤسسة العسكرية، ويمكن أن ينفجر في أي وقت”.

وأوضح المصدر ذاته، أن “هذا الأمر لم يعد خافيا، إذ يتم الحديث عنه في التقارير الدولية، ويتداوله الجنرالات الهاربين من الجزائر، ومنهم قائد الدرك الذي فر إلى إسبانيا، ولا زال مستقرا فيها، وقبله كان قد فر خالد نزار، وهو وزير الدفاع، وقائد الجيش الجزائري، إلى فرنسا، في عهد القايد صالح، قبل أن يعود إلى الجزائر مرة أخرى بعد وفاة الأخير أو اغتياله، وسيطرة فريق آخر على النظام، وهو بالمناسبة الشخص المطلوب لدى العدالة السويسرية”.

وأكد المحلل السياسي، أن النظام الجزائري “يدرك أنه وصل إلى حافة الانهيار، وهو في اعتقاده أن الوسيلة الوحيدة للخروج من هذه الأزمات التي يتخبط فيها، هو إشعال حرب مع المغرب، لأنه من خلالها يريد ضرب عدة عصافير، أولها إعادة ترميم الجيش، وإنقاذ الاقتصاد الجزائري المنهار، غير أن القرار الحربي ليس بسيطا، لأنه تتداخل فيه العوامل الخارجية ومراكز القرار الدولي وغيرها من المتغيرات”.

تبرير الحرب

وأشار نور الدين إلى أن النظام الجزائري، “يحاول تبرير هذه الحرب بافتعال مسبباتها، ومحاولة الدفع بالمغرب ليكون الرد بأن المغرب هو من شن الحرب وليس النظام العسكري الجزائري”، مبرزا أن “المغرب فهم هذه اللعبة منذ نصف قرن، ولا يسمح للعلاقات بأن تنهار إلى درجة إعلان حرب بين البلدين”.

ولفت الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية، إلى أن “المغرب لا يريد إعطاء الفرصة للجزائر، وعلينا أن نسجل لدى الأمم المتحدة، حتى لا نتهم في المستقبل، لأننا قد رأينا أثناء إعلان قطع العلاقات بين البلدين، أن وزير الخارجية السابق، رمطان العمامرة، تلا بيان من 8 و9 صفحات جمع فيها كل ما وجده منذ سنة 1963، وبالتالي حتى لا نكون مثل ما وقع في حرب الرمال، هم من كانوا المهاجمين، واتهمونا كوننا نحن من هاجمناهم، ولحد اليوم لا زالوا يدلون بهذه التصريحات، وهناك من المغاربة من يصدق ذلك نظرا للبروبوغاندا الجزائرية وقوة الكذب.”

مقاضاة الجزائر

وشدد أحمد نور الدين، على أنه “ينبغي على وزارة الخارجية توثيق جميع الاعتداءات التي ترتكبها الجزائر، وتوجيه مراسلات بشأنها للمنظمات الدولية المسؤولة عن حقوق الإنسان، لأن اغتيال شبان بهذه الطريقة، هو إعدام ميداني منافي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، إذ يجب تكوين ملف جنائي ضد الجزائر لدى هذه المنظمات، وكل يوم تنضاف له ورقة، سواء ارتكبت الجزائر جريمة دبلوماسية أو إعلامية وغيرها، الأساس هو توثيق ذلك لإدانة هذا النظام”.

وخلص المصدر، إلى أن “هناك إمكانيات لمقاضاة النظام الجزائري، والتوجه نحو محكمة العدل الدولية التي لها طابع خاص، لأنها تهتم بالنزاعات والخلافات بين الدول، وهناك فصول تتحدث عن أنه بإمكان الدول أن ترفع قضايا لدى محكمة العدل الدولية نيابة عن مواطنيها، فالمغرب يمكن له نيابة عن عائلة الضحايا، أن يرفع دعوى ضد النظام الجزائري، لأنه خرق القوانين، وقام باغتيال مواطنين مغاربة بدم بارد ودون سابق إنذار”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *