الغش في الامتحانات.. بين مطرقة القوانين وسندان ضبط المخالفين

بلادنا24 – حفصة المقدم |

طفت ظاهرة الغش في الامتحانات على السطح، مجددا، مع اقتراب مواعيدها، خاصة امتحانات البكالوريا، والذي تتجند خلالها إدارات الثانويات لتحصين الامتحانات من الغش، وتشديد المراقبة عليها بهدف منع الظاهرة وضمان تكافؤ الفرص.

يعد الغش إخلالا بالتعاقد التربوي والأخلاقي، لذلك، فإن القانون 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية، والذي دخل حيز التطبيق منذ إصداره بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 شتنبر 2016، سن عقوبات في حق كل من ضبط متلبسا بممارسة الغش في الامتحانات، تتراوح من منح نقطة 0 في اختبار المادة التي تم فيها ممارسة الغش وإلغاء نقط جميع مواد الدورة المعنية، إلى الاقصاء من اجتياز الامتحان لمدة سنتين دراسيتين متواليتين.

كما أن الظهير الشريف رقم 060-58-1، المتعلق بزجر الخداع في الامتحانات والمباريات العمومية، ينص في فصوله على اعتبار الخداع في الامتحانات والمباريات بمثابة جنحة يعاقب عليها القانون بالسجن تتراوح مدته بين شهر واحد و3 سنوات، وبغرامة مالية، فضلا عن بطلان ما يحتمل من نجاح في المباراة أو الامتحان المرتكب فيه الخداع، واتخاذ إجراءات تأديبية في حق المتهمين.

ورغم وجود مقتضيات قانونية تمنع الغش وتسن عقوبات في حق المتورطين فيه، إلا أن ذلك لم يسعف في الحد من الظاهرة أو التقليل منها، فلا يزال الغش يمارس على نطاق واسع.

الغش الإلكتروني وتهديد مصداقية الباكلوريا

تعرض صفحات على منصات وسائل التواصل الإجتماعي، العديد من الأجهزة الإلكترونية للبيع من أجل استخدامها للغش في الامتحانات، خاصة خلال فترة امتحانات البكالوريا والامتحانات الجهوية، ما يثير حالة استنفار لدى العديد من التربويين والأساتذة، باعتبار أن الغش سبب رئيسي في تردي مستوى التلاميذ والطلبة، وغياب تكافؤ الفرص.

وتشهد أيام الامتحانات، ضبط العديد من الهواتف النقالة والأجهزة الإلكترونية المتنوعة، والتي تكون سببا كافيا لإقصاء العديد من المترشحين من اجتياز الامتحانات.

انعكاسات ظاهرة الغش على المنظومة التعليمية والطلبة

غالبا ما يخلف الغش آثارا نفسية سلبية على الطالب، كالخوف والعديد من السلوكيات المذمومة، على غرار سرقة جهد طالب آخر، والحصول على امتيازات غير مشروعة، بالإضافة إلى تدني وتدهور المستوى التعليمي للطالب، حيث يتخرج وهو “خالي الوفاض”، وغير مؤهل مهنيا للقيام بأي عمل، كما يبعث الطلبة الغشاشين اليأس في نفوس الطلبة المجدين، الذين يستعدون بكل جد لمواجهة الامتحانات.

ومن آثاره السلبية على الطلاب، العزوف عن القراءة، والكسل، وضعف روح المنافسة داخل المؤسسة التربوية، والتقليل من أهمية الاختبارات وجديتها، في الوقت الذي يفترض أن تكون وسائل التربية والتعليم قد هذبت قيمهم وأخلاقهم.

وزارة التعليم وتصديها لظاهر الغش 

سبق لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن تحدث في إحدى الجلسات العامة المخصصة للأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، السنة الماضية، عن ضبط العديد من الساعات اليدوية المستعملة في الغش في امتحانات البكالوريا، مشيرا إلى أنه تم ضبط 4235 حالة غش، بنسبة ارتفاع بلغت 116 في المائة، مقارنة مع دورة سنة 2020.

وأبرز الوزير، أنه تمت إحالة 133 مترشحا على السلطات الأمنية، نظرا لحيازتهم وسائل إلكترونية غير مسموح بها داخل مراكز الامتحان، أو بسبب عنف لفظي تجاه الأساتذة المكلفين بالحراسة، بالإضافة إلى تحرير محاضر الغش بشأن الحالات التي تم ضبطها، لاتخاذ عقوبات تأديبية كما ينص عليها القانون 02.13، المتعلق بجزر الغش في الامتحانات المدرسية.

رغم ذلك، أكد الوزير، أن هذه النسبة تعتبر ضئيلة” ولا تتعدى 1 في المائة، مقارنة مع عدد المشاركين في الامتحانات.

وفي هذا الصدد، قال مصطفى الأسروتي، الأستاذ والنقابي، إن ظاهرة الغش ”للأسف أصبحت مكتسبة، فالتلميذ أصبح يعتقد أنه حق مشروع وليست مسألة ممنوعة”.

وأضاف الأسروتي، في تصريح لـ”بلادنا24“، أنه ”إذا قام الأستاذ بواجبه، وحجز جميع وسائل الغش لدى التلميذ، وكتب تقريرا بغرض إحالة الأخير على المجلس التأديبي، فكأن الأستاذ منع التلميذ من حق مشروع، أو كأنه ظلمه”.

وتابع المتحدث، قوله، ”من فرط انتشار هذه الظاهرة، أمست مكتسبة لدى التلاميذ، وطبعا مسؤولية الوزارة هنا ثابتة في هذا الأمر، على اعتبار أن الإجراءات المتخذة من ناحية زجر الغش غير كافية. صحيح أن هناك قانون يمنع الغش، إلا أنه ليس هناك قانون يحمي الأستاذ الذي يقوم بواجبه، بعد خروجه من المؤسسة التعليمية”.

وأورد الفاعل النقابي، أن هناك حالات لأساتذة تعرضوا للضرب والاعتداء بعد خروجهم من المؤسسة، “ما يفيد أن التلاميذ أصبحوا يعتبرون الغش حقا مشروعا لا يجب المساس به”.

وأشار الأسروتي، إلى أن الإحصائيات المعلن عنها من طرف الوزارة، ”لا تمثل الحجم الحقيقي لانتشار  الظاهرة”، مبرزا أن الأعداد غير المصرح بها ”أضعافا مضاعفة”، مضيفا: ”وبالتالي، من الناحية القانونية، هناك مجهود مبذول، لكن المسألة الأساسية هي حماية الأستاذ التي تبقى الغائب الأكبر”.

وواصل قائلا: ”هناك طرق عديدة يمكن اعتمادها لمحاربة هذه الظاهرة، خاصة أن أغلب وسائل الغش هي الهواتف النقالة، بحيث توجد إمكانية قطع الخط على المؤسسة التعليمية خلال فترة إجراء الامتحانات. لا أظن أن الوزارة ليست لها إمكانية، ولا أعلم لماذا لم تقم بتطبيق هذه الفكرة، أم أن الغش يساهم في ارتفاع نسبة النجاح”، يقول متسائلا.

وطالب مصطفى الأسروتي بتوفير الجهات المعنية، الحماية الكاملة للأستاذ خلال فترة الامتحانات، جراء ما قد يتعرض له من اعتداء، من قبل التلاميذ المتورطين في عملية الغش داخل الأقسام، مردفا: “ما يهمني الآن بصفتي نقابي ومتتبع للشأن التربوي، هو توفير الحماية للأستاذ”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *