وجدة.. مقبرة المهاجرين الحالمين بـ”الفردوس الأوروبي”

لم تعد مدينة وجدة القريبة من الحدود المغربية الجزائرية، تشكل معبرا للمهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، صوب الضفة الأوروبية، بل تحولت إلى مقبرة تدفن بها جثثهم وأحلامهم، بالرغم من أنهم تمكنوا من الوصول إليها، إثر قطعهم لآلاف الكيلومترات، واجتيازهم للشريط الحدودي المغربي الجزائري، أملا في تحقيق حلم الهجرة نحو “الفردوس المفقود”.

هؤلاء المهاجرون، يسيطر على عقولهم بشكل كبير جدا حلم الهجرة صوب الضفة الأوروبية، وهو ما دفعهم إلى المجازفة بحياتهم لتحقيق الغاية التي هجروا من أجلها بلدانهم الأصلية، إذ يتخذون من مدينة وجدة محطة أولى، في انتظار استكمال مسيرتهم، والبحث عن أي وسيلة تمكنهم من الوصول إلى مدينة الناظور القريبة من مدينة مليلية المحتلة.

وليس كل المهاجرين الذين وصلوا إلى مدينتي وجدة أو الناظور، قد حققوا غايتهم، فمنهم من تمكن من ملامسة “الحلم الأوروبي”، ومنهم من وجد نفسه في السجن أثناء محاولته اقتحام السياج الحدودي لمليلية السليبة، فيما آخرون لقوا مصرعهم، وعثر عليهم جثث هامدة في الغابات، وعلى مرمى حجر من الحدود المغربية الجزائرية.

من مالي إلى مقبرة الشهداء

كاورو غابا، مهاجر من جنسية مالية، هجر بلده وتوجه صوب مدينة وجدة، بعد أن اجتاز حدود العديد من الدول الإفريقية، كان كله أمله ذلك هو العبور نحو شبه الجزيرة الإيبرية، غير أن أحلامه تبخرت على حدود المغرب والجزائر، إذ عثر عليه جثة هامدة، ليتم دفنه بمقبرة الشهداء في مدينة الألف سنة.

ويحكي رئيس جمعية مساعدة المهاجرين في وضعية صعبة، حسن عماري، في حديثه لـ”بلادنا24“، أن هذا المهاجر غير النظامي، عثر على جثته، يوم 28 فبراير الجاري، بالقرب من الحدود المغربية الجزائرية.

وكشف المهتم بشؤون الهجرة، أنه على مقربة من الحدود المغربية الجزائرية، يوجد خندق عمقه 4 أمتار وطوله حوالي 4.5 أمتار، هو ما يودي بحياة المهاجرين، سيما في فصل الشتاء.

وبخصوص المهاجر المالي، يضيف العماري، أنه لم يتمكن من تحديد هويته إلا بمساعدة من عدد من المهاجرين والمتدخلين، كونه لم يكن يتوفر على الوثائق الثبوتية، مشيرا إلى أنه باشر مجموعة من الإجراءات، وتدخل لدى السلطات المعنية من أجل دفن جثة المهاجر في ظروف كريمة.

جثث المهاجرين

وليس هذا هو المهاجر الوحيد الذي توفي على الحدود المغربية الجزائرية، إذ هناك العديد منهم ممن وافتهم المنية في ظروف صعبة، جراء تقبل أحوال الطقس، وانخفاض دراجات الحرارة، أو بسبب الإرهاق، والعياء الشديد، والجوع.

وفي هذا السياق، أفاد حسن عماري، أنه ما بين شهر نونبر من العام الماضي إلى غاية شهر مارس الجاري، تم العثور على أزيد من 13 مهاجرا غير نظامي جثة هامدة، لا يحملون الوثائق الثبوتية، بعد أن قاموا بإتلافها في دولة الجزائر.

وأضاف رئيس جمعية المهاجرين في وضعية صعبة، أن دور الجمعية هو تحديد هوية هؤلاء ودفنهم بكرامة، بعد اتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية.

وكشف العماري، أنه “أثناء التعرف على هوية الشخص، نخبر عائلته بخبر الوفاة، ونطلب منها إما أخذ جثمانه أو مد الجمعية بتوكيل لإتمام إجراءات الدفن”، مضيفا “الغالبية العظمى من العائلات لا تملك الإمكانات المالية لإجلاء جثامين أبنائها، وهو ما يجعلهم يطلبون منا دفنهم في عين المكان”.

وكالة عائلية لدفن ضحايا الهجرة غير النظامية

واستحضر حسن عماري، في حديثه لـ”بلادنا24“، المهاجر غير النظامي، كاورو غابا، إذ قال إنه بعد تحديد هويته، تم البحث عن عائلته التي منحت الوكالة للجمعية ورئيسها، للقيام بمراسيم الدفن، وذلك بعد استكمال كل الإجراءات القانونية مع المصالح الطبية والقضائية والإدارية.

وأفاد رئيس الجمعية، أنه تم نقل جثته إلى المسجد باعتباره مسلما، حيث أجريت صلاة الجنازة، مشيرا إلى انه تم توثيق عملية الدفن وإرسال ما تم توثيقه لعائلته، والقيام بإجراءات التشطيب عليه من الحالة المدنية وفقا لقانون الحالة المدنية المغربي.

ولفت إلى أن العمل الذي تقوم به الجمعية هو “عمل شاق ومتعب، لكنه يحافظ على الإنسانية والطابع الإنساني للإنسان، حيث يدفن بكرامة، والجمعية تقوم بهذا العمل بشكل تطوعي”.

وتعتبر مدينة وجدة، بحكم موقعها الجغرافي، من أكثر المدن التي يتدفق عليها المهاجرون المنحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تحاذي من جهة الشريط الحدودي المغربي الجزائري، ومن جهة أخرى قربها من المدن الساحلية المطلة على الواجهة المتوسطية، بما فيها مدينة مليلية المحتلة، التي تشهد “غارات بشرية” من قبل المهاجرين بين الفينة والأخرى.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *