هل يستغل بنكيران القداسة الدينية للمغاربة للتأثير على مراجعة مدونة الأسرة؟

يفضل حزب العدالة والتنمية، مواصلة طريقه في الاعتراض على كافة التوجهات الحقوقية الجديدة التي بات المغرب يدشنها في الحياة العامة، وذلك بعد تفاعل الملك محمد السادس مع مطالب العديد من الهيئات الحقوقية النسائية، الخاصة بمدونة الأسرة، في خطاب العرش لهذه السنة، والتي دعا فيها إلى تحيين الآليات والتشريعات للنهوض بوضعية المرأة.

وعبر حزب العدالة والتنمية في بلاغ له، نهاية الأسبوع الماضي، عن اعتراضه على التوصيات التي تقدمت بها رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن مدونة الأسرة، وإصرارها على إصدار مثل هذه التوصيات، التي رأى فيها الحزب أنها تمس “بثوابت وقيم المجتمع المغربي والمقتضيات الدستورية المرتبطة بمؤسسة الأسرة”.

وعلى الرغم من التجاوب الصريح الذي عبرت عنه الهيئات الحقوقية النسائية مع الخطاب، إلا أن المختصين توقعوا أن تفتح هذه الخطوة “صراعات جديدة بين المحافظين والحداثيين، بعد مرور أزيد من 18 سنة على صدور مدونة الأسرة.

وبعد قرابة عقدين من الزمن، سجل حقوقيون كثيرون، ثغرات كبيرة، في مدونة الأسرة، تحتاج إلى تعديل الترسانة القانونية لتحقيق المساواة الاجتماعية التي تلائم المحيط الوطني والدولي الجديد.

غير أن هذه المطالب، بدأت تضع مدونة الأسرة محط خلاف بين جميع المكونات السياسية، وعلى رأسهم المحافظون الذين ظلوا دائما يدافعون على ضرورة التوفيق بين الشريعة الإسلامية والقيم المجتمعية المحافظة، والحداثيين الذين يدعون إلى ضرورة استجابتها للاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب.

بنكيران يعيد الصراع للواجهة

قالت المحللة السياسية شريفة لومير في تصريح لـ”بلادنا24“، أن “بنكيران يحاول رسم نفس السيناريو وكسب تعاطف المغاربة، عبر افتعال مواجهة مع التيار الحداثي والحركات النسائية ومطالب تعديل المدونة ويجعل منها معركة رئيسية، وذلك بهدف إعادة سيناريو خطة إدماج المرأة في التنمية منذ عقدين، والذي كان صراعا استفاد منه حزب العدالة والتنمية وشكل انطلاقة حقيقية له”.

المغرب يحتاج إلى تحيين بعض مضامين مدونة الأسرة 

وأضافت شريفة لومير، أنه “بعد مرور قرابة العقدين على اعتماد مدونة الأسرة، صار لزاما مراجعة بعض مضامينها وتحيينها بما يتلاءم مع الحياة العامة وما يفرضه الواقع، “مشيرة إلى أنه “من غير الخفي أن ما يأتي في مقدمة هذه المواضيع هو مواضيع الإرث وتزويج القاصرات والعلاقات الرضائية والولادات خارج مؤسسات الزواج، والولاية على الأبناء ومسطرة الصلح ومساطر النفقة والطلاق، و هي مواضيع خلقت نقاشا امتد لفترة طويلة”.

الملك كان حاسما في مراجعة مدونة الأسرة

وأشارت المحللة السياسية شريفة لومير، إلى أن “خرجات الأمين العام للعدالة والتنمية، أصبحت بدون معنى، خاصة أنها دائما ما تدخل في خانة محاولته لفت الأضواء، وعلى اعتبار أن ورش الإصلاح الذي تعرفه مدونة الأسرة جاء بمبادرة ملكية، بالإضافة أن ملك البلاد أشار بصريح العبارة الى أن هذا الورش «لن يحل ما حرم الله ولن يحرم ما أحل الله» “.

وتابعت المتحدثة قائلة: ” لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية، وأن يتم ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وانسجاما مع خصوصيات المجتمع المغربي، و هذا ما يترجم أنه لا مجال للاجتهاد وللتغيير في ما يخالف الشريعة الإسلامية”.

وأكدت المحللة السياسية خلال حديثها، أن الهدف من تصريحات بنكيران هو “استمالة المواطنين واللعب على عواطفهم، أكثر من أن يكون اختلافا جوهريا على اعتبار المواطن المغربي يعتبر المسائل الدينية مقدسة ولا يرحب بالاجتهادات في كل ما يرتبط بها”.

بنكيران يختبئ وراء فزاعة تعاليم الشريعة الإسلامية

في ذات السياق، قالت الناشطة الحقوقية والمنسقة الوطنية “لمجموعة نساء شابات من أجل الديمقراطية”، بشرى الشتواني، “لا أستغرب ما دعت إليه الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، لأنه حزب”مضاوي” يتبنى مرجعية، محافظة رجعية، خاصة بنكيران الذي يختبئ وراء فزاعة تعاليم الشريعة الإسلامية في كل مرة تتقدم فيها المجموعة بخطوة إلى الأمام، بحراك مجتمعي أو بترسانة قانونية ومؤسساتية من أجل تغيير وتكييف الالتزامات القانونية للمغرب”.

وأكدت بشرى الشتواني، أن “هذه الخطابات “المضاوية” لا تثير استغرابنا، لأن المغرب نجح مؤسساتيا وقانونيا ودوليا في تعزيز مسار المرأة وتمكينها، وهذا ما يزعج الكثيرين الذين يعرقلون أي خطوة تضع النساء في أماكنهن”، مبرزة أنه “مضى على إصدار المدونة 18 سنة، وهي مدة تكفي لتحيينها ومراجعتها لتكون ملائمة مع العديد من المستجدات الحقوقية والتغييرات المجتمعية بغض نظر عن الثغرات الكثيرة التي كانت واضحة منذ تطبيق المدونة”.

مدونة الأسرة متأخرة عن الدستور المغربي

وأضافت المتحدثة في تصريح “لبلادنا24“، أن “العديد من الأكاديميين والمناضلات في الحركات النسائية، أكدوا على أنها وثيقة متقدمة على مدونة الأحوال الشخصية ولكن تبقى مليئة بالثغرات التي لابد من استدراكها، خاصة بعد تغيير دستور 2011، الذي هو دستور متقدم سواء من ناحية الأسرة أو على مستوى القانون الجنائي”.

وتشير المتحدثة إلى أن “مدونة الأسرة لا تزال بعيدة عن القوانين الدولية التي يصادق عليها المغرب في مجال المناصفة وحماية المرأة، لذا ينبغي تحديث مضامينها بما ينسجم مع التحولات الجديدة التي يعرفها المجتمع المغربي والدولي”.

 

بلادنا24- خديجة بوتشكيل

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *