حوار.. مؤرخ: التهميش حرّك الوطنيين.. وواجهوا شرعية فرنسا بشرعية السلطان

مع تخليد المغرب لعيد الاستقلال، تبرز مجموعة من الأسئلة التي ترافق هذه المناسبة، من قبيل ظروف نشأة هذا الاحتفال الذي يعد حدثا مفصليا في تاريخ المغرب المعاصر، والذي تحيط به مجموعة من الأسئلة الخاصة بظروف مقاومة المستعمر، ونشأة الحركة الوطنية.

ومن بين أبرز من اهتم بهذه الأسئلة، المؤرخ المصطفى بوعزيز، مؤلف كتاب ”الوطنيون المغاربة في القرن العشرين”، إضافة إلى عدة إسهامات علمية أخرى.

“بلادنا24” حاورت المؤرخ المصطفى بوعزيز، حول تبلور عيد الاستقلال، والمسار التاريخي نحو الاستقلال، ومحاور أخرى تكتشفونها في هذا الحوار.

بداية أستاذ بوعزير، كيف أصبح تاريخ 18 من نونبر، تاريخا يجسد عيد الاستقلال بحمولته الرمزية لدى المغاربة؟

إن هذا التاريخ لم يكن في الحقيقة عيدا للاستقلال، بل هو يدخل ضمن ثلاثة أيام كانت تسمى الثلاثة أيام الخالدة، وكانت تشمل ثلاثة أعياد، 16 من نونبر “عيد العودة”، أي عودة السلطان محمد بن يوسف من المنفى، والذي جاء بعد شد وجذب بين الوطنيين المغاربة والمستعمر الذي قام بنفي محمد الخامس وتعويضه بابن عرفة في خرق للقانون الدولي. وهنا تجدر الإشارة، إلى أن فرنسا حاولت أن تفاوض الوطنيين المغاربة على الاستقلال دون عودة السلطان، لكنهم رفضوا ذلك.

وبالرجوع إلى الثلاثة أيام الخالدة كما أسلفت الذكر، فإنه عقب 16 من نونبر، يأتي يوم 17 من نونبر والذي يسمى “عيد الانبعاث”، وهو “عيد انبعاث الشعب”، بحيث تخللته مظاهرات في جميع أنحاء المغرب. أما 18 من نوبر، فهو “عيد العرش” الخاص بمحمد الخامس.

وكانت هذه الاحتفالات ذات طبيعة شعبية ليس فيها نوع من الالزام، وقد عشت شخصيا هذه المناسبة الشعبية بالقرية التي ترعرعت بها بالجنوب الشرقي.

أما بخصوص اليوم الذي حصل فيه المغرب على استقلاله، فهو يوم 2 مارس، وفي عهد الحسن الثاني تم إدماج يوم 2 مارس مع باقي الاحتفالات الخاصة بعيد تولي الحسن الثاني للعرش، والذي يصادف الثالث من مارس، إضافة إلى الإبقاء على بعض الاحتفالات الخاصة بـ”الأيام الخالدة” التي لم ينساها الشعب المغربي.

في سياق آخر أستاذ بوعزيز، ونحن بصدد الحديث عن عيد الاستقلال، لابد أن نتحدث عن مخاض ولادة الدولة المغربية المستقلة، والصراعات التي رافقت هذا المخاض السياسي، كيف تنظرون إلى هذه الفترة؟

إبان عودة محمد الخامس، وما تلى من ذلك، كان الأفق هو بناء دولة وطنية مستقلة، عربية، مغاربية، إفريقية بمشاركة الجميع. بعد ذلك، شاركت الحركة الوطنية في السلطة، مما أدى إلى العديد من الصراعات التي ستقود إلى إبعاد الحركة الوطنية عن السلطة، لتتحول إلى معارضة، وسنجد أنفسنا أمام دولة تابعة للغرب، تغيب عنها الديمقراطية، ويحتكر الملك فيها السلطة، كما جاء في أول دستور للمغرب سنة 1962، مع بناء اقتصاد خفيف تابع لفرنسا خاصة، بعد التخلي عن التصميمات الخماسية، وغيرها من أنماط الإصلاح الاقتصادي.

لنعد قليلا إلى الوراء أستاذ بوعزيز، لطرح السؤال حول المفاوضات التي ساهمت في الاستقلال، والتي يكثر حولها القيل والقال، خاصة مايعرف بمحادثات “إيكس ليبان”.

في البداية، وجب الإشارة إلى أن المستعمر كان يرفض استقلال المغرب، وكانت هنالك مجموعة من الصراعات داخل أروقة الأمم المتحدة، ووقع في كثير من الأحيان التصويت لصالح استقلال المغرب ضد فرنسا في اللجنة الرابعة، ليجهض القرار بمجلس الأمن، نظرا لامتلاك فرنسا حق “الفيتو”.

كما كانت هنالك العديد من الأنشطة الخارجية، مثل مكتب المغرب العربي بالقاهرة، ومكتب الحركة الوطنية بباريس ونيويورك أيضا.

أما على الصعيد المغربي، فتم إغلاق الحقل السياسي، والتضييق على النقابات والصحافة والأحزاب، الشيء الذي اضطر معه المغاربة إلى اللجوء إلى خيار العنف بداية من سنة 1952، مع بروز جيش التحرير، مما أرغم فرنسا على التفاوض، خصوصا بعد الأحداث الدامية سنة 1955 بواد زم.

وبالعودة إلى “إيكس ليبان”، فهي لم تكن مفاوضات على عكس ما يشاع، كانت مجرد لقاءات استماع، جمعت جميع أطياف المغاربة، حتى من هم ضد السلطان المغربي محمد بن يوسف، وأيضا ممثلي القبائل.

وللإشارة، فـ”إيكس ليبان” حامة تتواجد بالوسط الشرقي بفرنسا، وكان يستحم فيها وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، أنطوان بيني، وبما أنه كان الشخصية الأقوى بالحكومة، اقترح رئيس مجلس الحكومة على الوطنيين المغاربة لقاءه هناك، من أجل إقناعه بضرورة استقلال المغرب.

و”إيكس ليبان” كان بداية النقاش فقط، ولم تكن سرية، فملفها موجود لمن أراد الاطلاع عليه، وكل مايقال عن تخلي الوطنيين المغاربة عن السلطان هناك مجرد إشاعات.

من بين المفاهيم المرتبطة بالاستقلال، مفهوم الحركة الوطنية، والذي تطلقون عليه في كتابكم “الوطنيون المغاربة”، كيف يرى المؤرخ المصطفى بوعزيز هذا المفهوم؟

في الحقيقة، ومن خلال أبحاثي، فضلت استعمال مصطلح “la mouvance nationaliste”، وهو مصطلح لم أجد له مرادفا باللغة العربية، يمكن شرحه بالحملة الوطنية مثلا، أو التوجهات الوطنية.

ومصطلح “mouvance”، يختلف عن الحركة الوطنية، بكون الأولى تتحدث عن فاعل واحد، بينما التوجهات تتحدث عن تعدد الفاعلين، بالرغم من أنهم يسيرون في اتجاه واحد. ويمكن تشبيه ذلك بالمصطلح الدارج “حملة الواد”، الذي يحمل معه في طريقه كل شيء، لذلك استعملت مصطلح “الوطنيون المغاربة”، نظرا لوجود العديد من التوجهات، توجه شعبي وطني، أرستقراطي، وأيضا ديني، رغم أن بعض علماء القرويين الكبار في وقت سابق بايعوا بن عرفة، باستثناء الشيخ العربي العلوي الذي نفي إلى الصحراء جراء ذلك.

وكان ضمن هذه التوجهات الوطنية، رجال سلطة، الذي رفض بعضهم إقالة السلطان محمد بن يوسف، فنفي ودخل السجن، وبعضهم استفاد من واجهة كبيرة بعد تعاونه مع فرنسا، من ضمنهم القياد الكبار، ومنهم من حارب إلى جانب فرنسا، مثل مبارك البكاي، الذي سيصبح أول رئيس حكومة مغربي، وإلى حدود 1953 لم يكن مع الوطنيين.

وهنا نطرح السؤال الأهم، ما الذي حرك الوطنيين المغاربة؟ جوابي وما أضفته في هذا الباب، أن ما حركهم هو كونهم مهمشين، إذ كانوا يعتبرون من الأهالي، أي أنهم دون مستوى المواطن الفرنسي الموجود بالمغرب، وليس لهم نفس الحقوق، باختصار في وضعية الدونية، المواطن انتفض ضد الدونية، وواجه شرعية الدولة الفرنسية بشرعية السلطان.

بلادنا24ياسر مكوار 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *