تقرير | التناوب اللغوي في تدريس المواد العلمية ..جدلية الرفض والقبول

تمثل إشكالية التعلم باللغة الفرنسية قضية كبرى في مجتمعاتنا العربية ذات التعامل بالفرنسية على صعيد الخطاب، والممارسة، وهي قضية لها العديد من الأسباب، كما أن لها نتائجها في تحديد الهوية الوطنية لكل مجتمع من المجتمعات، فاللغة وسيلة لتبليغ الأفكار والآراء كما أنها تعبير عن الذات والهوية.

وأول ما يلجأ إليه المستعمر عادة لدى الأمم المغلوبة فرض لغته، وثقافته، وأنماط سلوكه، وهذا ما حدث في جل البلدان التي استعمرتها فرنسا باعتبار أننا نتحدث عن الفرنسية، ومدى تأثيرها في الواقع المعاش.

وتأتي إشكالية التدريس باللغة الفرنسية للمواد العلمية في هذا السياق، والتي خلقت تباينا في المواقف بين مؤيد ومعارض تبعاً لثقافته وميولاته، والنتائج المترتبة على ذلك بعد مرور أزيد من سنتين على فرض تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية بعد دخول قانون إصلاح التعليم حيز التنفيذ ،الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والثقافية على مستوى لغة التدريس.

كما تنص المادة الثانية من قانون إصلاح التعليم على اعتماد التناوب اللغوي، وذلك بتدريس بعض المواد، خصوصاً العلمية والتقنية منها، أو أجزاء بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية، وهو ما أثار حفيظة البعض باعتبار أن اللغة أحد ركائز الهوية الثقافية والوطنية، في حين اعتبرها البعض الآخر خطوة هامة لتأهيل التلاميذ للدراسات العليا وتحقيق الجودة.

وفي السياق ذاته، صرح عبد الناصر ناجي رئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم “أماكن” لجريدة” بلانا24″ قائلاً:” أن التناوب اللغوي جاء في رؤية استراتيجية 2015، 2030 وكان ينص على تدريس بعض المجزوءات والمضامين في بعض المواد بلغة أجنبية، ولم يتم تحديد هذه اللغة ضمن الرؤية الاستراتيجية، وبالتالي ظل المجال مفتوحاً لاختيار اللغة الأجنبية الأكثر تداولا”.

وتابع ناجي،قائلاً:” لم يكن مطلوباً تدريس المواد العلمية والتقنية كما جاء في قانون الإطار بلغة أجنبية بل فقط بعض المجزوءات في بعض المواد بلغة أجنبية، وهذا كان اقتراح وسط بين أولئك الذين كانوا يدعون إلى استمرارية التعريب في التعليم المغربي وبين من كانوا يدعون إلى القطع مع التعريب والانتقال إلى لغة أجنبية، وتطبيق هذا الحل لم يكن ليؤدي إلى هيمنة اللغة الفرنسية على العربية في المشهد التعليمي المغربي، كما هو اليوم بتطبيق صيغة التناوب اللغوي لمجموعة من المواد، الشيء الذي أدى إلى حضور أكبر للغة الفرنسية بحيث تضاعفت حصتها وانخفضت حصة نظيرتها العربية إلى النصف وبالتالي الفرنسية باتت هي المهيمنة”.

ويستطرد رئيس جمعية أماكن أن هذا المعطى أدى إلى هيمنة ثقافية ليس فقط في التعليم وإنما في شتى مناحي الحياة قائلا :”بما أن التعليم هو الذي يمد باقي المجالات بالأطر، وهذه الأخيرة ستكون متشبعة باللغة الفرنسية أكثر من تشبعها بالعربية، وإذا كانت الهوية المغربية مرتبطة باللغتين العربية والأمازيغية، فالانتقال إلى لغة أجنبية في تدريس المواد العلمية قد يؤدي إلى تأثير كذلك على مستوى هوية المغاربة لأن اللغة حمالة لثقافة، وإيديولوجيا معينة، وتوجه فكري، والاعتماد فقط على اللغة الفرنسية دون الانفتاح على اللغات الأجنبية الأخرى، ودون إعطاء الأهمية اللازمة للغة العربية من شأنه أن يؤثر بطبيعة الحال على الهوية المغربية، والقيم المغربية المشتركة”.

ويرى المتحدث ذاته، أن جودة التعليم غير مرتبطة باستبدال لغة بلغة أخرى، إنما ترتبط بتدبير منظومة التربية والتكوين، وكذلك تأهيل الأساتذة بأن يكونوا في مستوى أداء مهامهم التدريسية والتعليمية، كذلك الحكامة على مستوى جميع مكونات منظومة التربية والتكوين والمنهاج الدراسي الذي يجب أن يُراجع ويتغير بشكل جذري فهي جميعها عوامل مؤثرة في جودة التعليم.

 

أما اللغة بحسب عبد الناصر ناجي هي جزء من هذه العوامل بقوله:” التلميذ الذي يُتقن لغة أجنبية له حظوظ أوفر لكي يستفيد من تعليم أكثر جودة، أما التلميذ الذي لا يعرف سوى لغته الأم سواء العربية أو الأمازيغية وحينما يصطدم بلغة أجنبية لن يكون قادراً على التمكن بالمعارف والكفايات التي تقدمها له المنظومة التربوية بالشكل الكافي، مضيفاً: “هذا طبعاً سينعكس على جودة التعليم في المغرب ولن نعرف درجة انعكاس تبني اللغة الفرنسية على جودة التعليم إلاّ بعد خمس أو ست سنوات، لأن التلميذ المغربي بدأ بتعلم المواد العلمية باللغة الفرنسية منذ سنتين تقريباً، ولن نعرف الانعكاسات الحقيقية على جودة التعليم إلاّ بعد سنوات”.

وختم حديثه بالقول:” مشاركة المغرب في التقييمات الدولية ستظهر تراجعاً في مستوى التلاميذ المغاربة على الأقل في السنوات الأولى للانتقال من التعليم باللغة العربية إلى التعليم باللغة الفرنسية”.

ويرى محمد الميداوي أستاذ مادة الرياضيات في ثانوية النجد “بلاطو” بسلا سابقا في تصريح لـ”بلادنا24”  أنه بالنسبة للقطاع الخاص لا نعاني من هذا المشكل لأن التلاميذ يمتلكون قاعدة أساسية بالنسبة للغة الفرنسية، بينما في القطاع العام يصادفون مشكلاً حقيقياً، لأن التلميذ ضعيف على مستوى اللغة، لهذا يُصبح لزاماً على الأستاذ بذل جهد مضاعف لإيصال المعلومة، “.

وواصل  الميداوي حديثه: ” أجد أن التدريس باللغة الفرنسية حل مناسب كون التلميذ عندما بنهي مرحلة الثانوي، ويتوجه إلى التعليم العالي وخاصة من ذوي الاختصاص العلمي، لن يستطيع مواكبة الدراسة دون امتلاك للغة الفرنسية”.

مضيفاً: “أجد من يُنادي بالتعريب للمواد الدراسية تفكيره محدودا، ومثال على ذلك أن بعض الدول العربية التي تدرس المواد العلمية باللغة العربية لم تحقق ما كانت ترجوه من التدريس بها، وما أن يُهاجر أبناء تلك الدول إلى بلدان أوروبية يخصصون السنة الأولى لتعلم اللغة، لذلك حري بنا أن نتطلع إلى الأمام، ونواكب العصر وذلك من خلال إعطاء الأهمية للغة انطلاقاً من مضاعفة ساعات التدريس باللغة الفرنسية منذ المستويات الأولى”.

 

في المقابل أبدى خليل غلوظي أستاذ علوم الحياة والأرض في الثانوية العلمية الخصوصية بالرباط سابقا رأيا مخالفا لـ”بلادنا24″ بخصوص تدريس المواد العلمية بالفرنسية قائلاً: “في السابق كنا ندرس باللغة الفرنسية، وكان التلاميذ يواجهون صعوبة التعلم بها، لكن عندما جرى الانتقال إلى العربية كان المردود العلمي أفضل، والآن بعدما فرضت علينا الفرنسية مجددا باتت الرسائل لا تمر بشكل سريع، وإنما يجب تفسير الكلمة بالفرنسية ثم بالعربية وبالتالي نقوم بجهد مضاعف حرصاً على أن يستوعب التلميذ الكلمة أولاً ثم نفسر موقعها في الجانب العلمي، خاصة وأن مادة علوم الحياة والأرض تتطلب الكتابة، وكنا نُفاجأ بمستوى فظيع جدا على مستوى الكتابة والتحليل باللغة الفرنسية”.

واعتبر غلوظي أن التوجه بالفرنسية له أهداف أكبر من كونها لغة تدرس، وإنما توجه يسعى للهيمنة، والابتعاد عن الدين، وظهرت نتائجه على التلاميذ إذ باتوا ينسون لغتهم الأم، ويستأنسون باللغة الفرنسية، وبحكم أنني مررت بالتجربتين في التدريس أجد استيعاب التلاميذ باللغة العربية أفضل، وأسهل”.

وتوافق رأي أسماء لورود أستاذة علوم الحياة والأرض بسلا مع غلوظي في تصريحها لجريدة “بلادنا24” باعتبار أن تجربة تدريس مادة علوم الحياة والأرض بالفرنسية غير ناجحة لأن التلاميذ في القطاع العام لا يدرسونها إلاّ ابتداء من المستوى الثالث أو الرابع الابتدائي، قائلة : “عندما نقوم بتقويم تشخيصي في بداية السنة ونطالب التلاميذ بترجمة بعض الكلمات نرى الأغلبية عاجز عن القيام بذلك، كما لا يمكن استيعاب المحتوى العلمي دون الاستعانة باللغة العربية في بعض الأحيان، والقيام بترجمة الكلمات إلى العربية، أيضا نواجه صعوبات على صعيد التجارب العلمية، إذ لا بد ترجمة المواد المستعملة، وهذه المشاكل نادرا ما نصادفها في المدارس الخاصة”.

بلادنا24 – مريم الأحمد

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *