تقرير إخباري : الإفطار العلني في رمضان.. جدل يتكرر فصوله كل عام

بين المطالب بتحديث المجتمع وعصرنته، والمنادي بالحفاظ على القيم الثابتة يتأرجح موضوع الإفطار العلني ويتجدد مع كل حلول لشهر رمضان المبارك، كما تتجدد الدعوات لإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يبيح اعتقال المفطرين ويجرم فعلهم.

جهات حقوقية، وأخرى شعبية تعتبر الفصل المشار إليه حطا من كرامة الإنسان، ومخالفا للدستور والتزامات المغرب عبر المواثيق الدولية الرامية إلى نبذ كل صنوف التعذيب والمعاملة القاسية واالاإنسانية، كما طالبت هذه الجهات بإلغائه، لكن النقاش في هذا الموضوع امتد لسنوات طويلة دون إحراز تقدم، أو تغيير.

ورغم التنصيص في ديباجة دستور 2011 على سمو الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب على التشريعت الوطنية، وتأكيده على الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان  إلا أن الاجهزة الأمنية مازالت تلاحق المجاهرين بالإفطار خلال شهر الصوم استنادا إلى الفصل ذاته.

وينص الفصل السالف الذكر على أنه ” كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 12 إلى 120 درهما”.

وهو ما أباح اعتقال أزيد من 50 شخصا من نساء ورجال، من داخل مقهى “la cadence” بالدار البيضاء، وهم يتناولون الطعام خلال النهار، مما أثار حفيظة رواد مواقع التواصل، وجمعيات حقوقية التي رأت في الأمر نيلا من كرامة الإنسان، وحدا من حريته.

في حين أيد البعض الآخر مداهمة قوى الأمن للمكان، وذلك حماية لحرمة شهر رمضان، وصونا للجو الديني العام الذي يطغى على شعور المغاربة بنوع من القداسة والتبجيل

وتبريرا للموقف اعتبر الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن ممارسة حرية الإفطار العلني في رمضان، لا يجب بأي شكل من الأشكال أن تكون مستفزة لحرية الآخرين.

وقال بايتاس خلال الندوة الصحفية التي أعقبت اجتماع الحكومة اليوم الخميس أنه “بخصوص طريقة الاعتقال فإنها تمت في ظروف إنسانية وباحترام دقيق لجميع المقتضيات القانونية التي تضبطها المساطر”.

حط من كرامة المرأة المغربية

وتعليقا على ما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة، صرح عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لجريدة “بلادنا24” قائلا “مع الأسف الحكومة عندما تخطئ عوض أن تعتذر وتقول أنني قد جانبت الصواب تمارس عملية الهروب الآن”

وردا على أن الحادثة كانت مستفزة قال غالي “أولا الأشخاص كانوا داخل المقهى، بمعنى أنها لا تستفز أحدًا، فهم لم يكونوا في الشارع العام، إذن حتى مسألة الإفطار العلني ليست واردة هنا”.

الأمر الآخر يتابع عزيز غالي،” المقهى مفتوح  منذ بداية رمضان لماذا تم مداهمتها الآن؟ وعندما يقول أنها تمت في ظروف إنسانية بأي صفة يتم استدعاء وسائل إعلام من قبل شرطة الدار البيضاء كي يتم تصوير الناس؟ هذا بحد ذاته انتهاك لخصوصية هؤلاء الأشخاص والتشهير بهم.”.

من جهته، استنكر المكتب التنفيذي لمنتدى الحداثة والديمقراطية لمداهمة قوى الأمن للمقهى، معتبرا أن توقيف مجموعة من الشابات والشباب يعد انتهاكا صارخا لحرية الفكر والضمير والتدين، والتي رافقتها عملية تصوير الموقوفين والموقوفات، مطالبا بإالغاء الفصل 222 وبقية الفصول “المجرمة” للحريات الفرديات استحضارا لروح الدستور في بيان صادر عنه يوم أمس الأربعاء.

وواصل  غالي حديثه “أكثر من ذلك وهو الأخطر الحكومة مارست تعذيب على الفتيات اللواتي جرى تفتيشهن ليتأكدوا من وجود عذر شرعي يبيح إفطارهن وفي تقديرنا نحن كجمعية حقوقية هذه السلطات قد مارست التعذيب في حقهن طبقا لبرتوكول اسطنبول المتعلق بالتعذيب وغيره من ضروب الممارسات الحاطة بكرامة الإنسان وبالتالي التفتيش بتلك الطريقة يحط من كرامة المرأة المغربية.

ونحن في الجمعية سوف نتابع الأمر وحاليا نقوم بالاتصال مع بعض الفتيات اللواتي تعرضن لمثل هذه الممارسة المهينة، وسوف نراسل المقرر الأممي الخاص بالتعذيب والممارسات الحاطة بكرامة الإنسان، ولن نسمح بأن يمر ما جرى مرور الكرام كي لا تتكرر مثل هذه الأفعال المشينة.

رغم أن القانون الجنائي المغربي نهل من القانون الفرنسي إلا أن بعضا من فصوله استقى من مبادئ الشريعة الإسلامية، من قبيل الفصل 222 وذلك حرصا على القيم الإسلامية، حيث يعتبر الصوم ركنا من أركان الإسلام الخمس، ومن منظور المشرع، فكل من يفطر في رمضان مخالف لأركان الإسلام، ومنا وجب عقوبته كما حددها الفصل.

لكن هناك من لا يلقي اللوم على عاتق الشرطة لأنها تقوم بعملها طبقا للقانون، وهو ما كان صرح به محمد عبد الوهاب رفيقي في حديث لـ”بلادنا24″ قائلا” مبدئيا لا يمكن لوم الشرطة أو الأجهزة الأمنية على القيام بعملهم في الاعتقال لأن ذلك ليس إلا تطبيقا للقانون والفصل 222 من القانون الجنائي الذي يعاقب على الإفطار العلني مما يستوجب التوقيف والاعتقال”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أنه من الواجب فتح نقاش في الموضوع على مستوى البعد الديني والفكري لمعرفة عقوبة المفطر في الإسلام؟، وهل لها وجود أساسا، معقبا “لأننا في الفقه الإسلامي لا نجد عقوبة محددة للمفطر في رمضان”.

مفاهيم مبهمة

ويطفو الحديث مجددا عن الفصل 222 بسبب تكرار حوادث مشابهة على واجهة المشهد الإعلامي والاجتماعي، فما جرى ليلة أمس ما هو إلا مشهد تتكرر حوادثه وفصوله كل عام، فهي إن صح التعبير “جريمة موسمية” وهذا ما يجعل النص القانوني كذلك ذو طبيعة خاصة لأنها محصورة في الزمان والمكان، من قبل “المسلم” دون غيره ودون أن يمتلك عذرا شرعيا لمجاهرته بالإفطار.

في السياق ذاته، قال عبد العالي الصافي محامي بهيئة الرباط لـ”بلادنا24″ أن تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة بخصوص واقعة الإفطار في رمضان و ذلك بمقهى تثير عدة ملاحظات تهم بادئ ذي بدء ما سماه بأنسنة ظروف الاعتقال ، متسائلا “أليس ذلك اعتراف و إقرار بأن الاعتقال في ظروف إنسانية، أي تحفظ للإنسان كرامته ، استثناء و أن حدوث ذلك تطلب تصريحات حكومية؟”.

مشيرا إلى أنه جرى ذكر كلمة إنسانية دون تحديث ما يجعل الأمر مبهما، “ذلك ان الإنتقال هي مجموعة من الإجراءات منصوص عليها بالمسطرة الجنائية و بشكل تراتبي ، أي أنها سلوكات يمكن سردها و وصفها و من ثمة يمكن قياسها هل هي إنسانية ام غير ذلك؟ خصوصا أن الأمر يتعلق بمحجوز و هو الطعام الذي تم ضبطها مع الجناة”.

ولفت الصافي إلى أن الأمر كان يتعلق كذلك بفتيات، مبرزا  “هل تم احترام مسطرة تفتيش النساء بحذافيرها وغيرها من الإجراءات المسطرية التي تحمي الحقوق؟ و بعبارة أخرى هل تم احترام الشرعية الإجرائية في هذه المسطرة أم أن كلام الوزير بما سماه بأنسنة ظروف الاعتقال ، يجعلها أكثر غموضا”.

وواصل ” النقاش العمومي يتجدد كل سنة و بحلول الشهر الفضيل حول ما يعرف بالافطار العلني في رمضان، و هو موضوع تؤطره معايير الضبط الرسمية من خلال القانون الجنائي في فصل 222 الذي ينص على ما يلي:” كل من عرف باعتناق الدين الاسلامي، و تجاهر بالافطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من إثني عشر إلى ماىة و عشرين درهما.”

و باستقراء هذا النص يضيف الصافي ” حيادا للنقاش الذي يمكن أن يثار بشأن جدلية كونية او خصوصية الحريات الشخصية و حقوق الإنسان، ، فإنه يشترط مجموعة من الشروط لقيام هذه الجريمة”.

واستطرد المتحدث قائلا” بادئ الأمر أن يعرف المعني بالأمر اعتناقه للدين الإسلامي، و هذا الشرط يثير عدة إشكالات من قبيل، هل يمكن أن يحيلنا هذا الشرط على حرية المعتقد مادام يتحدث عن من يعرف ، و هي كلمة مطاطة تحتمل الكثير”.

الأمر الثاني بحسب الصافي يهم المجاهرة  بالإفطار في نهار رمضان، و هنا أيضا يجب تحديد مفهوم “تجاهر” ناهيك عن أنه في مكان عمومي ، و هنا يتار السؤال حول معنى المكان العمومي؟”.

ويعتبر المتحدث ذاته، أن تطبيق هذا النص بهذه الصيغة المبهمة، يجعلنا نطالب بتحقيق المفاهيم القانونية حتى لا يظلم أحدا، وأهم توصية صدرت عن المجلس الوطني لحقوق الانسان بخصوص تعديل القانون الجنائي كانت هي تحديد المفاهيم و تدقيقها حتى لا يستعمل النص حسب الظروف و الأهواء، و تؤطره من جهة ثانية معايير الضبط غير الرسمية ، و المتمثل في الاستنكار و الإستهجان الشعبي ، و اعتبار كل من أفطر نهار رمضان فهو خارج عن المعايير التي يعتمدها المجتمع للتمييز الصالح من الطالح حسبه ، أي أن ذلك يعتبر نوع من  اللامعيارية ، و ذلك بعيدا عن راي الدين الذي عليه اختلاف ، لكن راي التدين فهو معروف.

وتساءل المحامي بهيئة الرباط  في ختام حديثه عن  كونية أو إقليمية معايير و مبادئ حقوق الإنسان، مردفا ” كيف يمكن أن ننجح في حل معادلة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا و كما هو منصوص عليها لدستور المملكة من جهة أخرى وما يعرف بالخصوصية الدينية أو الهوياتية؟”.

إن صوم رمضان في المجتمع المغربي، لا يمثل عادة ولكنه يمثل عبادة لها خصائصها، واحترامها من لدن الجميع، ومن هنا بات الإفطار العلني يعتبر عند المغاربة عيبا أو عارا يجب تقييمه وتصحيحه، وقد تدفع العاطفة الدينية أحيانا، إلى اتخاذ موقف صارم لدى قطاع كبير من الناس يتجلى في التعدي اللفظي أو التعدي الفعلي على كل من يجاهر بالإفطار علنا.

ويبقى الجدل مستمرا حول إفطار رمضان بين طبقات اجتماعية متعددة، منها من يرى الصيام فرضا مقدسا يجب احترامه بالكامل احتراما جماعيا، وفلا يقبل الفردي أو الجماعي من منظور هذه الطبقة، وهناك فئة أخرى في نظرتها للصيام أقرب ما تكون منها إلى العلمانية، فالصيام من منظورهم حاجة شخصية لا يحاسب عليها القانون تشجيعا للحرية الشخصية، والمبادرة الفردية التي تعطي للفرد ميزة خاصة.

وهناك طبقة ضبابية تحاول التوفيق ما بين الاتجاهين كحل وسط لهذا الإشكال الذي يطرح مع قدوم رمضان كل عام، بمعنى ألا يحاسب على تصرفه الشخصي وألا يثير مشاعر المجتمع المتدين فكأنه يتخذ طريقا وسطا بين هذه الأفكار القائمة حول الصيام فهل تلتقي الدولة والدين في حل هذا الإشكال الذي لكل مناصروه ودعاته وخصومه أحيانا؟.

بلادنا24 – مريم الأحمد

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

تعليقات الزوار ( 1 )

  1. المدافعين عن حق الإفطار العلني في رمضان المبارك اذا كنتم تؤمنون بحقوق الانسان كما تدعون فالجهر به في دولة غالبيتها العظمى مسلمين هو مس بحقوق هذه الاغلبية عن طريق استفزاز مشاعرهم.والاولى بهذه الجمعيات والمنظمات ان تقيم الدنيا ولا تقعدها حين يتم المس بالحقوق الدينية للمواطنين كالزام المحجبات بعدم ارتداء في العمل والصلاة التي منع منها المسلمون لمدة أطول من مدد في نفس السياق في دول غير إسلامية.وعليكم يا حقيقيين ان تطلبوا إجراء استفتاء على حدف هذا الفصل من عدمه اذا كنتم تدعون الديمقراطية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *