بعد ما يقارب عقدين من أحداث 16 ماي الأليمة.. اعتماد المقاربة الاستباقية في التصدي للإرهاب

بلادنا24 – جمال بورفيسي | 

دقت الاعتداءات الإرهابية التي هزت العاصمة الاقتصادية للمملكة في 16 ماي 2003، والتي تسببت في إزهاق أرواح 45 شخصا وجرح أعداد كبيرة أخرى، ناقوس الخطر، حيث نبهت كل مكونات المجتمع إلى الأبعاد الخطيرة للظاهرة الإرهابية، والتهديد الحقيقي الذي تمثله بالنسبة إلى استقرار البلاد وأمنه.

ووجهت الاعتداءات الإرهابية رسالة غير مشفرة للسلطات الأمنية والاستخباراتية مفادها ضرورة التحرك، ليس فقط من أجل تطويق الظاهرة الإرهابية في الحين ومحاصرتها على المدى القريب، بل من أجل تغيير الاستراتيجية المعتمدة في مواجهة الإرهاب، حيث الأولوية للمقاربة الاستباقية.

لقد تغيرت الاستراتيجية الأمنية في التصدي للإرهاب ومواجهة الخلايا الإرهابية، منذ 16 ماي 2003، حيث لم تعد ترتكز على ردود الأفعال، بل على اليقظة والتحوط والاستباق. وأدت هذه المقاربة الاستباقية إلى تفكيك العديد من الخلايا التي كان من شأنها أن تتسبب في بحار من الدماء وفي إزهاق أرواح العديد من الأبرياء. لولا يقظة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ولولا المقاربة الاستباقية.

بالموازاة مع ذلك، تبنت الدولة مجموعة من التدابير القانونية والمؤسساتية الهادفة إلى التصدي للإرهاب، تتجلى بالخصوص  في سن القانون رقم 03.03 سنة 2003 المتعلق بمكافحة الإرهاب وتمويله والتعديلات التي طالته، لاسيما القانون رقم 86.14 الخاص بمكافحة ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب.

كما تبنت الدولة مقاربة شمولية في مواجهة الظاهرة، حيث لم تعد هذه المقاربة الجديدة تنحصر في الأبعاد الأمنية والقانونية، بل تعدته ليشمل البعد الديني والتربوي، إذ تم التركيز في المناهج التربوية والدينية وفي مجالات التحسيس بصفة عامة على خطورة التطرف الديني ومزايا الإسلام الوسطي. كل ذلك ساهم في زرع الوعي لدى المواطنين بضرورة اعتبار التطرف خطرا حقيقيا على استقرار وأمن المغرب.

مكنت يقظة الأجهزة الأمنية المغربية من تحصين المغرب من الهجمات الإرهابية، حيث أن الحركات والتنظيمات الإرهابية (القاعدة ثم داعش)، كانت تستهدف المغرب بشكل قوي بدليل الخلايا المتعددة التي جرى تفكيكها في السنوات الأخيرة. فالمقاربة الاستباقية، في المحصلة النهائية، حققت هدفها المتمثل في تحصين المغرب من هجمات جديدة.

لقد كسب المغرب خبرة أكيدة منذ 2003، ونال الريادة في مكافحة الإرهاب وأصبحت العديد من الدول عبر العالم  تستفيد من خبرته وتلتمس التعاون معه، وهو ما يجسد المكانة التي يحظى بها المغرب ضمن المنتظم الدولي، الذي يشيد بنجاعة التجربة المغربية وبتعاونه المثمر في مجال المكافحة والوقاية من الإرهاب والتطرف.

وحظيت جهود المغرب في مكافحة الإرهاب بالاعتراف الدولي بنجاعة المقاربة المغربية، وتوجت بإبرام اتفاق مع الأمم المتحدة يوم 6 أكتوبر 2020، تم على أثره إنشاء “مكتب برنامج الأمم المتحدة المعني بالإرهاب والتدريب في إفريقيا”، وهو الأول من نوعه في إفريقيا، والذي يروم تطوير وتنفيذ البرامج المعتمدة الهادفة بالدرجة الأولى إلى تطوير وتعزيز القدرات والمهارات في مجال مكافحة الإرهاب، لاسيما فيما ما يتعلق بأمن الحدود، والتحقيقات، والمتابعات وإعادة التأهيل والإدماج.

غذاة تنفيذ هجمات الدار البيضاء، باشرت الأجهزة الأمنية عملية تمشيط واسعة على مستوى مجموعة من الأحياء “الساخنة” التي شكلت حاضنة للتطرف والمتطرفين، حيث أسفرت العملية عن اعتقال أزيد من 2000 مشتبه فيه. وتعرضت هذه العملية إلى انتقادات، خاصة أن مُنفذي التفجيرات لا يتجاوز عددهم أربعة عشر (14)، استهدفوا عدة أماكن في تلك الليلة، ومنها بالخصوص مطعم إسبانيا “Casa de España”، وفُندق فرح، ومقبرة يهودية، والمركز الاجتماعي اليهودي في المدينة.

لكن فيما بعد، تبين جدوى عملية الاعتقالات الواسعة، ودورها في اجتثاث بذور التطرف والإرهاب، خاصة أن أحياء عديدة بمدينة الدار البيضاء كانت تعرف ظاهرة “أمراء الأحياء”، الذين كانوا يصدرون الفتاوى بشكل سائب ويتولون تطبيق شرع اليد خارج القانون، وكان ذلك من شأنه، لو استمر، أن يؤدي إلى التسيب وإزهاق أرواح أبرياء جدد. لكن كل ذلك انتهى مع محاكمة المتطرفين.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *