المغرب وإسبانيا: منافسون في مجال الطاقة أم شركاء استراتيجيون؟

يتمثل التزام المغرب في تطوير صناعة تصدير للهيدروجين الأخضر ومشتقاته، بشكل أساسي على النقل البحري للوقود السائل الاصطناعي، وإنشاء بنية تحتية مناسبة للموانئ، فضلا عن إنشاء البنية التحتية للإنتاج والتخزين والتصدير.

ومع ذلك، تشير الاتجاهات الدولية في اتجاه مختلف، حيث يفيد أحدث تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أن معظم الهيدروجين سيتم إنتاجه واستهلاكه محليا، على الرغم من أنه سيتم نقل جزء كبير منه لمسافات طويلة. وبحلول سنة 2050، سيتم الحصول على ما لا يقل عن 25 بالمائة من إجمالي الهيدروجين المنتج خارج حدود الدول المستهلكة. وهذا يعني أكثر من 100 مليون طن من الهيدروجين الأخضر وأكثر من 50 مليون طن من الهيدروجين الأزرق (من الغاز الطبيعي).

وبالمقابل، سيتم تحويل نصف الهيدروجين المخصص للتصدير فقط إلى أمونيا للنقل بالسفن. كما أن التكلفة العالية لنقل الهيدروجين السائل تحت ضغط مرتفع، بسبب ظروف التبريد المطلوبة التي تقل عن 235 درجة مئوية تحت الصفر وخسائر التبخر الكبيرة، تجعل هذا الشكل من النقل شبه متبق على المدى المتوسط ​​إلى الطويل.

الهيدروجين الأخضر فرصة ممتازة لتوسيع الصادرات المغربية

ووفق وثيقة صادرة عن المعهد الإسباني للدراسات الاستراتيجية، سيكون النصف الآخر عبر خطوط الأنابيب من خلال تكييف خطوط الأنابيب المستخدمة حاليا لنقل الغاز الطبيعي بشكل ملائم. ويعتبر استخدام خطوط الأنابيب هذه، المتوافرة بكثرة في أوروبا، أكثر الطرق فعالية وأمانا لنقل الهيدروجين وأرخصها بتكلفة تقديرية تتراوح بين 0.08 دولار أمريكي و0.12 دولار أمريكي للكيلوغرام لكل ألف كيلومتر. وفي حالة التركيبات الجديدة، سترتفع التكلفة لكل كيلومتر إلى ما بين 0.16 دولار أمريكي و0.24 دولار أمريكي للكيلوغرام لكل 1000 كيلومتر.

وحسب الوثيقة، تمثل شبكة الغاز الطبيعي الواسعة في أوروبا فرصة ممتازة لتصدير المغرب من الهيدروجين الأخضر المنتج من مواردها الوفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويمكن للمغرب استخدام البنية التحتية الأوروبية لنقل الهيدروجين الأخضر إلى المناطق النائية الصناعية في القارة، من خلال الاستفادة من زخم الطلب، حيث يصبح سعر الهيدروجين الأخضر منافسا، والذي من المتوقع حدوثه في منتصف عام 2030، على الرغم من أن بعض الدراسات تتوقع حدوث ذلك في وقت مبكر من عام 2024.

لكن هذا يتطلب تنسيقا أكبر مع إسبانيا، وهي عنصر أساسي لربط الطاقة مع أوروبا، وكذلك بلد ينوي أيضا الاستفادة من الإمكانات الكبيرة لموارده من الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح، ووجود مناطق حرة كبيرة تفضل تركيب محطات إنتاج الطاقة المتجددة، سواء كانت طاقة شمسية أو رياح، لتصبح “إحدى القوى الأوروبية في توليد الطاقة المتجددة”، وفق المصدر ذاته.

كما أفاد التقرير، أن “خارطة طريق الهيدروجين” الإسبانية في أكتوبر 2020، تشدد أيضا على دور إسبانيا كبلد عبور للهيدروجين منخفض التكلفة المنتج في شمال إفريقيا، وإعادة استخدام البنى التحتية الحالية للغاز الطبيعي وتكييفها لنقل وتوزيع الهيدروجين داخل شبه الجزيرة ومراكز الطلب في أوروبا.

مشروع يعرض خدمات خيالية

ويسعى مشروع “GreenH2pipes”، الذي يضم  اتحادا من ثماني شركات وستة مراكز بحثية، إلى تطوير التكنولوجيا اللازمة لتعزيز إنتاج الهيدروجين ونقله عبر شبكة الغاز الواسعة التي تديرها حاليا شركة “Enagás” في إسبانيا، والتي تضم أكثر من 110 ألف كيلومتر من خطوط أنابيب الغاز.

هذه الشبكة لديها ستة اتصالات دولية: اثنان مع أفريقيا عبر طريفة وألميريا (ربط المغرب العربي وخطوط أنابيب ميدغاز، على التوالي)؛ اثنان مع البرتغال عبر باداخوز وتوي؛ واثنان آخران مع فرنسا عبر إيرون ولاراو. وعلى المدى المتوسط ، يمكن ربط العمود الفقري الوطني بفرنسا عبر الوصلات الحالية في لاراو (2035) وإيران (2040). ويمكن إجراء اتصالات بشمال إفريقيا اعتبارا من عام 2035 لتكملة العرض المحلي بواردات من الجنوب لتلبية الطلب في وسط أوروبا.

ووفق المعهد الإسباني للدراسات الاستراتيجية، يجب أن يضاف إلى ذلك الإمكانيات التي يوفرها مشروع “H2MED” لتحسين الترابط بين الطاقة مع فرنسا. وهذا ممر تحت الماء مصمم لنقل الهيدروجين الأخضر حصريا والذي سيصبح أكبر خط أنابيب هيدروجين في العالم بطول يمكن أن يصل إلى 450 كيلومترًا وتقدر تكلفته بـ 2.5 مليار يورو. ويمكن لشركة H2Med نقل ما يصل إلى 10 بالمائة من إجمالي هدف الهيدروجين المتجدد الذي حددته بروكسل في خطة الاتحاد الأوروبي RePower في ماي 2022، والتي تحدد هدفا يبلغ 20 مليون طن من الهيدروجين المتجدد بحلول عام 2030.

شراكة استراتيجية

على الرغم من أن طموح إسبانيا في أن تصبح مركزا للطاقة والمورد الرئيسي للهيدروجين في أوروبا يجعلها، من حيث المبدأ، منافسًا للطاقة للمغرب، إلا أن ضعف العلاقات مع الجزائر بسبب التغيير في موقف إسبانيا من نزاع الصحراء المغربية، عمل بدلا من ذلك، لصالح تآزر مصالح الطاقة مع المغرب.

الحقيقة هي أن التوقعات تشير إلى أن هناك سوقا ضخمة محتملة في أوروبا، لدولتين تعتمدان على إمكاناتهما الكبيرة من الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح لإنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع. ويخطط الاتحاد الأوروبي لإنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2024، ليرتفع إلى 10 ملايين طن بحلول نهاية العقد، وهو ما يعني – بسعر تنافسي للغاية يبلغ 1.50 يورو للكيلوغرام – عملا مربحا بقيمة 1.5 مليار يورو في عام 2024 و15 مليار يورو بنهاية العقد.

إن الجمع بين الطلب المتزايد والحصة السوقية المتزايدة التي تحتفظ بها مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب مشروع نقل الطاقة، والذي يقول العديد من الخبراء أنه سيكون مفتاحا لتحقيق انتقال الطاقة إلى مصادر نظيفة تماما، يعني أن هذه فرصة تاريخية لكلا البلدين، حيث تترسخ عملية إزالة الكربون.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *