المرأة المغربية ضمن الأعمال الدرامية..إنصاف أم إجحاف؟

المرأة المغربية ضمن الأعمال الدرامية..إنصاف أم إجحاف؟

نشر في: آخر تحديث:

تعتبر الدراما مرآة عاكسة لواقع الحياة والمجتمع في كل زمان ومكان، وهي تعكس مجريات الحياة بين سائر الطبقات الاجتماعية، رجالا ونساء، ولعل هذه الأخيرة قد سُلطت عليها الأضواء في الدراما العربية بشكل عام، والدراما المغربية بشكل خاص، سواء على مستوى الدور التي تقوم به، أو على مستوى المكانة التي حظيت بها.

هذه المكانة التي قدمتها الدراما كانت ومازالت موضع خلاف بين كثير من المتتبعين لهذا الفن، فمنهم من أنصف المرأة فيما مثلته من أدوار درامية، فرفع شأنها، ودورها في الحياة، ومنهم من اعتبرها تجسيدا لصورة نمطية، وأخرى لا تعبر عن واقع المرأة ولا عن قضاياها على الصعيد الدرامي، مما يدعونا إلى طرح مجموعة من التساؤلات، عن مدى حصول المرأة على حظها من الاحترام داخل العمل الدرامي، أو انها بقيت أسيرة الافكار المتوارثة بتشييئها.

الدراما انعكاس واقعي

 

و في هذا الصدد،صرحت الممثلة المغربية فاطمة خير في حديث مع جريدة “بلادنا24″ قائلة :” الدراما المغربية هي انعكاس واقعي للفضاء المشترك ما بين الرجال والنساء، كما أنها تعبير صارخ عن الاختلافات والخلافات التي يعرفها التمييز النوعي بين المرأة ككائن اجتماعي والمرأة كشخصية درامية، ومن هذا المنطلق، الدراما لم تقدم سوى التمثلات المجتمعية عن المرأة داخل المجتمع المغربي الذي تحكمه إشكالات بين التقليدي والحداثي وما بعد الحداثي”.

وفيما إذا كانت الدراما تعيش أزمة نص على مستوى الإبداع أشارت خبر إلى أنه من المؤكد أن ترتبط صورة المرأة في الدراما المغربية بخيالات الكتاب المبدعين وفق مرجعيتهم الثقافية والإيديولوجية.

وتابعت حديثها ،قائلة: ”  لا بد من الإشارة هنا ، أن الدراما استطاعت أن تقدم نماذج وأنماط لشخصيات نموذجية تخترق المألوف وتهدم  النمطي، مما جعل حضورها في البناء الدرامي حضورا يؤسس للمرأة بالمفهوم الشمولي كونها مساهمة في بنية المجتمع تربويا، وسياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وكذا سياسيا وثقافيا، مما قلص وبشكل قوي الرؤية الذكورية لدور المرأة ليس فقط في الأعمال الدرامية، وإنما أيضا في جميع مناحي الحياة الاجتماعية”.

وبحسب فاطمة خير فإن التعامل الجدي مع قضايا المرأة ضمن الأعمال الدرامية مرتبط أساسا بالوعي الفردي والجمعي لدورها في المجتمع، علاوة على الوعي التام والكامل للدور التكميلي والتناغمي لصورة المرأة في وظائفها داخل المجتمع والتي تعد وظائفا متوازية ووظيفة الرجل.

الصورة النمطية. تجسيد أم اختلاق؟

واعتبر الفنان الكوميدي حسن الفذ في حديثه مع “بلادنا24″ أن الصورة النمطية للمرأة في الأعمال الدرامية تعكس أساسا صورة نمطية في ذهنية المجتمع، فما يعرض من أعمال في حقيقتها أفكار واستباقات، وكذا مسلمات توجد ضمن المجتمع عن المرأة، ولا يمكن الجزم أن الأعمال الدرامية تختلق هذه الصورة، وإنما هي تجسد لواقع يتبناه المجتمع فكرا، وعرفا والأعمال بهذا المنطق إما مخيرة بأن تتعامل فوتوغرافيا مع الواقع، أو تناضل من أجل تصحيح بعض القيم انطلاقا من واعز التقويم، والتصحيح.

ومثالا على ذلك يقول حسن الفد من وحي تجربته الشخصية أن شخصية كبور في الجزء الأول تعرضت للكثير من الانتقادات، في حين دافع البعض عنها بكونها تمثل واقعا ملموسا، وبالتالي سيبقى التأرجح قائما ما بين تجسيد الواقع كما هو، وعكسه انطلاقا إلى ما يجب أن يكون، وهذا يستدعي الوقوف عما إذا كانت الأعمال الدرامية هي من تؤسس هذه الصور النمطية، أم هي مرآة تعكس الواقع وتضع المجتمع تحت مجهره.

وينوه المتحدث نفسه، إلى أنه يتعامل بحذر شديد عندما يكتب شخصية المرأة في أعماله، وينصب في داخله رقيبا ذاتيا يحتكم إليه، فيقول” أحيانا لا أجسد الواقع في كتاباتي، بل أحاول جاهدا تفادي الفكر الشائع في المجتمع حول المرأة، والابتعاد عن كتابة أفكار، أو القيام بإيحاءات تصب في اتجاه يبخس من قيمتها، لأنني قبل كل شيء مواطن مستاء من وضعيتها الكارثية في المجتمع العربي عامة، وبدوري لا أريد أن أكرس لهذه الوضعية ”

ودليل على ذلك، يواصل الفذ حديثه مع الـجريدة حول شخصية الشعيبية المجسدة في “الكوبل” ،باعتبارها شخصية قوية، ومستقيمة، وصامدة في الاعتداءات، والتنكيل الذي تقابله من الرجل غير السوي، والمتذبذب على صعيد القيم والأخلاق.

وأضاف الفذ : “ما يجب النظر إليه في سلسلة كبور مثلا المحيط النسائي بشخصية الرجل من وزوجة وابنة وأخت جميعهن كن يؤسسن لفكرة سوية وقوية عن المرأة، ويعلي من قيمتها، وذلك لم يأت اعتباطا، لكن المشاهد قد لا يلتفت إلى هذه الأمور، وبشكل عام كل الشخصيات النسائية التي أحاول أن أقدمها تعزز نظرة إيجابية، وتنأى بنفسها عن الفكر النمطي الموجود لا على صعيد المجتمع ولا على صعيد الأعمال الدرامية”.

خمول فكري

من جانبه، يرى نائب رئيسة فيدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية هشام عبقري في تصريح لـ”بلادنا24″ أن هناك تطورا طفيفا على مستوى التموقع الاجتماعي للمرأة مقارنة ما كان يعرض آنفا في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم من خلال التركيز على صورة المرأة غير المتعلمة، لكن اليوم أصبحت تلعب أدوارا مسؤولة، وجادة تظهر من خلالها بشخصية مستقلة.

لكن على مستوى أشكال النمطية التي مازالت تمرر عن طريق الأعمال المعروضة، قال عبقري أنه يمكن ملاحظتها من خلال التركيز على صورة المرأة الحالمة بإيجاد شريك بشتى الطرق، وبالمقابل تكرس بعض الأعمال أيضا صورة نمطية عن الرجل وإقحامه في قالب الشخصية العنيفة، وهو أمر غير مقبول في الوقت الراهن مادام هناك تغيرا طفيفا مس أدوار المرأة داخل وخارج البيت، لا بد في المقابل تقديم صورة الرجل بحس درامي آخر يستجيب والتغيرات الاجتماعية الحاصلة في الواقع”.

مشيراً إلى وجود كسل فكري على صعيد التأليف، إذ يبنى السيناريو في الكتابة الدرامية على كليشيهات سريعة لا تتطلب الكثير من الوقت، ولا الكثير من الخلق، هذا الكسل جاء نتيجة تأثره بالصورة النمطية لدى المجتمع عن المرأة التي يصعب التعامل معها بنوع من الجرأة، فهناك عملية تأثر وتأثير بين العرض الواقعي في مسرح الحياة، والعرض الدرامي في الأعمال المصورة.

وتابع هشام ،قائلا: ” لو كان هناك بعض الجرأة وكذا تنشيط العملية الإبداعية بعدم اجترار الأفكار ذاتها في كل عمل، ورسم نسق عيش مختلف عن ما يعرض، لكان المستوى الفني في مراتب متقدمة، وهي بنظري مسؤولية الدولة بالأساس، وأصحاب القرار المالي أي القنوات “.

ودعا عبقري إلى ضرورة وجوب تقارب بين سياسة الإبداع في القنوات العمومية، مع السياسة العامة للبلاد، بالإضافة إلى الدستور، بقوله” الحكومة التي تنادي بالمناصفة، ومقاربة النوع وغيرها من السياسات، يجب أن تترجم خطاباتها على أرض الواقع من خلال المؤسسات الممولة أساسا من المال العام، وتثمن مضامينها بمهذه المبادئ، فالقنوات مسؤولة عن جودة أو رداءة المنتوج الدرامي، وإذا ما أخذت على عاتقها المبادئ المكفولة دستوريا، ستزول هذه الرداءة لأنها هي من تفرض على المنتح توجهها”.

اقرأ أيضاً: