العنف المدرسي.. ظاهرة استفحلت داخل الوسط التربوي

تحولت المدارس إلى حلبة مصارعة، بعد انتشار ظاهرة العنف الجسدي واللفظي في الوسط المدرسي خلال السنوات الأخيرة، وسواء قمنا بتحليله كسلوك نفسي أو ظاهرة اجتماعية، فالمدارس التي كانت فيما مضى رمز الثقافة والمعرفة والخصال النبيلة، هي في طريق الاستسلام والتطبيع مع كل أشكال العنف. وسجلت آخر حالات العنف هذا الأسبوع بإحدى الثانويات التأهيلية بمدينة مراكش، حيث أقدمت تلميذة تدرس بالمستوى الأولى باكالوريا، على تشويه وجه زميلتها باستعمال آلة حادة، وهو يطرح عدة تساؤلات أهمها، ما هي الأسباب النفسية والاجتماعية للعنف المدرسي؟ وماهي الحلول المقترحة للحد من انتشاره؟

وفي هذا السياق، هناك معطيات صادمة بخصوص العنف المدرسي، ففي دراسة أنجزتها مؤسسة التضامن الجامعي المغربي، التابعة لوزارة التعليم، حول العنف ضد الهيئة التعليمية في الوسط المدرسي سنة 2019، كشفت الدراسة أن 58 في المئة من حالات العنف تقع داخل أسوار المؤسسات التعليمية، بينما 48 في المئة من الحالات تقع خارجها، وتربع المجال الحضري على قائمة هذه الدراسة بـ77 في المئة، في حين أن 23 في المئة من حالات العنف سجلت في المجال القروي.

وفي هذا الصدد، أكد إدريس أيت لحو، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاضي عياض، في تصريحه لـ”بلادنا 24“، أن”العنف المدرسي لا يقتصر على المغرب، بل هو موجود في جميع مدارس العالم، ويصدر عن أشخاص كأفراد معينين، لم يتلقوا تربية تخصهم هم كأفراد حسب النموذج الأكسيولوجي القيمي، وهو النموذج الذي يؤمن بإنتاج القيم، وغياب تنشئة اجتماعية داخل أسرهم، والتي تخص بالخصوص التربية والتوجيه على مستوى ما يسمى بالغايات”.

وأضاف المتحدث ذاته، أن “التنشئة والتربية للأفراد، توجهها الغايات لأي مشروع، فالمدرسة مشروع والأسرة مشروع والفرد بحد ذاته مشروع، والمشروع هنا بالنسبة للطفل يكون على مستوى النمو الجسدي والوجداني والعقلي داخل الأسرة، وعندما يكبر، فالغاية تكون على المستوى المدرسي والتربوي والثقافي، إذن السؤال هنا هل هذه الغايات تتحقق في المغرب؟ مثلا عندما يفكر الأب والأم في الزواج، هل تكون هناك غايات معينة من أجل الزواج؟ من بينها التفكير في الأطفال وطريقة تربيتهم وتأطيرهم، وهذا مغيب في المجتمع المغربي لأن أكثر الأسر المغربية تعيش بمبدأ «خليه على الله كيما هو كيما خوتو»”.

وفي معرض حديثه عن ظاهرة العنف المدرسي، أكد أنه “في المغرب، نحن لا نختار المدرسة التي سيدرس بها أطفالنا، لأن الإنسان المغربي ليس حرا في اختيار مدرسته، والمقصود بالمدرسة هنا هو ذلك النموذج التربوي ونموذج التنشئة الذي تقوم به وعليه، وللأسف، فالمدرسة المغربية تقوم على نموذج كلياني شمولي، ومعناه أنه يؤمن بالكل وهو أقوى من الجزء ويؤمن بالمجتمع الذي هو أقوى من الأفراد ويؤمن بالدين والتدين والثقافة والوطن، أكثر ما يؤمن بالمواطنين كأفراد، هذا هو النموذج المغربي الذي يقوم على النظام المركزي وعاصمته الرباط، ومنه تصدر جميع المقررات والمناهج إلى كل الجهات بمناطق المغرب، إذن ذلك النموذج التربوي هو كلياني مركزي يقوم على أهداف وغايات تهم الدولة المغربية، ولكن يتم تغييب مصلحة الأفراد، مثلا المتواجدين بزاكورة أو الداخلة أو الريصاني، وبمفهوم أعمق هذه النقط البعيدة عن المركز «تتاكل العصا»، لأنها هوامش للمركز”.

وأشار أيت لحو، إلى أن “هذا النموذج التربوي في المغرب الذي يهتم بالمركز، لا يعني بالضرورة أنه ناجح ولا يوجد به حالات عنف، ينضاف لذلك مسألة أخرى، تهم النظام المدرسي والتربوي المغربي، الذي هو نسخة من النظام التربوي الفرنسي، وهذا ربما معروف عند الجميع، كما يعرف أن العنف عند الشباب والمراهقين يسجل أرقاما مرعبة في فرنسا”.

وكحلول لظاهرة العنف اقترح المتحدث، “ضرورة اعتماد ما يسمى بالجهوية المتقدمة، لأن الحل في الجهات وعلى كل جهة بالمغرب اعتماد النموذج التربوي المدرسي الذي يلائم قيمها وغاياتها، فالمدرسة لا تعطينا نماذج تزرع في الأطفال والمراهقين قيم الهدوء والسلم والتواصل، بالمقابل حصلنا على نتائج عكسية، تتمثل في العنف المدرسي والعنف في صفوف المراهقين، والخطير أنه حين يكبر هؤلاء المراهقين سيمارسون العنف بطرق أخرى، كالعنف الرمزي، والعنف القانوني، والعنف السياسي”.

خديجة حركاتصحفية متدربة

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *