الإرث.. بين مطالب المساواة وقدسية النص الديني

عاد إلى الواجهة مرة أخرى موضوع المساواة في الإرث بين الجنسين، بحيث دخلت على خط النقاش، جمعيات وهيئات حقوقية وأحزاب سياسية، وعرف الموضوع انقساما حادا في الآراء، بين مؤيدين يرون في المساواة في الإرث بين الجنسين “تحقيقا للعدالة”، بالاستناد على الدستور الذي نص في الفصل 19 منه، على إحقاق مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الجنسين، في حين ترى فئة أخرى بأن أي تعديل في قانون الإرث، هو “مس بالنص القرآني” الذي لا يجوز مخالفته.

لا اجتهاد مع النص القطعي الدلالة

وفي هذا السياق، قال لحسن بن إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، في حديثه مع “بلادنا24“، إن “مسألة الميراث أو توزيع التركة التي عاد الحديث عنها مرة أخرى، محسومة شرعا، لأن الذي تولى قسمة تركة الميت هو الله تعالى، بنص قرآني قطعي الدلالة، لا مجال فيه للتبديل والتغيير”.

وأضاف لحسن سكنفل، أن “هذه الدعوة الجديدة القديمة، لا يستحضر أصحابها أن النص إذا كان قطعي الدلالة، فإن الاجتهاد فيه غير ممكن، كتحريم الزنا، والبغاء، وتحريم شرب الخمر، وتحريم الربا، وتحريم الرشوة، ووجوب القيام بالشعائر التعبدية، ووجوب توحيد الله وطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولي الأمر فيما لا معصية فيه لله تعالى، ووجوب الإحسان إلى الوالدين والأقارب، ووجوب رعاية الأبناء والإحسان إلى الزوج والجيران، وكتحريم أكل أموال الناس بالباطل، وكتحريم الغلول، “وهو أكل مال الدولة”، وكتحريم بيع الخمور والمخدرات، وكتحريم خيانة الدولة والأمة”.

وأوضح رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، أنه “لا يتصور شرعا تغيير نظام الإرث كما فصله القرآن الكريم في الآيتين 11-12 من سورة النساء، و الأية الأخيرة من نفس السورة، خصوصا وأن النص القرآني جاء في هذه الآيات قويا في دلالته واضحا في ألفاظه، كقوله تعالى: “يوصيكم الله في أولادكم”، وقوله عز و جل: “فريضة من الله”. وقوله سبحانه: “تلك حدود الله”. وقوله عز وجل: “يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة”، وقوله سبحانه: “يبين لكم أن تضلوا”.

وأبرز المتحدث ذاته، أن “هذه الآيات دالة في مجموعها على حكم الله، الضامن للحقوق، والمحدد للأنصبة، والذي ينبغي الخضوع له، لقول الله تعالى: “إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ،وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ”.

وأشار سكنفل، إلى أن “الملك محمد السادس، قد أكد على أنه لا اجتهاد مع النص القطعي الدلالة، وأنه أعز الله أمره لا يحل الحرام و لا يحرم الحلال”.

مطالب بـ”إلغاء العصبة”

من جهتها، شددت بشرى عبدو، مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، على أن “المطالب المطروحة بخصوص المساواة في الإرث كلها مطالب مشروعة من أجل النقاش فيها، ومن المهم أن يناقش هذا الموضوع كل الهيئات والحركات الحقوقية، وبطبيعة الحال هناك من يؤيد وهناك من يعارض، وهذا أمر طبيعي ويدخل في إطار الديموقراطية، ولكن كذلك رفض الرأي الآخر والهجوم على من يتبناه واعتباره رأي خطير يمس بثوابت البلاد، فهذا مرفوض، لأنه من الضروري مناقشته من جميع الجوانب والاستماع للرأي الآخر”.

واسترسلت بشرى عبدو حديثها، قائلة، إن “البيجدي كان على رأس الحكومة السابقة وأيد عدة مطالب في الحركة النسائية، والتي قبل تقلده في السلطة السياسية كان يرفضها بشكل مطلق، وكان يعتبر هذه المطالب مسا بثوابت الأمة والشريعة الإسلامية”.

لكي نتحدث عن موضوع المساواة في الإرث، تضيف بشرى عبدو، “نحن كجمعية التحدي للمساواة والمواطنة، ومعنا عدة جمعيات حقوقية نتحدث بشكل كبير عن موضوع الإرث، ونطالب بـ”إلغاء العصبة”، لأن هذا حق البنات، نظرا لأن تراكم الأملاك جاء من الأبوين، ولا يعقل أن يذهب للآخرين إما “الأعمام أو الأخوال”، لهذا من الضروري إعادة النظر في هذا القانون، لأنه لا توجد آيات قطعية في هذا الباب، وكذلك هذا نضال لا تتبناه الحركة النسائية فقط، بل يطرحه عدة أفراد داخل المجتمع المغربي، وحين نتحدث عن الميراث، فهذا مطلب من الممكن أن يتحقق وربما لن يتحقق، ولكن من الضروري أن يطرح كموضوع للنقاش”.

وأكدت مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أن “موقف حزب العدالة والتنمية، من الحركة النسائية، أمر مروفوض لأنه من حق أي مواطن مغربي أن يرفع سقف مطالبه، ويطالب بتحقيقها”.

في نفس اليساق، قال إدريس السدراوي، رئيس الرابطة الوطنية للمواطنة وحقوق الإنسان، في تصريحه لـ”بلادنا24″ أن “موضوع المساواة في الإرث من المواضيع الصعبة في التعامل معها، لأنها معقدة ومرتبطة أولا بالاستحقاق قبل المساواة “من يستحق الإرث؟” وتحتاج لدراسات معمقة تتوج بتوصيات واقتراحات عملية”.

وأفاد إدريس السدراوي، بأن “النقاش حول موضوع الإرث مرتبط بما هو سياسي وديني أكثر مما هو حقوقي، ونحن نتوصل بالعديد من القضايا والانتهاكات المرتبطة بهذا الموضوع، وغالبا ما تكون النساء في صلب الانتهاكات، فمن غير المعقول أن نمكن العم الذي لا تربطه أي علاقة بالدين في بعض الحالات ولا بالأخلاق الإسلامية، من تقاسم الإرث مع بنات أخيه”.

وفي نفس الصدد، أكد السدراوي، أنه “يجب فتح النقاش في هذا الموضوع بإشراك الجميع من أجل تجاوز بعض المظالم المرتبطة بطبيعة الوارث الذي لا تربطه بالإسلام صلة ومن أجل وقف العديد من المظالم التي تتعرض لها النساء في هذا الصدد، مع التأكيد على إدانة كل من يحاول الحجر على التفكير والنقاش باسم الدين أو باسم أي اتجاه سياسي كيفما كان”.

موقفالبيجيدي

ورفض حزب العدالة والتنمية، المساس بأي شكل من الأشكال بنظام الإرث في المغرب، واعتبر حزب “المصباح” أن “الدعوة إلى المساواة في الإرث، جرأة غير مسبوقة، وتحد صارخ للآيات القرآنية الصريحة للمواريث، وهي كما هو معروف آيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وتؤكد أن سماحة الإسلام لا تسمح بأي حال بتجاوز هذه الآيات ولا بالاجتهاد في أمور محسومة بنصوص قرآنية قطعية”.

واعتبر “البيجيدي”، أن “هذه الدعوات هي غريبة عن قناعات المجتمع المغربي المسلم، كما أنها مرفوضة وغير مقبولة بتاتا، لأنها خطوة قد تؤدي إلى زعزعة نظام الأسرة المغربية وضرب أحد مرتكزات السلم الاجتماعي والأسري”.

ودعا حزب “المصباح”، من “جميع المؤسسات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني الالتزام بهذه الثوابت، بما ينسجم مع هوية وقيم المجتمع المغربي المسلم ويضمن وحدة الأسرة واستقرارها والمحافظة عليها باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *