من سجون إسرائيل إلى كاميرا “الجزيرة”.. وائل الدحدوح الرجل الذي جعل الصبر سلاحه (بورتريه)

“وائل الدحدوح، الجزيرة، قطاع غزة”. كان هذا هو توقيعه ولا يزال مذ أصبح مراسلا لشبكة “الجزيرة” القطرية في قطاع غزة المحاصر. غطى خلال سنوات اشتغاله الطويلة، أحداثا فاصلة من تاريخ صراع بلاده مع جيش احتلال لا تهدأ ماكينته ولا تمل من حصد لأرواح البشر واقتلاع الشجر، شجر الزيتون الذي يؤمن وائل بأنه جزء أصيل من تاريخ فلسطين.

وائل طفلا بهموم الكبار

هو الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح، ولد في حي الزيتون، الذي يعتبر أحد أقدم أحياء قطاع غزة، بتاريخ 30 أبريل عام 1970، وهناك ترعرع طفلا وركض بين أزقة وشوارع مدينته.

نشأ الدحدوح وسط أسرة ممتدة تؤمن بالعيش في “البيت الكبير”، الذي يضم العائلة، لا الأسرة فقط. كانت ظروف العائلة ميسورة الحال، وأصولها تمتد من الجزيرة العربية، وتعيش على ما تزرعه في الأرض، وهذا ما يفسر علاقة وائل ببلاده.

عرف بين أوساط الغزيين باسم “أبي حمزة”، وحمزة هو نجله البكر، الذي سيستشهد وهو يؤدي نفس عمل والده، في تعرية الحقيقة لمن تحاول الماكينات الإعلامية العالمية تغطيتها عنهم.

تلقى الدحدوح تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس مختلفة بمدينة غزة.

وبسبب مشاركته في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي الدحدوح وهو يبلغ 18 عاما،  ليقضي 7 سنوات في سجون الاحتلال. وخلال هذه الفترة، حصل على شهادة الثانوية العامة، وعلى بكالوريوس في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية في غزة عام 1998.

من حلم بامتهان الطب إلى صحفي يواجه جيشا بأكمله

كان حلم وائل الدحوح أن يصبح طبيبا، يداوي جراح من أصيب من أبناء وبنات وطنه دفاعا عن القضية، غير أن حلمه تبخر بعد أن منعه الاحتلال من السفر، ليختار ولوج كلية الآداب قسم الإعلام، ويتخرج منها سنة 1998. وبعد سنة كاملة، انضم الدحدوح لجريدة “القدس” مراسلا لها.

مسار وائل المهني عرف تطورا هاما بعد انضمامه لـ”صوت فلسطين”، وعمله مراسلاً لقناة “سحر” الفضائية عام 2000، وتزامن ذلك مع الانتفاضة الثانية التي شهدتها فلسطين. وهنا جاءت الفرصة لـ”الصحفي الشجاع”، الذي قام بتغطية أحداثها في أماكن الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي، ومن المسافة صفر.

انتقل سنة 2003 للعمل رفقة قناة “العربية” السعودية، غير أن تجربته هناك لم تعمر طويلا. فسرعان ما انتبهت له قناة “الجزيرة”، وضمته لصفوف فريقها سنة 2003. وفي العام 2004، شاء القدر له تغطية أحداث كبيرة عرفتها فلسطين، مثل اغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، واغتيال القيادي البارز في الحركة، عبد العزيز الرنتيسي.

“فليخسأ جيش الاحتلال”

أن تغطي استشهاد رفاقك ودمار بيوتهم شيء، وأن تغطي استشهاد أسرتك وفلذات كبدك شيء آخر تماما، والأكثر من ذلك أن تظل واقفا كشجرة زيتون لا تقتلعها جرافة ولا يجتثها معول.

في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، تعرض قطاع غزة لقصفٍ جوي إسرائيلي طال المنزل الذي نزحت له أسرة الدحوح في مخيم النصيرات. ويومها استشهدت زوجته وابنه وابنته وحتى حفيده، وبلغ الخبر لوائل وهو في تغطية على المباشر، ويومها بقيت كلماته التي وثقتها العدسات حية لا يمكن محوها، “بنتقموا منا بالأولاد؟ دموعنا دموع إنسانية وليست دموع جبن وانهيار، فليخسأ جيش الاحتلال”، ثم قال بعدها كلمته التي تحولت إلى وسم غزا منصات التواصل الاجتماعي “معلش”.

وفي غمرة صدمة العالم بما حدث مع الصحفي الفلسطيني ومراسل قناة “الجزيرة”، وتوقع الجميع بانهيار الرجل وخروجه من هناك، إلا أن وائل فاجأ الجميع، وهو يؤم صلاة الجنازة على أفراد أسرته، ثم العودة حاملا ميكروفونه ومرتديا سترته، التي ملأت ببقع الدم والدمع والكبرياء، ليواصل عمله وليعطي للعالم درسا في الثبات على الموقف والانتصار للوطن.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *