لحسن زينون.. لوحة فنية كوريغرافية لجسد مكبل بأثقال الموروث (بورتريه)

في مجتمع يعتبر فيه غالبية المواطنين، الرقص، مهنة مستهجنة لا تزاولها سوى فئة قليلة من النساء، حارب الفنان لحسن زينون، التقاليد والأعراف، للتعبير عن نفسه بلوحات درامية متتالية، يمتزج فيها الغناء الشعبي المغربي بالرقص الكلاسيكي، ليكون لوحة فنية كوريغرافية، بمشاركة حوالي ثلاثين عازفاً، يتناوبون على العزف على الكمان والطبلة.

آمن بنفسه، وانتفض في وجه الأعراف والقوانين المجتمعية، ليعلا صداه الفني في الحفلات الموسيقية الوطنية والدولية، حيث اشتغل قيد حياته مع كبار الكوريغرافيين العالمين، مثل بيتر فان ديك، جورج لوفيفر، أندي لوكليرهان فوص، وجان برابان، وغيرهم، قبل أن ينتقل إلى عفو الله، أمس الثلاثاء، بإحدى مصحات مدينة الدار البيضاء، عن سن يناهز 80 سنة، بعد معاناة مع المرض.

درب مولاي الشريف نقطة الانطلاقة

ولد الراحل سنة 1944، في درب مولاي الشريف بالدار البيضاء؛ وحصل على أول جائزة في الرقص من المعهد البلدي بالدار البيضاء سنة 1964. ولما أصبح راقصاً نجماً، حاول مشاركة مواهبهه مع من يقاسمونه نفس الشغف والرغبة. وفي سنة 1978 أسس زينون مع زوجته ميشال باريت، مدرسة للرقص، وفرقة “باليه – مسرح زينون”، التي تخرج منها عدة راقصين، منهم ولداه.

في بدايته الفنية، اختار لحسن زينون فن “العيطة” لكونه فناً شعبيا متأصلاً في جذور التراث الشعبي المغربي، وهو عبارة عن مجموعة من القصائد الغنائية تتخللها فواصل موسيقية، لينال بعدها شهرة عالمية، ساعدته في تقديم عروضه في الغرب وفي العالم العربي، وأسهم في تصميم الرقصات لعدد من الأعمال السينمائية، منها “الإغراء الأخير للسيد المسيح” لمارتن سكورسيزي، و”شاي في الصحراء” لبرناردو برتولوتشي، و”ظل فرعون” لسهيل بنبركة.

تعدد المواهب

استمر الفنان زينون في تصميم رقصات كلاسيكية لعدد من الأعمال الشهيرة. وبعد أن سطع نجمه في سماء الفنون العالمية، دخل سنة 1991 مجال الإنتاجات الفنية، ليخرج شريطاً قصيراً سماه “حالة هذيان”، والذي لقي نجاحا كبيرا، لينطلق بعد ذلك بقوة وأنجز ثلاثة أفلام قصيرة، يحمل الأول عنوان “الصمت”، والثاني “البيانو”، والثالث “عثرة”، تتناول كلها حكايات العشق والمتعة، والتغني بالجمال والشرف.

وعلى الرغم من تعدد مواهب الفنية، لقي زينون نفسه في تصميم الرقص، واستثمر خبرته ومهاراته العالية كراقص محترف في تقنية الأجساد والرقص الكلاسيكي لتقديم “كوريغرافيا” محكمة وسلسة تعتمد على إيقاع الجسد، ويساهم في تغذيتها استثمار ذكي للضوء والإنارة، بشكل متناسق مع طبيعة المشاهد والرقصات والأغاني التي تعزف على الوتر الحساس للذاكرتين السمعية والبصرية المغربيتين، حيث يشتمل العرض الواحد على عشرات اللوحات المنفصلة، يتولى فيها عازف مهمة العزف أحياناً بالطبلة، وأحياناً أخرى بالكمان لضبط الإيقاع، تصاحبه المجموعة بمهمة الغناء والترديد والحركات الراقصة.

رفض عائلي ومجتمعي

وعلى غرار باقي قصص النجاح التي تعود لعدد من الأساطير في مجال الفن، فإن قصة لحسن زينون مع الرقص الكلاسيكي والباليه لا تخلو من الطرافة والغرابة، وتعود إلى عام 1956، حين كان صبياً في الثالثة عشرة من عمره، ومرّ صدفة أمام مبنى المعهد الموسيقي في الدار البيضاء، فتناهت إلى سمعه أصداء موسيقى كلاسيكية خلبت لُبَّه، ليلتحق لاحقاً بهذا المعهد، الذي لم يكن يخالطه آنذاك سوى أبناء الفرنسيين والطبقة المغربية الميسورة.

بعد رفضه من طرف عائلته، والمجتمع الذي لم يأمن يوما بفن الرقص كفن شعبي عادي، اختار لحسن زينون مغادرة أرض الوطن إلى بلجيكا، عسى أن يجد من يفهم حبه وعشقه للرقص. وواصل دراسة الرقص مع فرقة الراقص الشهير موريس بيجار، إلى أن حصل على درجة “راقص نجم”، وهي أعلى درجة في سلّم الاحتراف بالنسبة إلى الرقص الكلاسيكي؟.

وعلى الرغم من مشاركته في عدد من المحافل الدولية، لكنه ظلّ مسكوناً بهاجس تطوير فن الرقص الكلاسيكي في المغرب، ومحاولة إيجاد صيغة توفيقية تصالحه مع الرقص التراثي المغربي. وتسنّت له فرصة ذهبية في مستهل الثمانينيات، حين كلّفه وزير الثقافة سابقا، أحمد بنعيسى، بتكوين فرقة محترفة للرقص الكلاسيكي، لتنطلق من هنا الحكاية.

حلم ممنوع

وبعد نجاحات متتالية، داخل وخارج أرض الوطن، توج الراحل في العديد من المحافل الدولية، قبل أن يتوجها بسيرة حياته في مؤلف “حلم ممنوع”، وهو سيرة ذاتية مرتبطة بحياته الخاصة، وبعقود من عمره قضاها في التجوال بين مختلف المجالات الفنية، بالموازاة مع رحلة نضال خاضها في سبيل الاعتراف بالرقص الكلاسيكي والدفاع عن التراث المغربي.

وشكل خبر وفاة لحسن زينون، حزنا عميقا بين محبي الرقص الكلاسيكي، وداخل الوسط الفني عامة، فمع إعلان الخبر، أعلن معه إسدال الستار عن لوحة فنية كوريغرافية تكونت في جسد كبل بأثقال، ليترك اسمه ساطعا في سماء فن الرقص الكلاسيكي.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *