الغلوسي: متابعة السياسيين لم تحرك أدنى نقاش عمومي.. والبرلمان يضم “فارين من العدالة” (حوار)

أصبحت الملفات التي يتابع على ذمتها السياسيون أمام المحاكم، تشكل مصدر قلق وإزعاج للنخب الحزبية في البلاد، خصوصا وأن هذا النوع من القضايا، بات في الآونة الأخيرة سوطا يجلد به الساسة والأحزاب وأعضاء البرلمان بالليل والنهار، وكأن الفساد ظاهرة مرتبطة حصريا بالمنتخب، ولا علاقة لها بأي طرف آخر من المسؤولين في الإدارات والمؤسسات العمومية.

فقد طغت واقعة تفجر ملف “إسكوبار الصحراء“، وسقوط قياديين بارزين في حزب بالتحالف الحكومي، على الساحة، وملأت الدنيا، وشغلت الناس بمحاربة الفساد طيلة الأسابيع الماضية، إلى حد إشعال الغضب لدى نخبة من الزعماء والقادة السياسيين، الذين خرجوا بأشكال مختلفة لنقد هذا الطرح، ومحاولة دفع التهمة الملتصقة بالساسة والسياسيين.

وفي سياق له علاقة بانتشار الفساد المالي في الوسط السياسي، وتفشي ظاهرة “الإثراء غير المشروع”، التي تستوجب تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، حاورت “بلادنا24“، محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام.

باتت في الآونة الأخيرة القضايا التي يتابع فيها السياسيون أمام المحاكم تشكل مصدر قلق وإزعاج للنخب الحزبية في البلاد، هل لازالت هناك أسماء سياسية بارزة يجب التحقيق في مصادر أموالها؟

لا توجد أسماء محددة يمكن أن نقول أنها معنية، لكن المؤكد أن هناك جزء من النخبة السياسية في المغرب ظهرت عليها معالم الثراء الفاحش، واستغلت المرفق العمومي، واستغلت المسؤولية العمومية، أيضا، من أجل الإثراء غير مشروع، وهذا يكفي الرجوع إلى مسارات بعض الأشخاص الذين ترشحوا لهذه الانتخابات، سواء كانت جماعية أو جهوية أو انتخابات برلمانية.

هناك أشخاص معروفون في الجهات كان وضعهم الاجتماعي متواضع جداً، بل منهم من كان وضعه في الدرجات الدنيا على المستوى الاجتماعي، ولكن بين عشية وضحاها، وبعدما تقلد مسؤوليات عمومية، أصبحت معالم الثراء ظاهرة وبادية على البعض منهم، وهم موزعون على أحزاب سياسية.

هذه الأحزاب، أو البعض منها، للأسف الشديد، لا تتوفر على مشاريع مجتمعية، ولا تتوفر على برامج تنافسية، بل إنها تعتمد على استقطابات لأشخاص بإمكانهم أن يشكلوا خزانا انتخابياً، نظرا لإمكانياتهم في هذا المجال. وبالتالي هذه الأحزاب اليوم مطالبة بتخليق الحياة الداخلية المغربية، وتعزيز الديمقراطية الداخلية، وفتح الباب للنساء والشباب.

هل ترى أن المتابعات لأشخاص في أحزاب التحالف الحكومي من شأنها أن تؤثر على تماسك الأغلبية الحكومية؟ وهل فتح مثل هذه المتابعات يعتبر نقطة ضوء في مسار البلاد نحو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟

من المؤسف أن هناك شبكة تم تفكيكها، ويتعلق الأمر بما اصطلح عليه بـ”إسكوبار الصحراء”، التي تضمنت بعض الأشخاص المنتمين إلى حزب سياسي. لو كان هذا الأمر وقع في بلد من البلدان، لاستنترت كل الإمكانيات من أجل تشخيص هذه الحالة، وتسليط الأضواء على أسبابها ومسبباتها ونتائجها، ولرأينا الأحزاب السياسية تقوم بنقد ذاتي، وتفتح نقاشا عموميا واسعا حول تأهيل المشهد الحزبي والسياسي، لكن للأسف لا شيء من هذا حدث.

اعتقال ومتابعة سياسيين لم يحرك أدنى نقاش عمومي وسط هذه الأحزاب السياسية التي تورط البعض منها في شبهات فساد، ولاحظنا كيف أن ثلاثين برلمانياً اليوم متابعون، وهو ما يستحق أن نطلق عليه اليوم “الفارين من العدالة”، هؤلاء يختبؤون اليوم بقبة البرلمان، ويحتمون بالبرلمان، وبالعلاقات التي يوطدونها على مستويات مختلفة.

إذن هذا الواقع يطرح السؤال على النخبتين، الحزبية، والسياسية، ويسائلها، ويسائل مدى مصداقيتها وجديتها، بحيث أن متابعة هذا العدد الكبير من البرلمانيين، كان بالإمكان أن يشكل نقطة نظام، لكن للأسف، ولحدود الآن، واليوم، لم نرى هذه الأحزاب تفتح هذا النقاش، وهذا الورش المتعلق بتخليق الحياة السياسية والبرلمانية، بل حتى مدونة السلوك الأخلاقية المتعلقة بالعمل البرلماني والأخلاقي، شاهدنا كيف هذه الأحزاب انتظرت حتى تدخل الملك، ووصلت رسالة إلى البرلمان بمناسبة ذكراه الستين، في حين أن هذه الأحزاب التي كان من المفروض عليها، أو كان من الواجب عليها أن تقوم بذلك من تلقاء نفسها، لأنه وفي برامجها تتحدث عن الديمقراطية، وعن دولة الحق والقانون، وتتحدث عن تمثيل المواطنين والدفاع عن مصالحهم العليا، إلا أنه حتى هذه المدونة، مدونة السلوك، أو مدونة الأخلاقيات، لم تستطع هذه الأحزاب أن تضعها لأعضائها ومناضليها، فتركت الأمر هكذا، إلى أن تدخل الملك بمقتضى رسالة.

هل يبخس ربط الفساد بالأحزاب والمنتخبين العمل السياسي في البلاد؟

نعم، فالفساد له تأثير كبير على كافة الأوضاع، ليس فقط على المستوى الحزبي والسياسي، بل حتى على مستوى القيم في المجتمع، قيم النزاهة والشفافية وقيم مجتمعية أخرى، أيضاً يسود نوع من الإحساس والشعور بالظلم واليأس، وبالتالي من الطبيعي أن يكون هذا الفساد مؤثرا على البنيات السياسية والحزبية، وأن يشكل عاملا من بين العوامل الأخرى، إلى جانب تدهور مصداقيتها لدى الرأي العام.

نرى في الآونة الأخيرة دينامية إيجابية مهمة في تحريك قضايا الفساد المالي، وتفكيك شبكات بأنشطة إجرامية متنوعة بمدينة فاس؟ لماذا في نظركم لازال الركود يخيم على عدد من الملفات الكبرى بمحاكم أخرى بالمملكة؟

لاحظنا كيف تم تحريك بعض الملفات، وبعض المتابعات القضائية، وهذا أمر مهم وإيجابي، نتمنى أن يستمر، وألا يكون ظرفيا، وأن يتسم بالديمومة والشمولية، وأن يسعى فعلا إلى التصدي لكل مظاهر الفساد والرشوة والريع، وغير ذلك. ولكن على مستوى هذه المراقبة القضائية، يمكن أن يسجل عليها بعض الملاحظات، وضمنها، أنه، كيف هناك مصداقية تستغرق وقتاً طويلا أمام المحاكم من جهة؟ ومن جهة ثانية، كيف أن أيضا هناك قضايا أمام محكمة النقض، وأمام بعض محاكم الاستئناف، استغرقت وقتاً طويلا، مثل قضية كازينو السعدي مثلا، والتي استغرقت في مسارها القضائي ما يفوق 15 سنة؟ وهناك قضايا أخرى مستعصية تستغرق وقتاً طويلا أمام القضاء، دون أن تعرف نهايتها.

وبالتالي، اليوم، لابد للسلطة القضائية أن تتحمل المسؤولية في تسريع عملية البث في هذه القضايا، وحلحلتها، وإصدار أحكام ناجعة، تتناسب وخطورة الفساد المالي، فضلاً عن اتخاد تدابير وإجراءات من شأنها تعزيز الثقة في المؤسسات، وفي مقدمتها السلطة القضائية.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *