عفاف فحشوش الفن، هل هو مجرد وسيلة لتسلية الجماهير؟ أم رسائل تحمل أفكارًا ومعانٍ عميقة وتحاول معالجة مواضيع مختلفة؟
يثار هذا التساؤل باستمرار في عالم الفن، وهو الموضوع المثار أيضا حاليا على منصات التواصل الاجتماعي، تزامنا مع المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.
وتمكنت النسخة الحالية من المهرجان الدولي للفيلم من إثارة هذا الموضوع، وإبراز نوعان من الفنانين، من يعتبر الفن منبرًا لنقل رسائل هامة، وآخرون ممن يغرقون في بحر الأضواء والشهرة دون النظر للأبعاد الثقافية التي يمكن أن يصلوا بها إلى ما هو أعمق.
وفي هذا الصراع بين الفن كرسالة والفن كتسلية، يظهر تباين واضح بين الفنانين الذين يعتبرون أعمالهم تعبيرًا فنيًا عن أفكارهم ومشاعرهم، وبين الذين يركزون أكثر على الأضواء والشهرة والنجاح المادي.
فيمنح الفنان الذي يعتبر عمله رسالة لجمهوره فرصة التأمل والتفكير، وأيضا للتعلم والتثقيف، بينما يرى الآخر الفن وسيلة للوصول إلى الشهرة، ولتغطية تكاليف المعيشة اليومية، أو تحقيق مشروع تجاري، دون الاهتمام بالرسالة التي قد ينقلها.
هل يجب أن يكون الفنان مثقفًا؟
في عالم الفن والمهرجانات العالمية، يتجلى دور الفنان كسفير لبلده، حيث يمثل مرآة تعكس تراثه وهويته الثقافية وفنه. يثير هذا الدور أسئلة هامة حول مدى ضرورة أن يكون الفنان مثقفًا وحاملًا لرسالة.
وفي هذا السياق، يقول الناقد السينمائي، مصطفى العلواني، في تصريح لـ”بلادنا24، إن الفن هو “جسرنا للعبور من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة”، ويؤكد أن الثقافة مهمة للفنان، موضحا أنه ليس بالمعنى المدرسي الضيق.
ويضيف العلواني، أن الثقافة هي انزياح عن التوحش، مردفا: “عندما ننتصر للجمال والنقاء الروحي، فهي رسالة الرسائل”.
وأثار عبد الله فركوس، الكثير من الجدل خلال هذا المهرجان. إذ أظهرت تصريحاته، أنه نموذج للفنان الذي يتجنب التورط في القضايا السياسية والاجتماعية، والتعبير عن مواقفه خارج إطار فنه، مما أعطى انطباعا أيضا لدى رواد منصات التواصل الاجتماعي من داخل الوسط الفني وخارجه، على أنه فنان يفتقر إلى الوعي الاجتماعي والثقافي والتفاعل الإنساني.
فركوس خانته الكلمات عندما قال بنفس التصريح، إن دور الفنان لا يكمن في الدفاع عن القضايا الإنسانية، بل يقتصر على تقديم فنه فقط. فهل يقصد فركوس أن الفنان هو مجرد أداء لتسلية الجمهور من خلال فن لا يهدف إلا للترفيه فقط؟.
بين رسائل الفن وتباين الأساليب
خلال نفس التظاهرة الفنية، اعتبر ربيع القاطي في تصريحات لمنابر إعلامية مختلفة، أن هذه المناسبات الفنية تمثل فرصة للتعبير عن الرأي الفني والمواقف الإنسانية.
ولم يقتصر القاطي على إعطاء رأيه في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والإجابة على الأسئلة الموجهة إليه فقط، بل اختار أن يصيغ إجاباته للصحافة بلغة عربية سليمة، مما يعكس تفكيره العميق، وحرصه على تقديم رسائله بشكل فعّال ومؤثر، دون التضحية بالدقة اللغوية والحس الفني، ويبرز أيضا التزامه بالتحلي بالوعي اللغوي والفني معا.
وأثارت طريقة حديث الفنان ربيع القاطي إعجاب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت أيضا المقارنات، ليست فقط مع فركوس، بل أيضا مع فئة من الفنانين الذين لا يجيدون التحدث أمام الميكرون، فعلقت إحدى الناشطات: “وهل يستوي المثقف مع غيره”. وقالت أخرى معلقة: “الفنان ديال بصح راه كيوصل رسائل كبيرة للمجتمع دكشي علاش ضروري تكون فاهم وواعي بجميع المجالات قبل ما تدخل الفن”.
هذا التباين بين صنفين من الفنانين، خلق نقاشا في مواقع التواصل الاجتماعي عند المغاربة، لم يطرح من قبل بهذه الحدة حول أهمية الفنان المثقف في المحافل الفنية الكبيرة، لأنه بالتالي يظهر كمرآة لمجتمعه، حاملًا للهوية والقيم الثقافية، وفي الوقت نفسه، يُجَسِّد التواصل الفعّال مع القضايا الاجتماعية والسياسية وغيرها.
فنانون اختاروا مهرجانات عالمية لإيصال رسائلهم
وفيما يأتي البعض إلى السجادة الحمراء لأخذ بعض الصور فقط، هناك فنانين في المجال السينمائي لا يضيعون فرصة إيصال رسائلهم في المهرجانات العالمية، حيث تكون أنظار وانتباه العالم متجهة إليه.
من بين هؤلاء الفنانين، المخرجة اللبنانية، نادين لبكي، التي استغلت وقوفها على خشبة مسرح مهرجان “كان” السينمائي، لتسليط الضوء على معاناة الأطفال السوريين الذين يضطرون للعمل في سن مبكرة، معرضين حياتهم للخطر بالشوارع، وعلى تنشأة الأطفال في بيئة غير سليمة، الذي قالت إنه “أساس الشر في العالم”.
وأضافت نادين، في نفس الحدث، أن السينما لم تصنع للترفيه فقط، بل أيضا للتفكير وتسليط الضوء على ماهو غير مرئي في مجتمعاتنا.
كما قام الممثل الأمريكي، جواكين فينيكس، خلال خطابه، بعد فوزه بجائزة أفضل ممثل، عن دوره في فيلم “جوكر”، باستغلال الحدث والأضواء والمناسبة للتحدث عن قضايا التغيير المناخي والاستغلال البيئي.
واختار ريتشارد جير أن يكون مهرجان برلين السينمائي، فرصة للتسليط الضوء على قضايا اللاجئين ودعم المساواة.
