الجزائر بين “خيبة” الولاية الثانية لسانشيز و”طي” الأزمة الدبلوماسية مع إسبانيا

يبدوا أن الجزائر قد قررت أخيرا “طي” صفحة الأزمة الدبلوماسية المفتوحة مع إسبانيا، والتي جاءت نتيجة دعم الحكومة الإيبيرية لمخطط الحكم الذاتي المغربي في مارس من العام الماضي، وهي لفتة ساهمت في إنهاء مرحلة توترات غير مسبوقة مع المغرب، وأعادت الدفء والانسجام للعلاقات بين البلدين.

سفير جديد يعلن “طي” صفحة الخلاف 

مصادر جزائرية وإسبانية، أكدت أن حكومة الجارة الشرقية، قد قررت إرسال سفير جديد إلى مدريد، بعد استدعاء السفير السابق تلقائيا للتشاور، بعد رسالة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، الموجهة إلى الملك محمد السادس، والتي أكد فيها أن مخطط الحكم الذاتي المغربي “أساس أكثر جدية ومصداقية وواقعية” لحل نزاع الصحراء.

المصادر عينها، أشارت إلى أنه ينبغي للحكومة الإسبانية أن تقبل قريبا الاتفاق الخاص بالسفير الجزائري الجديد، وذلك حتى يتمكن من تولي منصبه في مدريد. وبهذا، بحسب المصادر ذاتها، يمكن طي صفحة الخلاف الذي أدى، بالإضافة إلى انسحاب السفير، إلى تعليق معاهدة الصداقة بعد ثلاثة أشهر، وإلى التجميد التام عملياً للتجارة بين البلدين.

ونتيجة لذلك، انخفضت الصادرات الإسبانية إلى المغرب العربي إلى الحد الأدنى في الفترة الفاصلة، مع ما ترتب على ذلك من تأثير على دخل رجال الأعمال الذين لهم مصالح في الجزائر. غير أن سلطات المرادية، قد ضمنت رغم الخلاف الدبلوماسي، إمداد إسبانيا بالغاز في جميع الأوقات، وهو الأمر الذي كانت الحكومة الإيبيرية مسؤولة عن تسليط الضوء عليه طوال هذه الفترة، كما استفاد المغرب منه بشكل كبير عبر إعادة تدويره إلى البلاد.

هذا، وحافظت الجزائر، بدءًا من رئيسها عبد المجيد تبون، على نبرة انتقادية للغاية تجاه إسبانيا، ولا سيما ضد سانشيز، ووزير خارجيته، خوسيه مانويل ألباريس، فيما كان رد الحكومة الإسبانية طوال هذا الوقت بتأجيل الانتقادات، والتأكيد على رغبتها في الحصول على “أفضل العلاقات” مع البلاد، مناشدة التكتم في جهودها لإعادة توجيه العلاقة الدبلوماسية.

وفي هذا السياق، أوضح رئيس الدائرة الجزائرية الإسبانية للتجارة والصناعة، جمال الدين بوعبد الله، في تصريح لصحيفة “تو سير لالجيري” الجزائرية، أنه “كانت هناك اتصالات بين الطرفين في شتنبر في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة”، وهي نقطة لم تؤكدها وزارة الخارجية الإسبانية، ولم تعلق على وصول السفير الجديد في نهاية المطاف.

“شهر عسل” يلوح في الأفق بين مونكلوا والمرادية 

وبحسب رجل الأعمال الجزائري، فإنه “تم الاتفاق على عودة تدريجية للعلاقات بين الجزائر وإسبانيا”، موضحاً أن “الخطاب الذي ألقاه سانشيز أمام الجمعية العامة ساهم في ذلك، حيث لم يذكر مخطط الحكم الذاتي المغربي، واكتفى بدعم حل سياسي مقبول من الطرفين في إطار ميثاق الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن”.

كما ساعد الموقف الذي اتخذته الحكومة الإسبانية، في الأسابيع الأخيرة، في أعقاب العملية العسكرية الذي شنتها حركة المقاومة الفلسطينية على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي، والرد الإسرائيلي اللاحق بقصف قطاع غزة، إذ أوضح أن الطريقة الوحيدة لحل هذا النزاع، هي من خلال تجسيد حل الدولتين، والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ترقب جزائري قبل الانتخابات الإسبانية.. وخيبة أمل توجت بتعيين سفير جديد

الجزائر، وبحسب محللين سياسيين دوليين، لم تتخذ قبل انتخابات 23 يوليوز في إسبانيا أي خطوة نحو المصالحة وإذابة الجليد مع الدولة الأوروبية، إذ كانت تنتظر بفارغ الصبر وصول مرشح الحزب الشعبي، ألبيرتو نونيز فيخو، إلى قصر مونكلوا، وذلك أملاً منها لتراجع إسبانيا عن دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي، إلا أنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة، بعد فشل الحزب الشعبي في تشكيل الحكومة، واتجاهه نحو المعارضة، مما دفعها بمجرد التأكد من أن سانشيز سيستمر كرئيس في الوقت الحالي، إلى اختيار موقف أكثر واقعية، تمثل في إرسال سفيرها إلى مدريد؛ وفي غياب إعلان رسمي وتفسير لهذا القرار، هناك ترقب من الجانب الإسباني حول ما إذا كانت هذه البادرة الدبلوماسية ستترجم أيضًا إلى مصالحة في القسم التجاري.

كما تطرق رئيس الغرفة التجارية الصناعية في الجزائر، إلى استئناف رحلات الخطوط الجوية الجزائرية، الناقلة الوطنية، إلى بالما دي مايوركا، وكذا ارتفاع وتيرة الرحلات الإيبيرية بين مدريد والجزائر العاصمة، وانتعاش رحلة شركة “فيولينغ” بين برشلونة ووهران.

“خارطة الطريق” بين إسبانيا والمغرب متقدمة

ومن جهة أخرى، يرى خبراء استراتيجيون، أن خريطة الطريق مع المغرب تتقدم، ولكنها ليست ملموسة؛ كما أن التقدم الانتخابي كان له أيضًا تأثير على المرحلة الجديدة في العلاقات التي فتحت أبوابها رسالة من سانشيز، مختومة باللقاء الذي عقده في 7 أبريل 2022 مع الملك محمد السادس، إذ أدى الاجتماع رفيع المستوى الذي انعقد في الرباط، في فبراير الماضي، إلى إعادة تأكيد رغبة الحكومتين في مواصلة التقدم في “خارطة الطريق” التي وضعتها.

“خارطة الطريق” التي تصر الحكومة الإسبانية على أنها ناجحة، مدعومة قبل كل شيء ببيانات جيدة على المستوى التجاري، مع زيادة كبيرة في الأعداد، وكذلك على مستوى الهجرة، لأن الوافدين من السواحل المغربية لم يشهدوا زيادة كبيرة مثل تلك التي تم تسجيلها على طرق أخرى إلى أوروبا، مثل إيطاليا أو اليونان.

هذا، ويمثل السعي الجزائري لتطبيع العلاقات مع إسبانيا، خطوة للتودد إلى الجارة الشمالية، لإقناعها بشكل أو بآخر عن العدول عن دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي، واتجاهها لتعزيز مصالحها على الجانب الجزائري على حساب المغرب، إلا أنه من المستبعد أن يخضع سانشيز، الذي يعتبر “صديقاً” للمغرب، للضغوط الجزائرية الفارغة، وذلك نتيجة متانة العلاقات المغربية الإسبانية، التي توجت بعدد من الاتفاقيات في الاجتماع رفيع المستوى.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *