فن الراب.. بين الفوضى الجميلة وحرب “الكلاشات”

بلادنا 24- صفاء بورزيق-

شهدت موسيقى “الراب” انتشاراً كبيراً في السنوات الأخيرة، إلا أنه لم يتلق ترحيبا واسعا ،و يعود ذلك لعدة أسباب ، أبرزها اختلاف الذائقة الفنية في المجتمعات العربية ، التي اعتادت على النمط الكلاسيكي في الموسيقى ،غير أن اليوم تغيرت الأوضاع واجتذب فن “الراب” جمهورا جديدا، وأصبح الكل يستمع إليه خاصة بين فئات الشباب،لما يحمله من حوار اجتماعي و سياسي في قالب فني يُساير تطلعات الشباب و يُحاكي همومهم بموسيقى تتماشى و رغباتهم، ليُصبح بذلك جزءاً من هوية الجيل الجديد.

تاريخ فن الراب

وبرزت موسيقى “الراب”، في الثمانينيات، بالولايات المتحدة الأمريكية، ضمن ثقافة “الهيب هوب”، للدفاع عن الاضطهاد والميز العنصري، والظلم الاجتماعي الممارس عليهم من قبل البيض، إلا أن أصبحت فيما بعد احتجاجا وتمردا، لما آلت إليه الأوضاع المعيشية والاجتماعية التي تعاني منها هذه الطبقات.
أما في المغرب فقد ظهر هذا الصنف الموسيقي في التسعينيات، لكن لم يحظى باهتمام كبير.

وفي سنة 2003 أي مع بداية الألفية،أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي شاهدة على خروج مولود جديد في الموسيقى المغربية، ليُصبح أكثر انتشارا وشيوعا وسط الشباب، ويُشكل نقطة تحول لهوية فنية مغربية عصرية.

رواد موسيقى الراب

عرفت موسيقى “الراب” في المغرب، سطوع العديد من الفنانين المغاربة، على رأسهم توفيق حازب المشهور ب “دون بيغ” ، الذي يعتبره البعض “عراب الراب المغربي”، حيث بدأ مسيرته الفنية في التسعينيات، ونشأ في بداية الألفية فرقة مع “جو”، “كابريس”و “دي جي كاي”، ليطلقوا عليها فرقة “مافيا سي”، وبعد سنوات تفرق أعضاء الفرقة لأسباب مجهولة، الكل شق طريقه منفردا.

و أصدر “دون بيغ” ألبومه الأول المنفرد “مغاربة حتى الموت”، وهو الألبوم الذي لقي نجاحا كبيرا في تلك الفترة، ليتعرف الجمهور المغربي على نوع من الموسيقى العصرية، و يعتبر “البولفار ” حضن “الروابا”، وهو مهرجان الموسيقى في مدينة الدار البيضاء.
وإلى جانب “دون بيغ”، كان مسلم ، وفرقة “اش كاين،  ومعاذ بلغوات المعروف ب “الحاقد”، من أوائل المغنيين الذين اشتهروا بهذا النوع من الموسيقى، حيث أصدروا ألبومات تعالج مختلف المواضيع الاجتماعية والسياسة الراهنة التي تدق ناقوس الخطر آنذاك، بلغة عامية، وبكلمات جريئة وجادة، تعبر عن نوع من الظلم و”الحگرة” في صفوف الطبقة الفقيرة، التي تعاني من التهميش والتحقير، باعتبارها لسان الشعب وصوت لمن لا صوت له،و تعري عن واقع معاش لأبناء الشعب بوجه صريح.

فن الراب.. بين مؤيد ومعارض له

وشكل فن “الراب” قفزة نوعية في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبح الكثير من الشباب يطمحون بتسجيل أغنية “الراب”، ليتنافسوا بها في دروب أحيائهم، وبين شباب جيلهم، ولم يعد هذا النمط الموسيقي حكرا على أشخاص محددين فقط، بل تجاوز ذلك ، إضافة إلى العنصر النسوي الذي أصبح يُنافس في هذا اللون الغنائي، خاصة وأن تكاليف التسجيل والإنتاج غير مرتفعة إلى حد ما.

و يحتاج هذا الفن إلى إبداع في كتابة وسرد الكلمات، ولا يحتاج إلى صوت جميل أو موهبة، مقارنة مع الأنماط الموسيقية الأخرى، الأمر الذي جعل فن “الراب” ينتشر بسهولة في مختلف شرائح المجتمع.

وفي هذا السياق، يرى الكثيرون من المغاربة أن هذا الفن ليس بفن، واعتبروه أنه مجرد “مهزلة” في هذا الوقت ، على حد تعبيرهم، ولا يوافق سبل تطلعاتهم.

فيما عبر آخرون أن الراب هو فن من فنون الغناء، يستعمل للتعبير عن متطلباتهم و معناتهم و أوضاعهم في المجتمع ، وهو بمثابة صوتهم الذي يتحدث به فناني الراب.

معركة “الكلاش” بين المغنيين.. مواجهات شعرية بطريقة عصرية

و في سنة 2018 ،أطلق فيها المغني “دون بيغ” أغنية “170 كيلوغرام”، ليعلن من خلالها رسميا عودته إلى الساحة الفنية ، بعد غياب دام لسنوات، ووصف نفسه ب “ملك الراب المغربي”، وهاجم فيها عدد من جيل الراب الحديث، مثل “ديزي دروس”و “حليوة”، إلى جانب “كومي” “مستر كريزي”.
وهاجم “دون بيغ ” نجوم الراب المغربي عن طريق  “الكلاشات” ، ليتربع على قائمة أكثر مقاطع الفيديو متابعة على “اليوتيوب “، حيث تجاوز 15 مليون مشاهد، وأصبح حديث الساعة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وتناولت الصحف الورقية والالكترونية المغربية موضوع عودته و مهاجمته للجيل الجديد.
وجاء الفنان “ميستر كريزي” ليرد على “دون بيغ” بأغنيته “بيغ شوت”، انتقده بشدة وأعلن عن نهايته.
وأغنية ” 57 كيلوغراما ” للفنان إيهاب الملقب ب “حليوة”، جاءت هي أيضا كرد على الفنان “دون بيغ”، وطلب منه أن يعتزل فن الراب، في حين أن هذه الأغنية تعرضت لانتقادات لاذغة، واعتبر البعض أن كلماتها غير واضحة.
ولم تقف حرب “الكلاشات” هنا، خصوصا بعدما أصدر عمر السهيلي المشهور ب “ديزي دروس” أغنية “المتنبي”، والتي نسج خيوطها على مدى أربعة أيام، ليعلن أن هذه الأغنية هي بمثابة شهادة وفاة ل “دون بيغ”، بعدما وجه إليه انتقادات تحمل في طياتها خبايا كثيرة، واحتلت هي الأخرى “الطوندونس” المغربي، وتربعت على عرش أكثر الأغاني مشاهدة في موقع “اليوتيوب”.

وتتضارب الآراء وردود أفعال المغاربة، بين مؤيد ومعارض لهذه الحرب الكلامية، فهناك من انتقد وضع موسيقى الراب الحالية، واعتبرها مس بقيم التآخي والتآزر، وتخدش بالحياء، لا يمكن الاستماع إليها رفقة العائلة.
وفي المقابل، يرى آخرون أن هذه الحرب الكلامية أو “الكلاشات”، الغرض الأول والأخير منها خلق “البوز”، وحصد ملايين المشاهدات على مواقع التواصل الإجتماعي ، بغرض الربح المالي، ولم يبقى الراب اليوم تعبيرا عن مطالب أبناء الشعب بل تجاوز ذلك إلى حروب كلامية للمواجهة و المتاجرة و تحقيق “الترند” على مواقع التواصل الاجتماعي .
وفي هذا الصدد، صرح هشام عبقري، رئيس الجمعية المغربية لمهن الموسيقى، في اتصال هاتفي لموقع “بلادنا 24”، أن حرب “الكلاشات” قائمة في كل أغنية من قبيل هذا الفن، حيث أن بعض المقاطع تسيء لطرف ما، دون ذكر من المستهدف في الأغنية .
وأكد  عبقري، أن واقع الراب المغربي أصبح اليوم فن غير متميز عن باقي الفنون، لأن برمجته تتم في المهرجانات وفي وسائل الإعلام وغيرها، ولا يحمل في طياته رسائل للتعبير عن واقع معين، وإنما يؤقلم خطابه للتأقلم في السوق من أجل “الماركوتينغ”، مبرزا أنه أصبح مقيدا، وله رقابة ذاتية، ومقيدا أيضا بتوجه فنانين الراب.
وانتقد هشام عبقري، بعض الفنانين الذين ليست لهم ذراية بثقافة “الهيب هوب”، مشيرا أن ما يقمون به اليوم، يدخل في إطار ego trip، أي السفر بالذات، أو الترفع بالذات، دون حمل لرسائل مشفرة للتعبير عن الطابوهات.
ظاهرة “الكلاش”، ليست وليدة العصر الحالي، فإن تمعنا في حيثياتها نجد أن أغلب المواجهات الشعرية، التي كانت رائجة أيام الجاهلية بين كبار الشعراء العرب، كانت تستخدم هذه الظاهرة، وما اليوم إلا مواجهات شعرية بطريقة عصرية و بلغة مختلفة.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *