خبير سابق بـ”الفاو”: سياسة السدود أصبحت أقل فاعلية بسبب ندرة المياه (حوار)

بعدما أصبح واقع الموارد المائية في المغرب جد مقلق، فعلى سبيل المثال انتقلت الموارد المائية السطحية من 22 مليار مكعب في السنة كمعدل، في الفترة الممتدة بين سنة 1945 و1980، إلى مايقارب 14,6 مليار مكعب في الفترة الممتدة بين سنة 1981 و2021.

ينضاف إلى هذه الأرقام، إشكالية الجفاف وندرة المياه، التي من المحتمل أن تجعل الموسم الفلاحي الحالي أقل من المتوسط، في هذا الصدد حاورت “بلادنا24” محمد بازة، خبير دولي في المياه، وموظف سابق بمنظمة الأغدية والزراعة “الفاو”، وأحد المساهمين في الكتاب الأبيض حول الموارد المائية في المغرب سنة 2002.

بداية أستاذ محمد، كيف تقيمون وضعية الموارد المائية في الوقت الحالي بالمغرب، وهل نحن في وضعية تنذر بقدوم الأسوء؟

الوضعية المائية مثلما نقلها الكتاب الأبيض الخاص بالموارد المائية تدق ناقوس الخطر، كما أنها تتفاقم نتيجة للتغيرات المناخية، وهو ما دفعني للعمل مع مجموعة من الخبراء للعمل على تحليل هذه الوضعية، منذ يونيو من سنة 2020.

وبحسب الأرقام المتوفرة، فإن التساقطات المطرية انخفضت بـ20 في المئة في الستين سنة الأخيرة، إلى جانب ارتفاع درجة حرارة الهواء بدرجة واحدة، كما أن سنوات الجفاف انتقلت من سنة واحدة للجفاف خلال 11 سنة كمعدل إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي، إلى سنوات جفاف تتكرر مرة واحدة كل 6 سنوات أو 7 سنوات بين سنة 1981 و2010، ثم بمعدل سنة جفاف كل 5 سنوات بداية من 2011.

بالإضافة إلى أن نسبة ملء السدود، أقل من 40 في المئة منذ 2020، والعديد من السدود تسجل نسب أقل من 10 في المئة، كما أن المياه الجوفية ورغم عدم توفر معطيات محينة حولها بشكل دوري  إلى أن كميات المياه المستخرجة بشكل سنوي وبالمقارنة مع المياه المتدفقة، فإنها تقدر بحوالي 1 مليار متر مكعب في السنة منذ عقدين أو ثلاثة، مما يعني أن أجزاء من الفرشة المائية في وضعية استغلال يفوق قدراتها، أو ملوثة لاتصلح للاستهلاك في إنتاج المواد الغدائية.

بالحديث عن الاستهلاك، ماذا عن مخزون المياه بالنسبة لمعدلات الساكنة؟

مخزون المياه بالنسبة لمعدلات الساكنة، على أساس سنوي، والذي يمكن من قياس درجة ندرة المياه في بلد معين، كان يقدر بـ2600 متر مكعب في السنة، سنة 1960، لكنه انخفض ليصل إلى 500 متر مكعب، خلال العشرية الأخيرة، القيمة التي تعد الحد الأقصى لقياس ندرة المياه.

بالنظر إلى خبرتكم في المجال، ما الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع الذي قمتم بتشخيصه؟

في البداية، أود أن أشير إلى أن هذا الوضع ليس مفاجأة، كنا نعلم أن ذلك سيحدث منذ وقت طويل وصرخنا بصوت عال وواضح، من أجل  التوقع والاستعداد، ولكن لم يكن هناك مستمع، ويجب تذكر ذلك.

يأتي هذا الوضع من مزيج من ثلاثة عوامل أساسية، أولا: انخفاض تدريجي في إمدادات المياه كأحد آثار تغير المناخ، كما هو موضح أعلاه، ثانيا: تواتر حالات الجفاف منذ عام 2011، ثم عدم الترقب والتكيف مع تغير المناخ وسوء إدارة الموارد المائية المتاحة.

هذا الوضع والتنبؤات المقلقة للسنوات الثلاثين الماضية كان يجب أن تدفع البلاد إلى التكيف بشكل أفضل، من خلال التحكم في استهلاك المياه، وإدارة مواردها المائية كما لو كانت الأزمة دائمة، لكنها لم تفعل، والأسوأ من ذلك، أن الطلب على المياه قد ازداد عن طريق زيادة المناطق المروية، بما في ذلك في المناطق التي لا تستطيع فيها موارد المياه المتاحة تلبية الطلب، مما أدى إلى تسريع الاستغلال المفرط للمياه الجوفية.

هذه الزيادة في الري الخاص على أساس المياه الجوفية غير المنضبطة، هي التي يمكن على أساسها تحميل المسؤولية للزراعة، بالإضافة إلى  عدم السيطرة على الآبار غير المشروعة وكميات المياه الجوفية المجمعة.

المغرب من البلدان المعروفة في مجال بناء السدود، وهي سياسة اختارها الراحل الحسن الثاني، هل تظل هذه السياسة فعالة اليوم؟

كانت لسياسة السدود التي أطلقها الراحل الحسن الثاني منذ أكثر من 60 عامًا نجاحًا كبيرًا لا يمكن إنكاره، لكن هذه السياسة اليوم وصلت إلى حدودها، وأصبحت أقل فعالية بسبب ندرة المياه.

إذ لم يعد هنالك مياه تقريبًا من أجل وضعها في السدود الجديدة في غالبية أحواض المياه في البلاد، إلى جانب ذلك، فإن السدود الموجودة لا تمتلأ أبدًا تقريبًا، لذلك ينبغي بناء السدود اليوم بناء على الفاعلية، والتأثير الاقتصادي المثبتة، والحد الأدنى من الآثار الاجتماعية والبيئية السلبية.

للتعامل مع نقص المياه، أقامت الحكومة مشاريع ربط لأحواض المائية، من بينها مشروع الربط بين حوض سبو وأبو رقراق، بالإضافة إلى تحلية مياه البحر، هل تخفف هذه المشاريع من إشكالية الموارد المائية؟

بالنسبة لربط ونقل المياه بين الأحواض الهيدروليكية، نعتقد أنها تسمح بمرونة أكبر في إدارة السدود وتضامن معين بين المناطق، ومع ذلك، فإننا ننصح بالحذر في تقييم الأحجام القابلة للتحويل، لتجنب تعميم نقص المياه.

وبالمثل، قد تكون تكاليف الاستثمار والتشغيل لهذه الهياكل مرتفعة للغاية، لاسيما تكلفة الطاقة عندما تكون الزيادات والهبوط الرئيسية ضرورية، وبالتالي فإن السؤال من سيدفع؟ كما نوصي بالسماح للجمهور بالوصول إلى دراسات التبرير الاقتصادي والتأثير الاجتماعي والبيئي لهذه الأعمال الرئيسية.

فيما يتعلق بتحلية مياه البحر، نعتقد أن هذه استراتيجية ذات صلة خاصة لتلبية احتياجات النقص في مياه الشرب بالأخص.

بالنسبة للري، لاتزال تكلفة المياه المحلاة مرتفعة للغاية مقارنة بإمكانيات تنميتها الزراعية، باستثناء بعض المناطق الخاصة التي تزرع فيها المحاصيل ذات القيمة المضافة العالية، والتي يستطيع المزارعون دفع تكلفة المياه المحلاة بها، لذلك لا ينبغي الاعتماد على تحلية المياه كثيرًا لملء عجز المياه للري.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *