حينما تلاحق “الحكرة” عامل النظافة الجامعي إلى المرحاض

يعاني الشباب في هذا العصر من مشكلة البطالة وقلة فرص العمل، مما ينعكس نفسيا على تصرفاتهم وظروفهم، وهذا بحد ذاته يمثل تمزقا نفسيا مما يؤدي إلى الاكتئاب والانزواء في عالم التيه والضياع، وأكثر ما تكون هذه الحالة عند الشباب من ذوي الشهادات الجامعية الذين بذلوا في سبيل الحصول عليها كل جهد وفكر وتعب، وكم صادفنا في حياتنا من أمثال هؤلاء الذين بحثوا عن لقمة عيش كريم، فهذا جامعي يسوق سيارة أجرة، وذاك بائع متجول، ومن يعمل في الإسمنت والحديد.. إلى كثير من هؤلاء الذين ضاقت بهم سبل العيش وقساوة الظروف .

وهذا نموذج حي لما آل إليه وضع هؤلاء الجامعيين، الشتوي محمد من مدينة مكناس، دعته الظروف للخروج من العمل لفترة عشر دقائق لقضاء مصلحة عاجلة، فوجد نفسه موقوفا عن العمل لفترة محددة ومهدد بانقطاع مالي من أجرته الشهرية، وهو عامل نظافة أو كما يسميه اليابانيون “مهندس نظافة”، ويتقبل التعنيف والمساءلة والتهديد، فأين احترام المثقف الإنسان العامل بسبب الظروف في قطاع النظافة؟

القانون على الضعيف

“الحياة غير منصفة، هو حالة من ضمن المئات إن لم يكن أكثر من الشباب الذين يجدون أنفسهم عرضة للبطالة، والذين ينحدرون من طبقات مسحوقة تبدأ حكايتها مع الكفاح منذ تفتق أعينهم”، هكذا صرح محمد البوكليلي، نائب رئيس جماعة مكناس لـ”بلادنا24”.

البوكليلي ومن خلال منشور له عبر صفحته الرسمية على موقع “فيسبوك” قال: “فاش يعطيك الله شي قوة استعملها في الخير ومتحكرش على الدرويش”.

وأضاف: “الشتوي محمد عامل نظافة ابن لعائلة طيبة في حي سيدي بابا الذي أفني حياته في طلب العلم، وحامل لشهادة جامعية، قبل أن تفرض عليه البطالة قسوتها، ليختار الرزق الحلال وغيره الكثير من الشرفاء الذين يعانون ومن منطق الحكرة الذي يرفض أن ينتهي باستغلا ميكومار الإسماعيلية”.

وتابع المتحدث عبر تدوينته: “قصص الحكرة التي تصلني يوميا كشكايات ضد مسؤولين بالشركة من طرف عدد من الأصدقاء والعمال كثيرة ومخجلة ومهينة، وكنت أحاول دائما حلها سلميا، لكن تهديد الناس في أرزاقهم أمر مرفوض”.

يعيش في أحد أحياء مكناس المتواضعة، وهو أحد نماذج الكفاح، فلم يجد بدا سوى معاندة الحياة التي عاندته، ومنعت عنه هداياها التي تمنحها بسخاء لمن لا يستحقون مناصبهم، خاصة عندما توقفت حركة التوظيف عن سابق عهدها خلال فترة تفشي الوباء”.

واستطرد البوكيلي في حديثه مع “بلادنا24” قائلا: “اضطرته الظروف الصعبة أن يرتدي ثياب عامل النظافة ويكافح من أجل لقمة عيشه، لكن هذه اللقمة مغمسة بالتعب تارة، وبالذل تارة أخرى، فالمفارقة أن من يفوقه رتبة داخل عمله لا يتوفر  حتى على شهادة الباكلوريا أو مؤهل علمي”.

المضحك المبكي

السبب وراء توقيفه لمدة 4 أيام واقتطاع 600 درهم من راتبه يفصح عنه المتحدث ذاته للجريدة قائلا: “المضحك المبكي في المسألة أنه دخل دار الخلاء لقضاء حاجة بشرية لمدة لا تتجاوز عشر دقائق، فما كان من مفوض قضائي ومدير ومسؤولين آخرين إلا أن أحاطوا بالمكان بعد معرفتهم أنه داخل “الطواليط”، وهنا تبدأ عبارات تجريح الكرامة الإنسانية لسبب أنهم افتقدوه خلال هذه العشر دقائق حتى وجدوه في ذلك المكان”.

وتابع حديثه: “هناك الكثير من الحكرة والاحتقار لهؤلاء الفئات خاصة في مثل هذه الشركة، ويعتبر رئيسه في العمل عامل النظافة موظف من الدرجة الثانية، وأنه يجب أن ينصاع لكل ما يريده وهو مسلوب الإرادة والكرامة، وعندما يرفع العامل رأسه يحاول أن يتصيد أي عثرة للانتقام منه”.

ويستأنف نائب رئيس الجماعة قائلا: “ما هو هذا الخطأ الجسيم الذي ارتكبه عامل يريد قضاء حاجته حتى تنهال عليه عقوبة لا مبرر لها حيث توقف أربعة أيام عن العمل واقتطاع 600 درهم قد يكون ثمن كراء بيته، وهو شكل من أشكال الحيف والجور والظلم”.

وأردف قائلا: “نحن كجماعة لن نقف مكتوفي الأيدي تجاه هذه الممارسات التي يندى لها الجبين خجلا، علما بأن عامل النظافة يتوفر على شهادة جامعية تجعله في مقام لائق بشهادته المحصل عليها، وننتظر أن يتم اتخاذ اجراءات صارمة بعد العيد”.

واعتبر المصدر أنه على الرغم من احتقار الكثيرين لهذه المهنة، إلا أن هذا العامل نظرا لاحتياجه وتأمين لقمة عيشه، آثر العمل على الكسل والتقاعس لكي يؤمن لقمة العيش الكريمة ولا يمد يده إلى السؤال والاستجداء.

وتابع قائلا: “علينا أن ننظر إلى هذه المهنة نظرة تقدير لأصحابها فهم في عالم التحضر والتطور مهندسو نظافة وليسوا عمالا، وهذا ما يجعلهم في نظر المجتمع المتطور في موضع تقدير وتكريم، فمتى نعيد النظر في تعاملنا مع أمثال هؤلاء العمال الشرفاء؟”.

إن العمل شرف الإنسان صغيرا كان أو كبيرا، ومن لا عمل له يسقط في أعين الكثيرين ممن نراهم في المجتمع الذين يتطاولون على أقدار الرجال كيفما كانت أحوالهم وظروفهم لاسيما أمثال هذا العامل النظيف.

وكلمة أخيرة ينبغي على الدولة أن تنصف هؤلاء الناس الجامعيين الذين آثروا حب العمل على حياة التشرد والامبالاة، وأن تخلق فرص عمل مباشرة لهذه الفئة من المتنورين علميا وجامعيا.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *