جرموني: يجب إدانة جرائم الاغتصاب بغض النظر عن الفاعل ومكانته الاجتماعية

منذ الحكم بالإدانة على المغني سعد لمجرد بست سنوات سجنا نافذة، من طرف محكمة الجنايات الفرنسية، على خلفية متابعته بضرب واغتصاب فتاة فرنسية سنة 2016، والجدل قائم في منصات التواصل الاجتماعي، بين فنانين ومشاهير ونجوم مغاربة، اعتبروا أن التهمة “ملفقة”، وأن “الموضوع لا يتعدى أن يكون تصفية حسابات سياسية ضيقة بين المغرب وفرنسا”، أو على أساس أن معرفتهم الشخصية بسعد تجعلهم متأكدين من “براءته”، ما جعلهم في مرمى الانتقادات والهجوم من بعض المتابعين.

التضامن مع المتهم في هذه القضية التي عرفت تغطية صحفية كبيرة من طرف الإعلام المغربي والفرنسي، لم يقتصر على المؤازرة والمواساة، بل وصل إلى حد أن بعض “الفانز” وجمهور لمجرد، قاموا “بإهانة الضحية المفترضة”، وذلك بمشاركة صورها في منصات التواصل الاجتماعي والتعليق عليها على أساس أن “جمالها وشكل جسمها متواضع و لا تستحق أن يدخل لمجرد السجن من أجلها”. ومن جهة أخرى، بعض الفنانين المغاربة والمشاهير، اختاروا التزام الصمت والحياد في هذا الموضوع ولم يقوموا بالتعليق على القضية.

في المقابل، أكدت فئة أخرى، أن التضامن مع مدان في جريمة اغتصاب، بغض النظر عن صفته ومكانته الاجتماعية ونجوميته، هو بكل تأكيد تطبيع مع جرائم العنف والاغتصاب ضد المرأة، والأمر يجب أن يكون مرفوضا اجتماعيا وأخلاقيا وقانونيا.

التطبيع مع “الاغتصاب” جريمة

وفي هذا السياق، قال رشيد جرموني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة مولاي إساعيل بمكناس، إن “المسألة غالبا مرتبطة بنظرة الرجل للمرأة في المجتمع المغربي، والمبنية على علاقة هيمنة، والتي تعني غالبا في عقل الرجل أنه هو من يمتلك جسد المرأة، وهذا بسبب التنشئة الاجتماعية التي تزرع هذه الفكرة في الأفراد. وعلى الرغم من كل التطور الذي حدث في المغرب في مجال الحقوق، وخاصة المساواة، فالواقع يقول أنه لازالت هناك ترسبات ثقافية وتقليدية عميقة جدا تتلبس بهذا الموضوع”.

وأضاف رشيد جرموني، في تصرحه لـ”بلادنا24“، بالقول “أعتقد أن سعد لمجرد هو مثال لهذه الترسبات الفكرية والثقافية والتنشئة الخاطئة للأفراد، وقد طبق عليه قانون البلد الذي وقعت فيه الجريمة، فغالبا في الدول الأوروبية تطبق القوانين بصرامة، خاصة في التعامل مع جرائم الاغتصاب، والقوانين هناك أيضا تكفل حقوق المرأة حتى داخل بيت الزوجية. إذن هناك جريمة وعقاب بقانون يأخذ بعين الاعتبار الدلائل والشهود والخبرة الطبية”.

واسترسل المتحدث، قائلا: “ردود الفعل بالمغرب بعد إدانة المحكمة لسعد لمجرد، والحكم عليه بست سنوات، انقسمت إلى قسمين، منها المتعاطفين معه، والذين حاولوا إلصاق حكم المحكمة الفرنسية بالحسابات السياسية بين المغرب وفرنسا، وهذا مجانب للصواب والمنطق، وهؤلاء المتعاطفون غالبا لا يقدرون خطورة جريمة الاغتصاب، وهم بهذا يعيدون تكوين نظرة دونية لهذه الواقعة، ويبررونها بشتى الطرق، وكل التبريرات واهية في اعتقادي، لأنه منطقيا وأخلاقيا وعلميا وقضائيا واجتماعيا، لا يمكن قبول هذه الجريمة، وأيضا ربما تعاطفهم ناتج كذلك عن كون لمجرد شخصية مرموقة ومشهورة ولها مكانة في المجتمع المغربي. من جهة أخرى، هناك فئة أخرى تعاملت مع الموضوع بعقلانية، وأيدت الحكم على أساس أن المحكمة مادام أدانت المتهم، فغالبا هو مذنب، بالاستناد على الدلائل والشهود، وحتى اعترافاته هو شخصيا”.

وأفاد جرموني، بأنه “مادام أن هناك حكم بالإدانة، وجب أن يكون رد فعل المجتمع يجمع حول إدانة الاغتصاب، والأمر لا علاقة له بالمؤامرة ولا بتصفية الحسابات السياسية، فالقانون قال كلمته، والاغتصاب جريمة بغض النظر عن الفاعل وصفته ومكانته، فالقانون فوق الجميع، والتطبيع مع الاغتصاب جريمة”.

وتذكر المتحدث ذاته، واقعة حدثت له أثناء تفجر القضية سنة 2016 أول مرة، واستحضرها اليوم بمناسبة الحديث عن الموضوع، حيث قال إنه “خلال اجتماعه صدفة ببعض الفتيات، عبرن له عن رغبتهن في ممارسة الجنس مع سعد لمجرد، حتى ولو كان الأمر اغتصاب وتعنيف”. ويضيف المحلل الاجتماعي، أنه “بناء على هذه الاعترافات، فالأمر خطير جدا، لكون أن فئة عريضة من المجتمع المغربي، تعبر عن القابلية للتطبيع مع جرائم الاغتصاب. القبول بهذا الوضع “الاغتصاب” من طرف شخص معين فقط لأنه مشهور ووسيم، هو أمر خطير للغاية، وعليه فإن بعض النساء يساهمن بدورهن في انتشار هذه الأفكار العنيفة”.

قانون زواج الضحية من مغتصبها

واستحضر رشيد جرموني، في خضم الحديث عن جرائم الاغتصاب، حادثة انتحار فتاة مغربية بسبب تعرضها للاغتصاب، وقال إن “القانون المغربي في السابق كان يقوم بالحكم على المغتصب بالزواج من الضحية، ولم يتم تغيير هذا القانون إلا بعد انتحار فتاة تدعى “أمينة الفيلالي” من العرائش عام 2012، بعدما أجبرت على الزواج من مغتصبها وفقا للمادة 475 من القانون الجنائي المغربي آنذاك، والذي بموجبه كان يتم السماح للمغتصب بالزواج من ضحيته لتجنب الملاحقة القضائية، وسنتين بعد الحادثة، قرر البرلمان إلغاء المادة 475، وتم إلغاء هذا القانون في عام 2014. القوانين يمكن تغييرها، لكن عقلية المجتمع، ومسح الترسبات الثقافية عنه صعب، ويأخذ وقتا طويلا قد يصل لعقود من الزمن”.

بلادنا24خديجة حركات

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *