جائحة كورونا تُرخي بظلالها على عمالة الأطفال بالمغرب

 

بلادنا 24-صفاء بورزيق-

تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال في مجتمعنا بشكل لافت، وزاد من انتشارها تفشي وباء كورونا الذي وسع دائرة الفقر، أطفال حرموا من ممارسة حقهم في الشغب الطفولي، فمنهم من أجبرتهم الظروف العائلية على ترك فراشهم الدافئ صباحا لينخرطوا في أعمال و ممارسة حرف مرهقة، من أجل توفير قوت أسرهم، ومنهم من اختاروا مغادرة المدرسة واتجهوا إلى العمل على الرغم من أجسادهم الضعيفة، أطفال في الثالثة عشر من عمرهم أو حتى الرابعة عشر امتهنوا حرفا تهين براءتهم، وتمس بكرامتهم، وتسلب أبسط حقوقهم في اللعب والدراسة، وتهدم مستقبلهم، في ظل ظروف قاسية خالية من أي رقابة أو تنظيم، علما أن العديد من الاتفاقيات الدولية قد جرمت بدورها الاستغلال الاقتصادي للأطفال، لكن الواقع يقول عكس ذلك وسط غياب للأمن والسلطة.

قصص إنسانية

أمين، طفل يبلغ من العمر عشر سنوات، يتيم الأب، ترك فصوله الدراسية، وأصبح يبيع المناديل الورقية، وسط مدينة الدار البيضاء، لكي يعيل أمه على توفير لقمة العيش له ولإخوانه الأصغر منه سنا.
وكشف لنا علي البالغ من العمر 12 سنة، و الذي يقطن بأحد الدور العشوائية، رفقة والدته المطلقة وثلاثة من إخوته، عن سبب امتهانه لبيع الورود بعد انقطاعه عن الدراسة منذ سنتين، ودفعته والدته إلى سلك هذا الطريق التي لا تخلو من خطورة منعرجاتها من أجل توفير لقمة العيش، مشيرا إلى أنه يكسب 40 درهما كمدخوله اليومي.

أرقام مقلقة

و أفادت المندوبية السامية للتخطيط، أن عدد الأطفال المغاربة المتراوحة أعمارهم بين 7و 17 سنة، الذين يشتغلون، بلغ حوالي 147 ألف طفل خلال سنة 2020.
وأشارت المندوبية في مذكرتها، إلى أن نسبة الأطفال العاملين بلغ 2 في المائة من مجموع الأطفال في المغرب، 81 في المائة من هذه الفئة يقطنون بالوسط القروي، في حين 79 في المائة منهم ذكورا.
وأوضحت المندوبية السامية للتخطيط، فيما يخص التوزيع الجغرافي لعمالة الأطفال، إن 77 في المائة من الأطفال المشتغلين يتمركزون في خمس جهات، حيث تأتي جهة الدار البيضاء-سطات في المركز الأول بنسبة 25,6 في المائة، يليها جهة مراكش-آسفي، وجهة طنجة تطوان-الحسيمة، وجهة الرباط-سلا، ثم جهة فاس-مكناس.
ونسبة 15,1 في المائة غادروا المدرسة، بينما لم يسبق لـ 4 في المائة منهم أن تمدوسوا.
ومن جهتها، أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل، في بيان لها، أن أوضاع الطفولة بالمغرب، ازداد انحدارا في ظل حالة الطوارئ الصحية، نظرا لغياب مقاربة وخطة تستحضر الحاجيات الضرورية في التلقيح الاعتيادي المتعارف عليه، والمراقبة الطبية والحق في الترفيه واللعب وتوفير الشروط المناسبة للاستفادة من الحق في التعليم لجميع الأطفال دون تمييز بين الجنسين أو التمييز المجالي أو القائم على أساس الوضع الاجتماعي للأسرة.
وأشار البيان ذاته، أن حقوق الطفل عرف تراجعا خطيرا على أكثر من مستوى، باعتراف التقارير الصادرة عن القطاعات الحكومية المختصة نفسها ، وهو ما يؤكد حسب البلاغ تملص الدولة من الوفاء بالتزاماتها القاضية بإعمال حقوق الطفل، واكتفائها بالخطابات الجوفاء حول المخططات ذات الأثر المحدود على الطفولة ببلادنا.

ويتجلى ذلك، في الزج بالآلاف في عالم الشغل واستغلالهم في أعمال مضرة بنموهم وصحتهم، في غياب أية حماية أو مراقبة قانونية، والتزايد المستمر لعدد أطفال الشوارع، مما يجعلهم عرضة لكافة أنواع سوء المعاملة والمس بكرامتهم الإنسانية.

الفقر عنوان أبرز للظاهرة

عوامل كثيرة تُساهم في الانتشار المهول لظاهرة تشغيل الأطفال، خصوصا ما بعد الجائحة، ، والتي تنتشر في أوساط الأسر الفقيرة، التي تزج بأطفالها إلى التهلكة، الأمر الذي يسلب منهم طفولتهم وفرحتهم ويرغمهم على القيام بأعمال شاقة تتعب أجسامهم الصغيرة.
وفي هذا الصدد صرح عبد العالي الرامي، رئيس جمعية منتدى الطفولة، في اتصال هاتفي مع “بلادنا 24”، بهذا الخصوص،أن الظروف الاجتماعية جعلت بعض الآباء يستغلون أبناءهم، معتبرا أن الفقر سببا رئيسيا في انتشار مثل هذه الظواهر السلبية.
ووجه الرامي اللوم للجهات المشغلة التي تعتبر هؤلاء الأطفال يدا رخيصة، مؤكدا على ضرورة مراقبة مفتشين الشغل جميع المحلات التجارية التي تشغل أطفالا مكانهم الرئيسي هو المدرسة.
وأكد عبد العالي الرامي على ضرورة تفعيل قانون التعليم الأساسي، من خلال المتابعة والمواكبة من جميع الجهات المسؤولة، لكي لا يكون الطفل خارج أسوار الدراسة، مشيراً إلى وجوب تنمية المناطق المتصدرة لتشغيل الأطفال.

القانون المغربي يمنع عمالة الأطفال دون السن 15 سنة

ظاهرة تشغيل الأطفال صورة واضحة المعالم لحرمانهم من الطفولة ،وسلباً لبراءتهم، بل وحتى كرامتهم، والمس بنموهم الجسماني، وتهديد سلامتهم الصحية.
و في هذا السياق، أفاد محمد العمراني، محامي بهيئة بني ملال، أن الأهلية شرط أساسي لإبرام عقد الشغل، التي تستلزم الإفصاح عن السن الحقيقي لأطراف عقد الشغل، لاسيما الطرف الأجير.
وأكد محمد العمراني، أن مشروع القانون يمنع تشغيل أفراد ما دون سن 15سنة، بينما يضع شروطا بالنسبة لتشغيل الأفراد ما بين 15و 18 سنة، تتمثل عدم تشغيلهم في الأشغال التي تعيق نموهم، وتفوق طاقتهم، أو تشكل خطراً عليهم أو تخل بأخلاقهم.
وأشار المتحدث ذاته،إلى أن العاملات والعمال المنزليون المتراوحة أعمارهم مابين 16و 18 سنة، وجب عليهم الفحص الطبي كل ستة أشهر على نفقة المشغل، ويمنع تشغيلهم ليلا، كما يمنع تشغيلهم في الأماكن المرتفعة غير الآمنة، وحمل الأجسام الثقيلة و استعمال التجهيزات والأدوات والمواد الخطرة، وفي كل الأشغال التي تشكل خطرا بيّناً على صحتهم، أو سلوكم الأخلاقي أو ما يترتب عنها في الآداب العامة.

لكن يبقى الواقع عكس ذلك، أطفال دون السن القانوني يشتغلون دون ضوابط أو أحكام تقيدهم خصوصاً وقت الجائحة التي أرخت بظلال ثقيلة على المجتمع المغربي خاصة والعالم عامة.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *