تقرير | عقوبة الإعدام في المغرب .. بين النص القانوني و “إشكالية التنزيل”

تعود إشكالية عقوبة الإعدام في المغرب إلى الواجهة ،  و تتعلق بالتناقض القائم بين النصوص القانونية المشرعة لهذه العقوبة من جهة ، و تعذر  تطبيقها على أرض الواقع من جهة أخرى ، الأمر الذي يثير الجدل بشكل متواصل ، ليفتح باب النقاش مجددا ، بين فئة مؤيدة ترى أنها عقوبة عادلة و وسيلة لردع الجناة و فئة أخرى رافضة و متمسكة بمبدأ الحق في الحياة .

ويعتبر المشرع المغربي عقوبة الإعدام عقوبة جنائية أصلية ، و أفرد لتنفيذها مقتضيات خاصة موزعة بين قانون المسطرة الجنائية و المرسوم التطبيقي للقانون المنظم للمؤسسات السجنية ، إلاّ أنها لم تطبق منذ سنة 1993 ، و كان ذلك في حق عميد شرطة متورط في جرائم أخلاقية ، حيث أعطى الملك الراحل الحسن الثاني أمره بتنفيذ الحكم ، نظراً لما اقترفه من جرائم غير مسبوقة ، في حق النساء مستغلا سلطته و منصبه الأمني .

 

قضية مقتل الطفل عدنان و قضايا أخرى .. تعود بنقاش الحكم بالإعدام إلى الواجهة

أثار حكم الإعدام الذي أصدرته غرفة الجنايات الإبتدائية بمحكمة الإستئناف بطنجة ، الصادر في حق قاتل الطفل عدنان بوشوف من جديد النقاش المتعلق بعدم تنفيذ أحكام الإعدام في المغرب منذ 27 سنة .

و في هذا الصدد ، تصاعدت أصوات المطالبين بتفعيل وتنفيذ عقوبة الإعدام ، بعد قضية الطفل عدنان ، التي  باتت قضية رأي عام ، و هو ما  فجر  نقاشا قديما حول عقوبة الإعدام في المغرب بين مؤيد ورافض لها ، بسبب تأثير هذه  الجريمة على نفوس المغاربة ، في ظل تباين وجهات النظر في التعاطي القانوني مع هذا النوع من الجرائم ، بحضور معارضة شديدة من هيئات حقوقية مناهضة لتلك العقوبة .

و يُذكر  أن قضية الطفل عدنان ، تورط فيها شخص في الـ24 من العمر ، قام باستدراج الضحية إلى منزله في مدينة طنجة شمال المغرب، و قام باغتصاب الطفل وقتله ، بعد ذلك قام بدفن جثة الضحية في حديقة قرب منزل والديه ، إلا أن الشرطة نجحت في الوصول إليه وتفكيك خيوط الجريمة.

و إلى جانب قضية مقتل عدنان ، هناك قضايا أخرى  لمدانين بـ”جرائم قتل” ،  كقضية قاتلي “سائحتين إسكندنافيتين”، و”سفاح تارودانت”(قاتل 9 أطفال) ،  لتتعالى في العقد الأخير ،أصوات المغاربة المنددة و بقوة ، بالمطالبة بتنفيذ عقوبة الإعدام في حق مرتكبي هذه الجرائم ، بدل إبقائهم في المؤسسات السجنية ، و السهر  على أمنهم وتغذيتهم وتطبيبهم .

 

فئة داعمة

ويعتبر المؤيدون أن عقوبة الإعدام  عقوبة عادلة و وسيلة لقمع الجناة ، و منعهم من ارتكاب الجرائم ، و كذا خفض معدلات الجريمة .

وحسب القانون الجنائي المغربي ،  فإن عقوبة الإعدام ينطق الحكم بها لمرتكبي جرائم تقدر بـ 31 جريمة ، منها ما يرتبط بالاعتداء على حياة الأسرة المالكة ،  و أخرى تمس بأمن الدولة وسلامتها ، ثم الارهاب  والقتل العمد ،غير أنه تم تقليص عدد الجرائم التي يحكم فيها بالإعدام في مشروع القانون الجنائي ، من 31  إلى 8 ، مع إضافة 3 جرائم، و هي جريمة الإبادة الجماعية و جرائم ضد الإنسانية ثم جرائم الحرب، ليصبح مجموع الجرائم التي يحكم فيها بالإعدام 11 .

 

يوم دراسي من أجل نقاش مشروعية عقوبة الإعدام

و نظمت كلية العلوم الاقتصادية و الاجتماعية و القانونية بمكناس ، و المنظمة المغربية لحقوق الانسان ، بدعم من الوزارة المكلفة بحقوق الانسان ،  يوما دراسيا  من أجل نقاش عمومي رصين و تعددي حول عقوبة الإعدام .

و أفاد عميد كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية  بمكناس ، محمد بوزلافة  ، بأن الغاية اليوم ليست بالضرورة الاختيار بين الإلغاء و الإبقاء بعقوبة الاعدام ، بقدر أهمية طرح الافكار و الرؤى التي من شأنها أن تشكل لدى الحاضرين من الرأي العام و الخبراء ، و الطلبة و الباحثين ، آليات للتفكير و طرح سؤال الجدوى من عقوبة الإعدام ، في المنظومة القانونية الجنائية ، انطلاقاً من الوثيقة الدستورية ، و التزام المغرب بالاتفاقيات الدولية و كذا  المرجعية الدينية .

و قال عبد الاله المتوكل ، أستاذ بكلية العلوم الاقتصادية و الاجتماعية و الاجتماعية في مداخلته ، إنه رغم الجهود التي بذلها المشرع المغربي من خلال التقليص من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام ، إلاّ أنه حان الوقت للخروج من هذا التردد التشريعي و المؤسساتي من أجل الغاء هذه العقوبة .

و من جهته أوضح هشام سوني و هو أستاذ بنفس الكلية ، أن هذا اللقاء كان فرصة لتبادل الرؤى الفلسفية و الدينية و القانونية ، مبرزاً ضرورة معالجة السياسة الجنائية و السياسة التشريعية في المغرب من خلال معالجة حقيقية بما يتناسب و الواقع المعاش من جهة ، و مع الظرفية القانونية و التشريعية في ظل السياسة الجنائية المعاصرة .

و يرجح عبد الرحيم الامين ، أستاذ بالكلية بمكناس، في نفس السياق ،أن  السبب وراء اختلاف  الدول حول عقوبة الإعدام ، إلى كونها عقوبة نسبية بطبعها ، مضيفا بأن المغرب لم يستغلها في الآونة الأخيرة لأي تصفيات سياسية .

و من موقعها كأستاذة بالكلية ذاتها بمكناس ، شاركت سهيلة بوزلافة بمداخلة حول المواقف التي تبناها المشرع المغربي فيما يخص هذه العقوبة سواء فيما يتعلق بالمواجهة التشريعية و الالتزام الدولي .

و في نفس السياق ، يعتبر فيصل سولاني و هو عضو المكتب التنفيذي بالمنظمة المغربية لحقوق الانسان ، أن عقوبة الإعدام إحاطة بالكرامة ، و أنها ضد مبادئ حقوق الإنسان ، و كذلك ضد الفصل 20 من الدستور المغربي الذي ينص على الحق في الحياة .

و من جانبه ، أبرز خالد يمني ، رئيس قسم تنمية التعاون و الشراكة بوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان و العلاقة مع البرلمان ، أبرز في مداخلته أن مجموعة من التوصيات و المقترحات سيتضمنها تقرير تركيبي شامل ، و الذي سيشكل خطوة هامة لتبديد الخلاف ، للوصول الى خطوة شاملة و واضحة حول قضية عقوبة الإعدام .

كما اتجهت مداخلة الاستاذ بكلية العلوم القانونية  بمكناس ،  حسن الرحية ، إلى باب تفريد المعاملة العقابية المحكومين بالاعدام دخل المؤسسات السجنية و المراجعة التشريعية للتشريع السجني ، و كذا مراجعة قانون المسطرة الجنائية ، مشيرا إلى الوقوف على وضعية المحكومين بالاعدام و دراسة 52 حالة من اصل 114 و التي لامست إشكالية الحقوق و الحريات للمحكومين  .

المجلس الوطني لحقوق الانسان .. توصية بالإلغاء

خلال تقديمها للتقرير السنوي (2020) حول حالة حقوق الانسان في المغرب في ندوة صحفية بالعاصمة الرباط ، قالت امينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان ان عدد المحكوم عليهم بالاعدام في البلاد يبلغ 74 سجينا بينهم سيدتان إحداهما صدر في حقها حكم نهائي و الأخرى مازال ملفها رائجا أمام المحاكم ، ويعتبر هذا الرقم مجموع أحكام الإعدام خلال السنوات الماضية، حيث بلغ مجموع المحكومين خلال 2019 نحو 11 حالة.

و في هذا السياق ، جددت بو عياش، الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام التي لا يزال القضاء يحكم بها داعية  في مناسبات عديدة سابقة، إلى إلغاء تلك العقوبة، معتبرة أنها “غير دستورية” و”مضرة بالمجتمع”، و”انتهاك جسيم للحق في الحياة”.

و يوصي ، في هذا الصدد ، المجلس الوطني لحقوق الانسان باعتباره من أشد المدافعين عن الغاء عقوبة الإعدام في المغرب بالمصادقة على البرتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام .

نوفل البعمري .. مع الإلغاء

وأفاد نوفل البعمري  , محامي و ناشط حقوقي ، في تصريح لـ”بلادنا 24” ، أنه رغم تنصيص القانون الجنائي المغربي على عقوبة الإعدام، إلا أنه توقف عن تنفيذها منذ سنة 1993 مع ما يطرحه ذلك من إشكال حقوقي بالنسبة لتأثير توقف تنفيذ العقوبة على المحكومين بها نفسيا و إنسانيا ، و إشكال قانوني حول جدوى استمرار هذه العقوبة و الحكم بها اذا لم تكن  ستنفذ ، مبرزا أن الهدف من الأحكام هو تنفيذ منطوقها .

و في هذا الصدد ، أكد البعمري أنه إذا كان المغرب قد اختار كجزء من سياسته الجنائية أن يعمد إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام ، فالجدوى أن يتم إلغاؤها و إقرار عقوبة بديلة عنها .

و أضاف البعمري أن عقوبة الإعدام واحدة من العقوبات التي عمدت الحركة الحقوقية إلى المطالبة بإلغاءها لتعارضها مع الحق في الحياة ، باعتباره حقا أساسيا منصوص عليه في المواثيق الدولية ، خصوصا و أن المغرب يعتبر جزءا منها ، و من هذه المنظومة الحقوقية التي تفرض عليه ملائمة تشريعه الوطني ، خاصة الجنائي منه مع نصوصها، و هو ما يستلزم إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي المغربي ، تماشياً مع القانون الدولي لحقوق الإنسان و مع الالتزامات المغربية الدولية ، دون نسيان أن هذا المطلب كان واحدا من المطالب الأساسية لهيئة الإنصاف والمصالحة.

حاجة إلى اتخاذ القرار

ويفرض الواقع المغربي و بشدة ، ضرورة إعادة تصنيف الجرائم و العقوبات تصنيفاً يلائم الواقع الجنائي بأركانه الكاملة وفق ما تعرفه معدلات الجريمة من ارتفاع متسارع في العقد الأخير  ، الأمر الذي يلزم ضرورة فتح نقاش جدي يقتضي مراجعة واقع عقوبة الإعدام في المغرب بشكل عام ، لاتخاذ قرار حاسم يخمد لهيب الجدالات المتواصلة الراي العام  و التوصل بحل مناسب على صعيد كل المستويات .

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *