تقرير تحليلي: قيس سعيد.. الجزائر والصحراء وليبيا وخروج عن “ملة العرب”

تجاوزت العلاقات المغربية التونسية مرحلة النفور لتتموقع ضمن خانة التوتر البين الناجم عنه حالة النكاف الدبلوماسية الحاصلة حاليا، نتيجة لتواصل الإستفزاز التونسي المستمر، وصب الرئيس قيس سعيد الزيت على النار دون حساب لعواقب ما يعتمده من قرارات جعلت من بلاده أحد مريدي وشيعة النظام العسكري في الجزائر.

تحولت تونس منذ تولي قيس سعيد قبضة الحكم من بلد ينأى بنفسه عن نزاع الصحراء يعتنق الحياد إلى طرف أساسي يرجح كفة النظام الجزائري وجبهة البوليساريو فيما يخص نزاع الصحراء على غير عادة بلدان شمال أفريقيا المتغاضين عنه تحت يافطة قوة العلاقات مع المغرب والجزائر، وكذا غطاء المحافظة على الأواصر التاريخية مع قطبي المنطقة دون ميل، إلا أن تونس قيس سعيد حرق كل مراحل “التطبيع” مع الكيان الوهمي، ليضع يده بيده دون مواربة من خلال إستقبال رسمي تحضيرا لقمة “تيگاد8” المنعقدة بتونس 27 و 28 غشت.

قيس سعيد.. كان بالإمكان أحسن مما كان

باتت تونس منذ تولي قيس سعيد الرئاسة نظاما فريدا من نوعه؛ نظام يستحوذ فيه الرئيس على كل السلط ومواطن “الفعل” الحقيقية بالبلاد؛ نظام لا صوت يعلو فيه على صوت قيس سعيد في تكرار لمرحلة المخلوع زين العابدين بن علي وإن إختلفت التجربتان فيما يخص التبعية والإنبطاح للجيران والموقف أيضا من نزاع الصحراء.

لقد حول المنقلِب قيس سعيد تونس بدعم من “فاعل غربي” إلى ضيعة إستبدادية تداس فيه المؤسسات الدستورية والديمقراطية بالأقدام وتنظم فيه الإستفتاءات حسب الأهواء على حساب الشرعية وثورة الشعب التونسي ودماء “البوعزيزي”، ليصبح بذلك المتحكم الوحيد في الشأن التونسي حتى على المستوى الإعلامي، حيث عكس حبه للظهور وإلتقاط الصور فعليا من خلال إحتكار كل المراسيم والفعاليات من أجل تصدر القنوات التلفزية والصحف دون أدنى حضور لحكومته أو مسؤوليها، وهو ما يفسر إصراره على إستقبال زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، بنفسه والزج ببلاده في أتون نزاع الصحراء دون وجل أو توجس من أية رد فعل مغربية، مُصرا على إختلاق أزمة كان من الممكن تفاديها.

كان على قيس سعيد تفادي إختلاق أزمة مع المملكة المغربية بفِعل بسيط بعيدا عن غرور السلطة وتعجرف التحكم، والسير على درب الكثير من الدول التي حافظت على نفس المسافة مع المغرب والجزائر فيما تعلق بنزاع الصحراء، إذ بادرت دول كثيرة على تكليف وزراء من الصف الثاني بإستقبال زعيم البوليساريو، بن بطوش ، خلال مختلف الأحداث والقمم والمؤتمرات الدولية التي تنظمها في سياق المحافظة على حبل الود مع طرفي نزاع الصحراء على الرغم من مساندة تلك الدول للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وذلك نتيجة لكون حضور البوليساريو في تلك الأحداث المنظمة مؤطرٌ بمسألة عضوية الإتحاد الأفريقي الذي تتولى مفوضيته توزيع الدعوات للمشاركة فيها، وتلزم الدول المنظمة لتلك القمم بحضور البوليساريو.

قيس سعيد.. البوليساريو مطية لجذب الأنظار 

سعى قيس سعيد منذ إنقلابه على الدستور للبحث عن حاضنة توفر له أساسيات التحكم، ليجد ذلك في نظام العسكر الجزائري الذي لم يدخر جهدا في الترويج له كرئيس شرعي من خلال إستقباله عدة مرات من طرف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وتبادل الزيارات بين حكومتي البلدين وكأن شيئا لم يحدث، بل تجاوز ذلك ليؤكد عبد المجيد تبون دعمه له بشكل مباشر وصريح.

لم يتوانى المنقلب قيس سعيد في إستغلال فرصة مشاركة البوليساريو في قمة “تيگاد8″ وإستثمارها لمعرفته بالهالة الإعلامية التي قد توفرها له تلك المشاركة وإستقباله لزعيم البوليساريو، ولإلمامه بردود فعل الدبلوماسية المغربية التي ستجعله محط أنظار العالم تسويقيا على ضوء ما عاناه من عزلة إقليمية ودولية بعد إنقلابه على الديمقراطية و”بصقه” على مؤسسات الدولة الدستورية في تونس، وبالتالي فقد كان لزاما عليه جعل استقبال زعيم جبهة البوليساريو مطية لترويج صورة الرئيس الشرعي الذي يمارس مهامه بأريحية بعيدا عن الأزمة السياسية والإقتصادية التي تعيش على وقعها البلاد تلك التي باتت تهدد مستقبلها لدرجة بيع المواقف دوليا.

قيس سعيد.. الموقف من نزاع الصحراء قابل للبيع مقابل الشرعية والحماية

لم يدعم النظام الجزائري الرئيس المنقلِب قيس سعيد دون إلتزامه بدفع فاتورة ذلك الدعم، بحيث قدم له مقايضة من نوع خاص تعكس فعليا دور الجزائر في نزاع الصحراء، وذلك من خلال رهن الإعتراف بشرعيته رئيسا بموقف يميل للجزائر فيما يخص نزاع الصحراء، وهو ما قبِله قيس سعيد دون تردد، وظهرت بوادره في جلسة مجلس الأمن الدولي للمصادقة على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2602 المتعلق بتمديد الولاية الإنتدابية لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء “مينورسو”، عندما إمتنعت تونس عن التصويت على القرار في مفاجأة أربكت حسابات الدبلوماسية المغربية، وجعلتها تضع تونس قيس سعيد في خانة “المتمرد” الذي لا يؤتمَن جانبه.

باع قيس سعيد الموقف من نزاع الصحراء للجزائر أوليا بعد إمتناع المندوب التونسي عن التصويت على القرار الذي تعتبره المملكة المغربية مصيريا، مُقحما نفسه في “معمعة” كان ينأى بنفسه عنها، بيد أن عملية البيع تلك التي تخللتها أيضا مساعدات مالية سخية من قصر المرادية في الجزائر، جعلته يتبنى موقفا معاديا جديدا ضد المغرب من خلال “التطبيع” مع جبهة البوليساريو وإستقبال زعيمها إبراهيم غالي بشكل رسمي للمشاركة في القمة اليابانية الأفريقية ضاربا عرض الحائط كل العلاقات والأواصر التاريخية مع المغرب، مخاطرا بعلاقات بلاده مع أخرى أفريقية وعربية تستميت في الدفاع عن سيادة المغرب على صحرائه.

ومن جانب آخر، لا يمكن فصل الملف الليبي عن نزاع الصحراء في حالة تونس، وذلك لكون بيع الموقف التونسي من نزاع الصحراء للجزائر يعد من تبعات الأزمة الليبية بسبب تقاسم تونس لحدود برية مع الجزائر اللاعب الرئيسي في الملف الليبي، وكذا ليبيا نفسها، إذا راهن قيس سعيد على الجزائر وجعلها “حارسا” لهكرسيه الرئاسي ولبلاده في مواجهة التهديدات الأمنية وتداعيات الإرهاب المحلقة بسماء طرابلس والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال لتونس وجيشها مواجهتها وحيدة.

قيس سعيد.. خروج عن ملة العرب

في ظاهره يبدو موقف الرئيس المنقلِب، قيس سعيد، عاديا للبعض بإعتبار أن رؤساء أفارقة ومسؤولين أمريكيين لاتينيين يستقبلون زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، ويتحادثون معه بشكل دوري، لكن أن يأتي الإستقبال من طرف رئيس عربي فذلكم تعتبره الرباط خروجا عن ملة العرب الداعمين للمغرب ووحدته الترابية دون تردد، لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي ودول مشرقية عدا سوريا التي وإن قطعت علاقاتها مع المغرب فلم تتجرأ على إستقبال قياديي البوليساريو أو زعيمها بشكل رسمي.

أي نعم لم يكن قيس سعيد الرئيس العربي الوحيد الذي إستقبل زعيم جبهة البوليساريو في العقد الأخير بإستحضار موريتانيا، بيد أن المقارنة بين تونس وانواكشوط غير موفقة بالنظر لدور موريتانيا الفاعل في النزاع وبإعتبارها طرفا ملاحظا وبلدا حدوديا مع المغرب ومعنيا بالنزاع وإن كانت تعترف بـ “الجبهة”، بيد أن ذلك الإعتراف الموالي للجزائر وجبهة البوليساريو سيّجَه عدم إفتتاح “سفارة للبوليساريو” في انواكشوط حفاظا على العلاقات مع المغرب، وبحثا عن حياد يراه الرؤساء الموريتانيون إيجابيا، وفي حالة تونس غير المعنية بهكذا مواقف، فإن الإستقبال كان إختلاقا لأزمة وميلا فاضحا لنظام العسكر الجزائري.

بلادنا24 : الوالي الزاز 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *