تقرير: بين حرائق الغابات وندرة المياه.. معضلات بيئية تعاني من تجلياتها المملكة في الآونة الأخيرة

حرائق الغابات باتت إحدى المشاكل المقلقة التي تؤرق السكان و تهدد ملايين الأشجار المكونة للغطاء الغابوي ،الذي يستحوذ على 12.9 % من مساحة المملكة المغربية ، و الذي يعد من مكونات النظام البيئي الرئيسي الذي يحافظ على استقراره، كما أن الغابات تساهم بشكل كبير في تلطيف الجو، و كسر حدة الرياح القوية و التخفيف من سرعتها، فضلًا عن وقف الاجتثاث و زحف الرمال.

و صرح باحث بيئي أنالحرائق التي تشهدها المملكة، قد تكون ناتجة بشكل مباشر عن التغيرات المناخية في الآونة الأخيرة“.

فما أن يندلع حريق بالمملكة و تنجح السلطات في احتوائه، حتى يندلع آخر في مكان مختلف وفي ظروف غامضة، حيث شهدت المملكة في الشهر المنصرم اندلاع أكثر من 20 حريقًا في مختلف جهاتها، من الغابات في مدن الشمال، إلى واحات النخيل بالأقاليم الجنوبية، متسببة في خسائر مادية فادحة أثقلت كاهل كل من المواطن و الدولة على حد سواء.

تعتبر الغابات من ركائز اقتصاد المملكة 

تساهم الغابات و الأشجار بشكل كبير في تحقيق النمو الاقتصادي  بالمملكة، و خلق عدد كبير من فرص العمل ، فضلًا عن تحقيق الأمن الغذائي و توليد الطاقة، كما أن لها دورًا أساسيًا في التصدي لتغيرات المناخ التي تشهدها المملكة على غرار باقي دول العالم في الآونة الأخيرة.

حيث تدعم الغابات الاقتصاد الريفي خاصة على مستوى الأقاليم الشمالية و كذا المناطق الجبلية للمملكة، كما توفر فرص عمل للسكان الذين لا يملكون سوى خيارات توظيف قليلة خارج إطار الزراعة تحصى على رؤوس الأصابع، وتنتج الأشجار أكثر من 5000 نوع من المنتجات القائمة على الأخشاب ، و تنتج قيمة مضافة إجمالية تفوق 600 مليار دولار على الصعيد العالمي، ما يمثل حوالي 1% من الناتج المحلي العالمي، كما توفرالسلع الناتجة عن الغاباتدخلًا مهمًا  لسكان الأرياف المغربية، مما يجعل العديد من الناس يتخلصون من حالة الفقر المدقع التي يعيشون فيها.

وقد ساهمت الحرائق الأخيرة التي جاءت على المئات من الهكتارات بكل من غابات  (بوكربة بتازة، باب أزهر بدائرة تاهلة، حريق بني يدر بإقليم تطوان، و الحرائق المهولة التي شهدتها مدينة العرائش، إضافة لحرائق الواحات)، في تضرر جل المواطنين بتلك المناطق، حيث نزح أغلبهم لمناطق أخرى تاركًا وراءه منزله و مصدر رزقه الوحيد، في مشاهد أليمة شاهدها الملايين عبر شاشات التلفاز و الهواتف.

هل تعتبر التغيرات المناخية السبب الوحيد في حرائق الغابات الأخيرة؟

بحسب ما أفاده عدة خبراء على الصعيد العالمي، فإن موجة الحر المتطرف التي تعتبر الأعلى منذ 125 ألف سنة، هي التي تخلق ظروفًا مواتية لاشتعال الحرائق في الغابات، كما أضاف نفس المصدر أن التغير المناخي يجعل الغطاء النباتي أكثر قابلية للاشتعال و التربة أكثر جفافًا ، ما يزيد احتمالية حدوث الحرائق، بشكل أوسع نطاقًا وأكثر شراسة.

و بحسب ورقة بحثية نشرت حديثًا في دورية “reviews of Geophysics” , مفادها أن بعض الغابات البعيدة عن خط الاستواء شهدت زيادة قدرها 50% أو أكثر في المنطقة المحروقة خلال العقدين الأولين من القرن الحالي.

لكن التغيرات المناخية لا تعتبر السبب الوحيد في حرائق الغابات الأخيرة التي طالت المملكة على غرار العديد من الدول، حيث تندلع 90% من الحرائق بفعل فاعل، و التي تتجلى في رمي الأشخاص  لأعقاب السجائر داخل النباتات اليابسة، إضافة لإضرام النار داخل الغابات قصد الطهي أو الشواء، مع إغفالها و عدم إطفائها فور الإنتهاء منها، حيث يسهم الريح في انتشارها في لمح البصر مما يسبب حريقًا مهولا يلتهم العشرات من الأشجار في لحظات،هذا فضلًا عن الأفعال العمدية لإضرام ألسنة اللهب، و التي تعد فعلًا إجراميًا في حق الطبيعة و الانسان على حد مواز.

تزامن الحرائق مع ندرة المياه، يهددان بأزمة بيئية على المدى القريب:

تتفق مصادر مختصة متطابقة على أن أغلب الحرائق التي نشبت على مستوى الغابات بالمملكة ، ناتجة بشكل مباشر عن الارتفاع المهول لدرجات الحرارة، و الذي تظهر تجلياته بشكل واضح في الضغط على الموارد المائية مما يعمق حدة الأزمة، حيث يعاني المغرب جفافًا يعد الأسوأ منذ حوالي أربعين عامًا ، مما يثير توجسات و مخاوف من أزمة المياه، كما أوضح وزير التجهيز و الماء نزار بركة في عرض له أمام البرلمان مؤخرا، أن الجفاف المسجل هذه السنة يتميّز بتأثيره على التزوّد بماء الشرب في المجال الحضري، بينما كان تأثيره في الماضي يقتصر على توفير ماء الشرب في الأرياف ولسقي المزروعات، كما أن العجز المسجل في مخزون مياه السدود قدر ب 89% مقارنة مع المعدل السنوي، مما يبرز حدة الأزمة التي يعاني منها المغرب في الآونة الأخيرة، كما أطلقت السلطات مؤخرا  برنامجًا بغطاء مالي بلغ مليار يورو لمساعدة الفلاحين في مواجهة آثار الجفاف، حيث أن الوضع يفرض ترشيد المياه على المدى البعيد، كما ذكرت تقارير عدة في الأعوام الأخيرة أن المغرب هو من بين البلدان المهددة بشح المياه بسبب التقلبات المناخية، وقد تراجعت حصة الفرد من المياه من حوالي 2600 متر مكعب، خلال فترة الستينيات،إلى حوالي 620 مترًا مكعبًا حاليًا ، و هو المستوى القريب من شح المياه المحدد ب 500 متر مكعب للفرد.

بلادنا24 معاد بودينة |

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *