لماذا فقد المغاربة الثقة في المسؤولين السياسيين؟

تراجع كبير في منسوب الثقة بين المواطن المغربي والقائمين على الشأن السياسي، بسبب عدم رضى شريحة كبيرة من المجتمع عن إنجازات رجال السياسة، وتراجع مكانة الأحزاب، لدرجة غياب دورها في الوساطة بين الدولة والمجتمع، وبذلك ينظر أغلب المغاربة للسياسيين على أنهم لا يقومون بواجباتهم ومهامهم التي انتخبوا من أجلها، وهذا ما يوسع الهوة بين المواطن والسياسي، ما يجعل أزمة الثقة مستمرة، في ظل غياب تواصل جيد وفعال، فلماذا لا يثق المواطنون المغاربة في السياسيين؟

أكد الصحفي محمد أيت بو في تصريحه لـ”بلادنا24“، أن “غياب الثقة بين المواطن والسياسي، يعود لاعتبارات بسيطة، من بينها أن المواطن المغربي لا يلمس على أرض الواقع وعود وتعهدات السياسيين إبان الحملات الانتخابية، خلال تحملهم للمسؤولية السياسية في تدبير الشأن العام الوطني والجهوي والمحلي”.

وأضاف أيت بو، أن “الصورة النمطية والتمثلات الموروثة حول الفاعل السياسي في التاريخ السياسي المغربي، جعلت من الصعب استرجاع هذه الثقة المفقودة، إلا إذا ظهرت نخب جديدة، ترفع شعارات ووعود يسهل الوفاء بها، بعد العبور إلى محطة تدبير الشأن العام”.

ومن جانب آخر، قال المتحدث نفسه أن “ضعف التأطير السياسي لدى غالبية المواطنين، لتفعيل دورهم في المتابعة والمراقبة عبر القنوات السياسية والقانونية المعمول بها، يجعل فقدان الثقة يتسع، لذلك نسمع عبارات من قبيل “كلهم بحال بحال”، ويعزز هذا الأمر شبه غياب لنماذج سياسيين يفون بوعودهم، ويلبون انتظارات المواطنين”.

وفي نفس السياق، صرح الباحث في الإعلام والسياسات الدولية، أنور قورية، لـ”بلادنا24“، أن “انعدام الثقة بين المواطن والسياسي ليس وليد الصدفة ولا اليوم، وإنما هو تحصيل حاصل، ونتيجة لمجموعة من التراكمات والرواسب، التي عرفتها العلاقة التي تجمع المواطن المغربي العادي مع النخبة السياسية، على مدار سنوات عديدة، ولكن تأزمت هذه العلاقة وهذه الثقة أكثر، منذ الربيع الديموقراطي إلى هذه الفترة”.

وأردف المتحدث، أن “نسبة الوعي السياسي جعلت الأكثرية مشاركين في العملية السياسية، ولكن غير مشاركين في العملية الانتخابية، وهذا طبيعي، لأنهم مطلعين ولديهم معرفة وإلمام بالواقع السياسي والحزبي، لكن دون المشاركة فيه عن طريق صناديق الاقتراع”.

وفي نفس الموضوع، أكد أنور قورية، على أن “انعدام الثقة، يرجع بالدرجة الأولى لمجموعة من الشيم وهي عكس القيم، أي انتصار شيم المحسوبية، وانتصار شيم القفز على الحواجز داخل الهياكل الحزبية والسياسية، وهذا نتيجة سياسة “باك صاحبي”، و”صاحب الأمين العام هو لي يكون في الشبيبة ونسيبو هو لي يكون في القطاع الخدماتي وبنت عمتو في القطاع النسائي”، أي أن المواطنين انعدمت لديهم الثقة في العلاقة مع السياسي”.

وأبرز المتحدث نفسه، أن “السياسي هو عملة ذات وجهين، الوجه الإيجابي حين تقترب الانتخابات، والوجه السلبي بعد الانتخابات وحصوله على المنصب والصفة التي تمكنه من الحصانة أو القرب من جهة معينة، وبالتالي المسألة واضحة، وهو أن المواطن يعرف أن الهيئات الحزبية والهيئات السياسية في المغرب، قائمة على المصلحة الخاصة، وليس على الصالح العام، إلا قلة قليلة لكي لا نعمم”.

من جهته، قال المدون المغربي، يونس الدليمي، في تصريحه لـ”بلادنا24” أن “فقدان ثقة المغاربة في السياسين يرجع إلى بعض النقاط الأساسية، وهي أولا، عدم تحقيق الوعود الانتخابية، حيث أن المرشح بمجرد نجاحه في الانتخابات، يقوم بتغيير محل سكناه ورقم هاتفه ولا شيء يتغير سوى بيته وأمواله، ثاني، في الخطاب السياسي، نجد أنفسنا بين خطابين، خطاب سياسي غير مفهوم لدى عامة الشعب ذو مصطلحات (هرب لي التعبير اللي غادي يجي معاه)، وخطاب شعبوي كخطاب المقاهي والأحياء الشعبية، خطاب غير مسؤول”.

وأبرز المتحدث، أن “انعدام الثقة يتجلى بشكل واضح في كل استحقاق انتخابي، بحيث لا تتعدى نسبة المشاركة 37 في المئة، وما يعمق الهوة بين المواطن العادي والسياسي، هو غياب آليات التواصل، الناتج عن ضعف التكوين السياسي والأكاديمي، حيث أن أغلب النخب السياسية لا تتوفر على شهادة جامعية، تمكنها من فهم متطلبات المواطنين”.

أما أستاذ علم السياسة بجامعة محمد الخامس، عبد الحميد بنخطاب، فقد كشف لـ”لبلادنا24“، أن “انعدام الثقة بين المواطن والسياسي هو ظاهرة عالمية ولا تخص فقط المغرب، بل تشمل جميع الأنظمة السياسية في العالم، و من بين الدروس الأساسية التي نقدمها في علم السياسة، هي الإجابة عن سؤال، “لماذا لا يثق المواطنون في السياسيين؟”، ببساطة لأن هناك انعدام الفهم لدى المواطن، لعدم قدرة الكثير من السياسيين بحكم جهلهم بالبيداغوجية السياسية، وعجزهم عن إبلاغ ما يقومون به للمواطن، بمعنى هناك نقص كبير في البيداغوجية التي تمكن السياسي من التواصل مع المواطن”.

وتابع بنخطاب، أنه “إضافة لكل ما سبق، فإن العمل السياسي معقد، وتعترضه العديد من العقبات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية، وهو في نفس الوقت مكبل بوعوده التي قدمها خلال الانتخابات، وأيضا بالظرفية الاقتصادية والاجتماعية، التي لا تمكنه دائما من تحقيق أهدافه، فيقع هنا سوء فهم بينه وبين المواطن”.
وقال المتحدث نفسه، “كيف يمكن بناء الثقة بين المؤسسات السياسية والمواطنين؟ أعتقد أنه يجب التركيز بالأساس على العمل البيداغوجي وعلى التواصل، إذن الخلل لا يجب أن نرجعه بالأساس إلى السياسيين، لماذا، لأن رجل السياسة مكبل بوعود جد متفائلة، في المقابل يعترضه واقع سياسي واقتصادي لا يسمح له بتحقيق هذه الأهداف التي وعد بها الكتلة الناخبة، الإشكال هو كيف يمكن للسياسي إقناع المواطن بأن هناك إكراهات، تجعله غير قادر على تنفيذ وعوده؟”.

وأشار المتحدث، إلى أن “السياسيين يراهم الكثير من الناس العاديين أنهم كذابون ولا ثقة فيهم ويبحثون فقط عن مصلحتهم الشخصية، لكن من ناحية المنطق، ليس هناك من مصلحة لرجل السياسة في أن يكذب وأن لا يحقق وعوده الانتخابية، لأن جميع السياسيين يبحثون عن تحقيق أهدافهم ووعودهم، لكن الإكراهات الدولية والاقتصادية والاجتماعية تحول دون تحقيق هذا”.

وفي الأخير، قال عبد الحميد بنخطاب، أن “غياب التواصل من بين مسببات انعدام الثقة بين المواطنين ورجال السياسة، وعدم قدرة الفاعلين السياسيين على التواصل المستمر مع المواطن العادي، لكي يستوعب مجريات الأحداث ويتقبل العمل الذي تقوم به المؤسسات السياسية، ونلاحظ أن الكثيرين لا يمتلكون الخبرة الكافية لآليات التواصل، لكي يوصلوا خطاباتهم ورسائلهم إلى المواطن العادي بشكل مبسط، يسمح لهذا الأخير بأن يعتبر نفسه مشاركا في ما يقوم به رجل السياسة والمؤسسات، إذن هناك هوة كبيرة بين الفعل السياسي، وبين المعتقدات التي يؤمن بها المواطن”.

خديجة حركاتصحفية متدربة 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *