بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية دوافع خطيرة لأزمة يمكن أن تكون عابرة (حوار)

بعد صداقة متينة تأسست بعدما مرت من مراحل وتحولات تاريخية مهمة، وذلك بعد وقبل الاستعمار، تمر العلاقات المغربية الفرنسية منذ مدة ليست بالقصيرة بأزمة لم تعد صامتة، بفعل ما رشح عنها من معلومات وما أفادته مؤشرات متنوعة تعبر عن عملية شد وجذب حاصلة بين البلدين، إذ دعا يوم الجمعة 5 ماي من السنة الجارية، رئيس حزب الجمهوريين الفرنسي، إيريك سيوتي، بالرباط، إلى استعادة قوة روابط هذه الصداقة القائمة على تاريخ مشترك بين المغرب وفرنسا.

لكن المرجح أن صحة وسلامة هذه الصداقة باتت تتدهور يوما بعد يوم، في ظل أزمات متتالية، لعل أبرزها رفض أغلبية طلبات التأشيرات المقدمة إلى القنصليات الفرنسية من طرف المغاربة الراغبين في السفر، وأغلبهم كانت فرنسا وجهتهم المعتادة، مما شكل صدمة للوبي الفرانكفوني نفسه في المغرب، لكنها تظل مجرد نقاط برزت إلى السطح، تحيل إلى أزمة أعمق لها أسبابها وخلفياتها المتراكمة.

ولرصد حيثيات هذه الأزمة التي فاجأت الشعبين الفرنسي والمغربي، وهما اللذان تربط بينهما صلة وصل قوية وتاريخ مشترك، إذ لازال البلدان يعيشان في ظل هذه الروابط المشتركة، قررت “بلادنا24”، تسليط الضوء على الموضوع في حوار أجرته، مع عبد الحفيظ ولعلو، نائب رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية، والذي قربنا أكثر من مستقبل هذه الأزمة ووضعها الحالي.

س. أستاذ ولعلو، كيف يمكن اليوم وصف العلاقات المغربية الفرنسية وأسبابها؟

ج. أولا شكرا جزيلا لتسليطكم الضوء على هذه الأزمة التي تمس الجميع، فقد باتت حالة العلاقات المغربية الفرنسية متدهورة للغاية، وذلك مع الأسف الشديد منذ سنوات ولأسباب عدة وبصفة خاصة مع الرئيس الفرنسي الحالي إيمانيول ماكرون، الذي يجهل تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية التاريخية والاستراتجية، وبسبب مواقفه السياسية في كل ما يتعلق بموضوع الهجرة ومحاولة الضغط على المغرب باستعمال ورقة التأشيرة، مما أنتج عند المغاربة الراغبين في زيارة فرنسا حالة سخط ورفض هذا التصرف المعادي للشعب المغربي، وخاصة المثقفين والأطر وحتى الجامعيين والفنانين والمقاولين، ومع ذلك لم تصدر وزارة الخارجية المغربية أي تعليق على ذلك القرار التعسفي وغير المفهوم، نظرا لعلاقة الصداقة مع فرنسا منذ عقود.

س. لقد اتضح أن أزمة المغرب وفرنسا ليست جديدة، وإنما كانت صامتة فقط، خاصة في ظل عدم وضوح رأيها في قضية الصحراء المغربية، على ماذا يحيل هذا الغموض؟

ج. هي أزمات متتالية، نعم اتضحت أنها ليس جديدة، لكن مؤخرا طفت على السطح خاصة أنها تزامنت وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر، إضافة إلى مواقفه السياسية التي تمس بالمغرب، في وقت يعيش المغرب في توتر كبير ويقطع العلاقات بينه وبين الجزائر، وعلاقة مع قضية الصحراء المغربية، لا زال المغرب يطالب فرنسا من توضيح مواقفها منها، كما فعلت دول أخرى كإسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكما جاء في الخطاب الملكي السنة الماضية بأن المغرب ينظر للعلاقات السياسية والاقتصادية بمنظور موقفها من مغربية الصحراء، لكن لحد الآن مازالت فرنسا تتردد، وفي بعض الأحيان تلوح بحق تقرير المصير خلافا لقرار مجلس الأمن، الذي لا يتحدث عن الاستفتاء منذ سنه 2008.

س. في ظل هذه التوترات القائمة، البرلمان الأوروبي يزيد الطين بلة، كيف يمكن وصف هذا العداء اليوم؟

ج. إضافة إلى كل ما سبق، إن ما قام به مجموعة من البرلمانيين الفرنسيين في البرلمان الأوروبي، من تصرفات ومواقف معادية غير مقبولة ضد المغرب، واتهامات غير صحيحة وغير موضوعية، وتصويت غير مسؤول لقرار يضر بالعلاقات المغربية الفرنسية، إضافة إلى ذلك، نلاحظ تحريك وسائل الإعلام الفرنسية ومنها الرسمية التلفزية، خاصة التي تروج لمواقف معادية للشعب المغربي وقضيتنا الوطنية 24 ساعة على 24 ساعة، والتركيز على مواقف الجزائر والانفصاليين، كل هذه المواقف والعداء تأتي في مقابل التزويد بالغاز الطبيعي والصفقات الأسلحة والسكوت على الماضي الاستعماري الفرنسي، وخلاصة الكلام أن المغرب ليس مستعجلا وسيعطي الوقت الكافي لفرنسا حتى رجوعها إلى طبيعة وأصل العلاقات المتوازنة والصادقة والاستراتيجية، وبدون إعطاء الدروس للغير في مجال حقوق الإنسان وبدون خطاب العجرفة.

س. ما مدى إمكانية عودة العلاقات المغربية الفرنسية إلى طبيعتها؟ 

ج. إن إمكانية عودة العلاقات ممكنة، فالمغرب اليوم ليس هو مغرب الستينات أو السبعينات، وهو الآن في موقع جيو استراتيجي جيد، حيت أصبح قوة إقليمية وإفريقية صاعدة، وله شركاء أوفياء في القارات الخمس، وهذا بطبيعة الحال ما يزعج الآخرين في المنطقة المتوسطية شمالا وجنوبا، إذ كل ما نتمناه أن ترجع العلاقات المغربية الفرنسية إلى انفراج وإلى التعاون لمصلحة الشعبين والبلدين، بمساهمة الأحزاب الفرنسية كالحزب الليبرالي، والذي طالب بطي صفحة الماضي وإصلاح الأخطاء وبفتح صفحة جديدة وكذلك لحزب المناضل ميلونشون اليساري، الذي تربطه علاقات متينة وهو من مواليد مدينة طنجة ويعرف جيدا تاريخ المغرب.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *