العربي باطما.. الأسطورة الغيوانية وصوت المستضعفين

من منا لا يعرف مجموعة “ناس الغيوان”، فرقة ذاع صيتها في السبعينات والثمانينات، وأضحت جزءا لا يتجزأ من التراث المغربي الأصيل، شكلت جيلا عاشقا للموسيقى وشغوفا بالكلمة الهادفة.

وأحد أهم مؤسسي هذه الفرقة الفريدة هو العربي باطما، فنان شعبي مغربي، تعددت اهتماماته بين الموسيقى، المسرح، السينما والكتابة.

بداياته الفنية الأولى

رأى العربي باطما النور سنة 1948، بقرية أولاد زيزي بمنطقة الشاوية المغربية القريبة لمدينة الدار البيضاء، وبسبب ظروف أسرته المادية المزرية وعدم انضباطه، لم يكمل العربي مشواره الدراسي.

كما عرف هذا الأخير بتمرده وعصاميته، حيث سبق ودخل السجن بسبب مشاركته في عدد من الإضرابات ومظاهرات التلاميذ، ليجرب العديد من الحرف بعدها حتى عثر على ضالته في مجال الفن.

علما أن والد العربي المدعو رحال كان يحب الغناء، الرقص والأعراس، في حين والدته حادة كانت مولوعة بفن العيطة، وله ثمانية أشقاء، أبرزهم رشيد، حميد، ومحمد باطما، الذين اتخذوا شقيقهم قدوتهم في المسار الفني، فمحمد باطما، كان هو الآخر فنانا وشاعرا، ترك بصمته في فن السبعينات والثمانينات، وأسس رفقة آخرين مجموعة لمشاهب، وهي فرقة غنائية تشبعت بناس الغيوان، لكن العربي باطما كان يعتبر شقيقه محمد أزجل منه حين كان يقول: “محمد أزجل مني”.

بعدما هاجرت عائلته إلى الدار البيضاء بسبب الأوضاع الصعبة، قرر العربي الإنخراط في جمعية المنار الذهبية، بالحي المحمدي، سنة 1964، ليلتحق بعد ذلك بجمعية “رواد الخشبة“ المسرحية، مرورا إلى المسرح البلدي تحت إشراف الطيب الصديقي في السبعينات، ففي هذه الفترة تعرف الراحل على مجموعة من الأسماء التي ستؤسس فرقة ناس الغيوان، نذكر منهم بوجميع، عمر السيد، علال يعلى وعبد العزيز الطاهري.

لم يكتف العربي باطما بالمسرح بل انتقل إلى التأليف والتمثيل السينمائي، حيث كان بارعا في كتابة السيناريوهات، إلى جانب الزجل، وخلف عدة نصوص مسرحية منها “الهبال في الكشينة”، “هاجوج وماجوج”، مسرحية “ثانوية العصافير”، إضافة إلى مختلف الأفلام مثل “جنب البير”، ثم روايتين إحداهما عنوانها “خناثة” والأخرى “رحلة إلى الشرق”.

أما بخصوص الزجل، فقد أنتج أطول نص زجلي في المغرب بعنوان “حسام همام”، حيث يتكون من ثلاثة أجزاء، غير أن الراحل داهمه الموت ولم يتمم الجزء الثالث من الكتاب.

فرقة “ناس الغيوان”

سطع نجم العربي باطما في فرقة ناس الغيوان، التي تأسست بداية السبعينات. فرقة تمثل صوت الطبقة المهمشة في المغرب، وسط أوضاع سياسية مضطربة آنذاك، وشكلت هذه الأخيرة علامة فارقة في عالم الموسيقى، كما أصبحت ظاهرة فنية لا تنسى وبمثابة ثورة غنائية في وجه الفقر، الظلم، الفساد والمعاناة، كما تناولت مختلف القضايا الإنسانية، أبرزها القضية الفلسطينية.

فالعربي باطما تميز ببحة مميزة، إذ كتب للفرقة ولحن لها مستعملا لغة عربية فصحى ممزوجة بالداريجة بطريقة أنيقة ومبتكرة.

وأثارت الفرقة إعجاب المخرجين العالميين، أبرزهم المخرج العالمي مارتن سكورسيزي الذي أنتج فيلم “الحال”، وهو عبارة عن عمل يوثق المسار الفني لمجموعة الغيوان، الحاصل على الجائزة الأولى لـ “ESEC” عام 1982، وتم اختياره في المسابقة الرسمية لمهرجان لندن، ومهرجان نيويورك، كما اختير الفيلم ليعرض ضمن فقرة “كان كلاسيك” في مهرجان كان العالمي عام 2007، الشيء الذي ساهم في انتشار المجموعة وذاع صيتها في العالم.

أيامه الأخيرة

عانى العربي باطما في آخر أيام حياته من مرض السرطان، ليقرر تأليف كتاب حول سيرته الذاتية الغنية بالتجارب، المعارف، الأحداث والعبر.

ويتكون الكتاب من جزءين، الأول بعنوان “الرحيل”، دون فيه العربي باطما معاناته مع المرض قائلا: “أكتب هذا وأنا في سباق مع الموت، لقد أخبرني الأطباء أن المرض قد امتلك الجانب الأيمن من رئتي بعدما تجاوز الجانب الأيسر”.

في حين عنون الجزء الثاني بـ”الألم”، الذي يجسد معاناة الفقراء مع القطاع الصحي بالمغرب في غياب القيم، المبادئ والإنسانية.

ونشر الجزء الأول في آخر حياته، فيما تم إصدار الجزء الثاني بعد وفاته بالدار البيضاء، وحقق كتابه نجاحا كبيرا وعدد مبيعات قياسي.

وبعد مسيرة فنية طويلة وعريقة، لفظ الفنان العربي باطما أنفاسه يوم 7 فبراير 1997، مخلفا وراءه إرثا حقيقيا وأغاني خالدة تصلح لمختلف الأزمنة، فاسمه كان وسيظل راسخا في الأذهان وفي ذاكرة كل مغربي.

وآخر ما كتب الراحل قبل وفاته: “لو كنت أعلم الغيب، لبقيت حارسا للدراجات، أو اشتغلت في السكك الحديدية مكان أبي، إنني أقول لنفسي الآن، أما كان الأجدر بي أن أبقى في باديتي الحبيبة لأموت هناك؟ بعيدا عن الأضواء والشهرة ومحاصرة أعين الناس من كل جانب؟”.

 

بلادنا24سلمى جدود 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *