“لاغتيست”..موهبة فنية خلقت من رحم المعاناة لتحلق في سماء الفن والإبداع

هو نموذج للشباب الطموح والمثابر، خلقت موهبته من رحم المعاناة وبات اليوم من أشهر فناني العالم، رحلته الفنية مليئة بالنجاحات والصعوبات في الوقت ذاته، ابن المغرب المنسي يوسف أقديم، الملقب فنيا ب“لاغتيست” الذي حلق عاليا في سماء الفن والإبداع وتمكن من بصم اسمه في الساحة الموسيقية الفرنسية التي تزخر بالعديد من المواهب المميزة.

نبذة عن طفولته بالمغرب: 

رأى يوسف أقديم النور بمنطقة إمنتانوت، نواحي مدينة مراكش، يوم 4 يوليو 1985، وسط عائلة بسيطة، فوالدته كانت ربة بيت، تدعى فاطمة وأب اختار الهجرة إلى فرنسا، منذ السبعينات، لتوفير لقمة العيش لأبنائه.

وبهذا يمكن القول أن “لاغتيست”، عاش طفولة قاسية وهو يفتقد حنان الأب، الذي يتمكن من رؤيته مرتين إلى ثلاث مرات في السنة، نظرا لأن هذا الأخير لا يزور عائلته كثيرا، غير أن أمه احتلت هذه المكانة، كغيرها من الأمهات المغربيات المكافحات والصبورات.

وكان يوسف أقديم يجيد اللغة الأمازيغية فقط، لكونها اللغة الوحيدة المستعملة في منطقته التي يقطنها الأمازيغ.

وفي سن خمس سنوات، اكتشف يوسف أقديم حبه لكرة القدم، إذ كان يلعبها مع أبناء الجيران في “إمنتانوت”، ليعده والده بتسجيله في أحد الأندية لكرة القدم في فرنسا.

وتزامنا مع هوايته، كان يوسف يستمع كثيرا للموسيقى الأمازيغية مع والدته وجدته، كما يحفظ عدة مقطوعات لأحد المغنيين المشهورين في المنطقة.

وبعد دخوله للمدرسة الابتدائية في سن ست سنوات، من أجل تعلم اللغة العربية، قرر والده أن يرحل من المغرب ويستقر في فرنسا مع أسرته بصفة نهائية.

حياته في فرنسا: 

بعد وصوله إلى فرنسا وهو يبلغ سبع سنوات فقط، اكتشف “لاغتيست” حياة أخرى مغايرة تماما عن الحياة التي تعود عليها بالبادية في المغرب، حيث اكتشف ثقافة أخرى وبلدا متحضرا، إذ يرى البنايات الشاهقة والسيارات الحديثة في كل مكان.

ومن أبرز الصعوبات التي واجهها في سنواته الأولى بعاصمة الأنوار باريس، أنه لا يجيد اللغة الفرنسية ويجد مشاكل في التواصل، حيث لم يستطع الاندماج في المدرسة الابتدائية، بحكم اللغة الصعبة بالنسبة له.

وفي المقابل، قرر يوسف تحقيق حلم طفولته وأن يصبح لاعب كرة قدم مشهور، حيث انضم إلى نادي كرة القدم الخاص بالحي الذي يقطنه.

وفي الوقت ذاته، كان أقديم مهووسا بالموسيقى وترافقه أينما حل وارتحل، إذ تمده بالطاقة الإيجابية والأمل، فبدأ يكتب كل ما يشعر به أو واجهه سابقا سواء أثناء تواجده في المغرب أو بفرنسا.

وفي إحدى السنوات، تم طرده من نادي كرة القدم بسبب شجار بينه وبين الحكم، ليقرر يوسف التركيز بعد ذلك  أكثر في الموسيقى وتحول حلمه من لاعب كرة القدم إلى فنان ناجح.

بداياته الفنية:

عند بلوغه 15 سنة، سينضم “لاغنيست” إلى فرقة موسيقية بعنوان “malédiction”، وتعد هذه الخطوة  نقطة البداية في مشواره الفني الحافل بالعطاء.

واستمر يوسف مع الفرقة لسنوات طويلة، حتى وصل إلى سنة الباكالوريا، فقرر الانقطاع عن الدراسة واكتشف أن اهتماماته تغيرت تماما وأصبح هدفه الوحيد هو الموسيقى.

في بداياته، اعترض والده قرار دخوله ميدان الموسيقى وطرده من البيت، ليعيش “لاغتيسب” بضعة أيام في الشارع.

ومع مرور السنوات، سيضطر يوسف للعمل في مختلف الوظائف، من قبيل غسل الصحون في المقاهي وغيرها، لكنه لم يتخلى عن كتابة الأغاني عند عودته في المساء إلى البيت.

وبعدها، فضل يوسف أن يكون له اسم فني، وهو”لاغتيست” لينافس به أشهر الفنانين في عالم الراب الفرنسي آنذاك، كما انفصل عن فرقته الموسيقية، ليخلق لنفسه مسارا موسيقيا مختلفا وأصدر أول عمل غنائي بعنوان “remettez”.

لتتوالى أعماله بعد ذلك وتمكن سنة 2010، من إصدار أول ألبوم له في موسيقى الراب بعنوان “rap”.

قصة زواجه:

اشتغل “لاغتيست” في مدرسة للموسيقى، بهدف توفير دخل محترم وقرر بعدها الزواج بحب حياته، التي تعرف عليها في أيام المدرسة الثانوية، تدعى نورية وتنحذر من أصول تونسية.

تشكل زوجته مكانة خاصة في حياته لأنها كانت من الداعمين الأوائل له في بداياته الفنية، حيث عاشت معه الصعوبات الأولى التي واجهها في الميدان من أجل تحقيق حلمه، ليثمر زواجهما عن طفلين.

وبدأ “لاغتيست” تسلق سلم النجاح بخطوات ثابتة، كما تعاون من خلال أغانيه مع عدة فنانين فرنسيين مشهورين، لتحقق أعماله نجاحا كبيرا، من بينهم الفنان العالمي “maître gims”، الذي وقع معه عقدا وأصبح المشرف عن أعماله.

وبعدما راكم “لاغتيست” تجربة كبيرة في الميدان، قرر إنشاء شركة تسجيلات تحت اسم “peuple money” التي تضم المواهب الفنية الصاعدة وتنتج أعمالهم الخاصة.

وفي هذه الفترة، أصدر “لاغتيست” ألبومه الرابع الذي تضمن أغاني ناجحة تم تداولها بشكل كبير في الإذاعات المغربية والعالمية، من بينها “لي فات مات” و “chocolat”، محققة ملايين  المشاهدات.

وأحيى “لاغتيست”  سهرات وحفلات سواء داخل فرنسا أو في المغرب، التي كان دائما يعتز بها، أبرزها حفله الأول في مهرجان “موازين” الذي يشكل ذكرى خاصة بالنسبة له، إلى جانب حفله بمنطقة إمنتانوت، مسقط رأسه.

قصة السحر والشعودة

ساهم “لاغتيست” في نجاح مختلف المغنيين الصاعدين، من بينهم الفنانة الفرنسية ذات أصول مغربية مروى لود، التي ستقلب حياة هذا الأخير رأسا على عقب وستكون السبب في غيابه عن الساحة وتغيير مساره الفني بالكامل.

أعجب “لاغتيست” بموهبة مروى لود وقرر ضمها إلى شركة التسجيلات الخاصة به، لتتكون بينهما علاقة عمل وصداقة، لأنه كان يشرف على أعمالها، وتبين بعد ذلك أنها مغرمة به والتجأت إلى السحر والشعودة لتفرقه عن زوجته وعائلته.

وقرر “لاغتيست” أن يتقدم بشكاية لدى الأمن ضد المغنية الفرنسية مروى لود، بعدما اكتشف صدفة أنها تحاول إلحاق الضرر به من خلال السحر والشعوذة.

وفي السياق ذاته، أثار مقطع فيديو ليوتيوبر فرنسي من أصول عربية يدعى نبيل المودني، الجدل خلال الفترة الماضية، حيث أعاد الواقعة إلى الواجهة، وكشف عن تفاصيل صادمة حولها.

وخلال الفيديو، خرج اليوتيوبرز الفرنسي بوثائق وتصريحات تفيد أن مروى لود التقت بأحد المشعوذين في المغرب، تحديدا بمدينة مراكش، لإعطائه صورا للفنان وزوجته.

والمفاجأة الأكبر، أن الطفلة “نعيمة”، ابنة مدينة زاگورة، التي هزت قضيتها الرأي العام في السنوات الأخيرة، كانت ضحية نفس المشعوذ، كما أن الفنانة مروى لود ساهمت في مقتلها، من أجل الوصول إلى غرضها، حسب المتحدث ذاته.

وبعدما خلق الفيديو ضجة كبيرة، فاجأ “لاغتيست” جمهوره باتخاذه قرار الاعتزال، مشيرا إلى أنه عانى لمدة ست سنوات بسبب هذه القصة وفقد والده، الذي كان يحتاجه في هذه الأوقات العصيبة، كما أوضح أنه لا يسعى إلى تجسيد صورة سيئة عن بلده المغرب من خلال القصة.

لكن قبل اعتزاله، شوق “لاغتيست” جمهوره لألبومه الأخير الذي سينهي به مسيرته الفنية الطويلة، حسب تعبيره، حيث اختار إصدار عمل جديد كل أسبوع.

العودة القوية إلى الساحة الفنية

يبدو أن “لاغتيست” اختار فكرة الإعلان عن اعتزاله، كترويج لأعماله المقبلة ولإحياء نشاطه الفني بعد قضيته مع مروى لود، حيث أصدر خلال الأيام الماضية، أغنية جديدة بعنوان “الزرزور” التي خلقت جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي بسبب مصطلح “البرتوش” المدرج فيها، الذي رآه البعض “مخلا بالحياء”، لأن المقصود منه هو المكان المخصص لممارسة الزنا وشرب الخمر، وقال الكثيرون إن الأغنية “تدعو إلى الفساد وممارسة الجنس خارج إطار الزواج” وطالبوا بتوقيفها.

وفي الوقت ذاته، بلغت أكثر من 13 مليون مشاهدة على منصة “يوتيوب”، بعد مرور أقل من أسبوعين على طرحها، إذ اعتبر آخرون أن الأغنية تجسد “الواقع” فقط، وأن الأغلبية التي تنتقدها “منافقة” و”تستمع لأغاني أجنبية تتضمن كلمات أكثر جرأة، دون الاكتراث لمضمونها”، كما أنها لا تستحق كل هذا الجدل مقارنة بأعمال أخرى.

واختار “لاغتيست” تصوير الفيديو كليب الخاص بها بمنطقة إمنتانوت نواحي شيشاوة، مسقط رأسه، مجسدا بذلك اعتزازه بأصوله المغربية.

وبعد مرور  أيام فقط على إصدارها، طرح “لاغتيست”، يومه الخميس، أغنية جديدة أخرى بعنوان “barcelona”، صيفية وحماسية، تم تصوير مشاهدها بإسبانيا.

ويتبين أن الفنان يوسف أقديم سيستمر على هذا النهج، معلنا عودته المختلفة وبروح تنافسية عالية، ليكمل بذلك  مسيرته وإبداعه الذي تشبع بالألم، المعاناة، الطموح والمثابرة، في سبيل تحقيق الحلم والحب الأبدي، الموسيقى.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *