قمر خائف الله مزج بين عمله الأصلي كأستاذ وكنائب برلماني وداعية في نفس الوقت، واعتبر أحد أبرز العلماء المشهود لهم بالإحاطة الواسعة بمحتويات خزائن الكتب العربية الإسلامية القديمة والحديثة، ورجل السياسة الذي لا يقهر، ومع اعلان رحيلة فجر اليوم الثلاثاء، أسدل الستار على حياة شخصية مغربية، كانت وستظل أحد أبرز الشخصيات الإسلامية والسياسية عبر التاريخ. فمن يكون الأمين بوخبزة؟.
ابن مدينة الحمامة البيضاء، تطوان، وخطيب منابرها وشيخ المحدِّثين فيها والأغزر إنتاجا بين وعاظها، المحقق المدقق والداعية المتفقه، عرف بموقفه الثابت على المواقف والمبادئ، وحكيم القيادات التاريخية للحركة الإسلامية المغربية، إذ انتشر تأثيره بين العامة ونخبة الناس، بعدما تشرب بأدبيات الإخوان المسلمين من عمه الشيخ محمد الأمين بوخبزة.
نسب ونشأة الأمين بوخبزة
هو الأمين بوخبزة، نشأ وترعرع في أحضان أسرة متدينة وعالمة ومحافظة بمدينة تطوان، حيث كانت أسوار الحمامة البيضاء شاهدة على أولى صرخاته سنة 1956، وتنسب جذور عائلته إلى الجد الجامع للأشراف الأدراسة العمرانيين، ولج المسجد (المسيد) لتلقي مبادئ القراءة والكتابة والحساب والدين وحفظ قصار سور القرآن الكريم، سيرا على خطى، والده وأعمامه، حيث تتلمذ الطفل الأمين بوخبزة على يد ثلة من الفقهاء، قبل أن يشتد عوده ويلج عوالم الفقه والسياسية والتدريس.
مساره التعليمي والأكاديمي
بعد سنوات طويلة قضاها داخل المسجد والمدارس الإبتدائية والثانوية، التحق الأمين بوخبزة بالعاصمة الرباط لإكمال دراسته الجامعية، وانتمى لتنظيم الحركة الإسلامية الوحيد آنذاك، تنظيم الشبيبة الإسلامية، حيث كان في كامل نضجه الحركي الدعوي، وفي عميق وعيه ومعرفته بالإسلام عقيدة وثقافة وتصورا، لما نهل منه من كتب ومؤلفات بين يدي عمه العلامة محمد الأمين بوخبزة، مما أهله ليكون في الطليعة وفي النخبة القيادية للتنظيم بالرباط.
بعد تخرج، الداعية والسياسي الأمين بوخبزة، عمل أستاذا جامعيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، وخطيب جمعة بمدينة تطوان، غير أن هوسه بالسياسة وبطولاته القيادية رفقة العديد من الطلبة، ومعرفته المتبصرة بالمجال، دفعته إلى ولوج عالم السياسة والغوص في تفاصيلها، كانت محمودة أم مذمومة.
مسار سياسي وديني
ابتدأ مساره السياسي مع بداية الحركة الإسلامية في المغرب منذ 1966، إذ كان الداعية المناضل الأمين بوخبزة من القلائل الذين رافقوا مسيرتها وقطعوا أشواطها طيلة العقود الماضية، ضراءها وسراءها، صبيا يرتع في حقولها، ثم شابا يؤسس بنيانها، ثم قائدا يوجه طلائعها، ويربي أجيالها، فمهندسا لانبثاق بنائها السياسي في حزبها السياسي، العدالة والتنمية، قبل أن ينتهي به المسار بعد هذه العقود أن يلفظه هذا الحزب الذي صنع على عينه قطعة قطعة.
وبالإضافة إلى هذا، كان الأمين بوخبزة يتقن فن التواصل مع البسطاء، ويتقن الخطابات الدينية من خلال إحاطته بالكتب، مستعينا بلباسه الديني وبتجربته الطويلة كإمام بمسجد خندق الزربوح، حيث تعود قدرته على التواصل بالأساس لحركاته وموهبته في شد الانتباه قبل أن تتعلق بمضمون كلامه أو بنبرات صوته التي تتميز بالحدة.
طرد الأمين بوخبزة من عالم السياسة
وبعد مساره سياسي طويل، ابتدأ من داخل غرفته بالحي الجامعي التي كانت تجمع طلبة الحركة الإسلامية كخلية نحل، من كثافة الاستقبالات والاجتماعات التي لا تنقطع، قبل أن يلج المجال السياسي من أوسع أبوابه، أصدرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية يوم السبت 24 شتنبر 2016، قرارا تأديبيا في حق محمد الأمين بوخبزة، الذي كان يشتغل آنذاك منصب عضو المجلس الوطني ونائب الكاتب الإقليمي للحزب بإقليم تطوان، يقضي بطرده نهائيا بعد إقدامه على “تجاهل” منهجية الحزب، لتعلن بذلك انتهاء العلاقة التي كانت تربط الأمين بوخبزة مع الحزب، إلى جانب أعضاء آخرين بصفة نهائية.
ورغم خروجه من هذا المجال، لقب الأمين بوخبزة، برجل السياسة الذي لا يهزم، وصاحب المبادئ والمواقف التابثة، فأكمل مساره الديني كإمام داخل المساجد، وأستاذ يلقي محاضراته بين طلاب الجامعات الذين اتخدو منه قدوة لولوج عالم السياسة وغيرها من المجالات، قبل أن تنطفأ شمعته اليوم الثلاثاء وبذهب إلى بارئه تاركا وراءه حكاية رجل عرف في زمانه بحكيم القيادات الإسلامية المغربية، وصاحب مبدأ.
