محلل سياسي: تعزيز العلاقات المغربية الإسبانية يعمق انتكاسة الأداء الدبلوماسي الجزائري (حوار)

تعتبر زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، للمغرب، تأكيدا جديدا على التطور الإيجابي والمتسارع، في طبيعة العلاقة بين المغرب وإسبانيا.

زيارة سانشيز، وبحسب مراقبين، تهدف إلى تجنب التصدعات مستقبلا، وتمتين الروابط، مع تبادل الزيارات لكبار المسؤولين الإسبان. وهي كذلك ضربة موجعة لجنرالات الجزائر، الذين كانوا يراهنون سابقا على توتر العلاقة بين الرباط ومدريد، قبل أن يعصف رأب الصدع بين المملكتين، بأحلام كرى ساكني قصر المرادية.

في هذا الحوار، يجيبنا المحلل السياسي، ومدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، عن كثير من الأسئلة الحارقة، التي تهم هذا الملف.

بداية، ما تعليقكم حول الزخم المتنامي في العلاقة بين المغرب وإسبانيا في الفترة الأخيرة؟

أعتقد أنه من جهة، ستزداد القناعة لدى الرأي العام المغربي والإسباني، بحتمية التعاون الندي، وعلى أساس الاحترام المتبادل، وهو ما يزيد من تعزيز المقاربة الواقعية والبرغماتية في علاقات التعاون الإقليمي والدولي على أساس المصلحة الفضلى. كما أن تكثيف اللقاءات الرسمية على أعلى مستوى، ستزيد من سرعة تنفيذ خارطة الطريق بين المغرب وإسبانيا، بما يكرسها كخيار مستدام ولا محيد عنه.

إن تفعيل مشاريع خارطة الطريق في ظل الزخم القائم حاليا، يكرس الصورة الإيجابية لكل ما هو مغربي في الذهن الإسباني، ولا سيما الأحزاب اليمينية المتطرفة، ويعمق بحتمية اعتبار الازدهار الإسباني والمغربي رهين بجودة العلاقات البينية.

وعليه، يتوقع أن ينعكس ذلك على مستوى الشراكة المغربية الأوروبية، ويؤسس لممارسة سياسية نموذجية، قائمة بالأساس على مبدأ احترام حسن الجوار.

بخصوص قضية الصحراء المغربية، الموقف الإسباني في هذا الملف موقف ثابت، وهذه النقطة في الماضي كانت سببا في تأخير تطور العلاقات بين الرباط ومدريد. اليوم بعد تجاوز هذه العقبة، هل يمكن أن يتطور هذا الموقف أكثر؟ وهل الأوساط السياسية، ومعها النخبة الإسبانية، جاهزة للتطور؟

إن الموقف الجديد لاسبانيا بخصوص دعمها وتأييدها القوي لمبادرة الحكم الذاتي، ينبني على قناعة بضرورة إنهاء النزاع المفتعل، لما له من مخاطر أمنية واقتصادية وسياسية على إسبانيا، وعلى القارة الأوروبية. وحيث إن المؤكد هو شرعية سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، لاعتبارات موضوعية وجغرافية وتاريخية وقانونية، فإن إسبانيا فطنت إلى ضرورة تجاوز الاحتراب السياسي، لصالح علاقات الشراكة الثنائية التي تدعم قيم الأمن والسلم في المنطقة.

وحيث إن تعديل القناعة الإسبانية بموقف جديد من قضية الصحراء، وهو موقف الدولة الإسبانية، فإن البلدين بذلك قد قطعا أشواطا مهمة، سترفع بكل تأكيد من التنسيق بين البلدين، لدعم علاقاتهما الاقتصادية والسياسية إلى مستوى رائد.

وحيث إن إسبانيا، اليوم، تعلن ارتياحها لعائدات التوقيع على خارطة طريق مع المغرب، فإن في ذلك تقوية دفوعات حكومة بيدرو سانشيز، لمواجهة خطابات الأحزاب اليمينية المتطرفة، والتي كانت تستهدف الوقيعة بين البلدين في كثير من المناسبات، مما عرقل الدخول في حوار سياسي واضح، لتدبير الكثير من زمن القضايا الخلافية بين البلدين، على أساس البراغماتية والندية والاحترام المتبادل.

علاقة بهذا، ألا يعتبر كل هذا التطور الحاصل مع الجارة الشمالية، ضربة موجعة لحكام الجزائر، خصوصا بعد إرجاء زيارة وزير الخارجية الإسباني لهذه الأخيرة؟

إن ما يسجل من تعميق العلاقات المغربية الإسبانية، يكرس قوة ومصداقية المملكة في أدائها الدبلوماسي. ومن جهة أخرى، يعمق انتكاسة الأداء الدبلوماسي الجزائري، الذي لا يزال يراكم الخيبات والهزائم في معاركه الوهمية ضد المصالح الاستراتيجية للمملكة المغربية.

ولأن زيارة سانشيز إلى المملكة، كانت مناسبة لتجديد تأكيد موقف بلاده الإيجابي من قضية الصحراء المغربية، فإن في ذلك رسائل إلى الجزائر، التي كانت تمني النفس في تغيير ولو طفيف في الموقف الإسباني من قضية الصحراء، بعد سحب سفيرها وإعادته إلى مدريد من جانب واحد.

وحيث إن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، والوفد المرافق له، جاءت بعد التنصل من التزام استقبال وزير خارجية إسبانيا، خوسيه مانويل ألباريس، بعد 10 ساعات على تنفيذ الزيارة، يزيد من العلة الجزائرية بالنظر إلى ارتباك أجهزتها الدبلوماسية، بالقدر الذي يضعف مصداقية وموثوقية الجارة الشرقية.

كما تعرفون، هناك خارطة طريق جديدة بين المغرب وإسبانيا، تم اعتمادها في أبريل سنة 2020. كيف تقرؤون حصيلة ما تحقق إلى الآن، وهل تسير وفق ما تم الاتفاق عليه؟

لقد تبوأت إسبانيا المرتبة الأولى باعتبارها الشريك التجاري الأول مع المملكة المغربية، مباشرة بعد سريان مفعول خارطة الطريق بين البلدين. وهو ما عزز من ارتفاع حجم المبادلات التجارية، وزيادة الاستثمارات المباشرة بينهما.

كما سجل ارتفاع في عدد الشركات الإسبانية النشيطة بالمغرب. وطبعا مع توقع المزيد من الاستثمارات الإسبانية التي توقعها بيدرو سانشيز فيما يزيد عن 45 مليار أورو.

على المستوى الأمني، تم تحقيق نتائج مبهرة على مستوى التعاون القضائي والأمني بين البلدين، مما مكن من التصدي للخلايا الإرهابية، أو “الذئاب المنفردة” في كثير من العمليات الإرهابية المفترض تنفيذها.

وانعكست جودة العلاقات المغربية الإسبانية على تنسيق دوريات المراقبة لمكافحة الهجرة غير النظامية، ومراقبة منافذ نشاط الجرائم المنظمة والعابرة للحدود.

المغرب منخرط بقوة في عدة مبادرات، منها المبادرة الأفرو أطلسية، وأنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، وميناء الداخلة الأطلسي. مالذي يعنيه كل هذا بالنسبة لإسبانيا، خصوصا أنبوب الغاز المذكور؟

إن التخطيط الاستراتيجي للمملكة، يستهدف جعل المغرب قطبا للربط بالقارة. وقد بدا ذلك واضحا في رهانات المبادرة الملكية لتنمية الواجهة الأطلسية، من تطوير الأسطول التجاري البحري، وتعزيز قدرات الموانئ، وكذا التسريع من أشغال بناء ميناء الداخلة الأطلسي، ومن خطة تمكين دول الساحل والصحراء من منفذ بحري على المحيط الأطلسي.

كل هذه الرهانات، تنتظم آلية لتنشيط لحركة التجارية الدولية بين القارة الأوروبية والإفريقية، عصبها الأساسي، النقل اللوجستي الذي يوفره المغرب، من خلال موانئه العملاقة على المستوى الإفريقي والقاري، ومن خلال محاولته إقامة نفق بحري يربط العاصمة الإسبانية مدريد والدار البيضاء.

ختاما، المغرب وإسبانيا والبرتغال سيستضيفون نهائيات كأس العالم عام 2030، وحدث رياضي كبير مثل هذا يحمل دلالات سياسية، تفسر أكثر طبيعة العلاقة بين الرباط ومدريد. كيف يبدو لكم آفاق التعاون الثنائي بين البلدين من خلال استحضار هذا الحدث البارز؟

سيصبح التنظيم المشترك لمونديال 2030، تحالفا اقتصاديا وسياسيا نموذجيا بين القارة الإفريقية والأوروبية، وسيمكن من تدبير حوار حضاري بين الحضارات.

إن العوائد المستقبلية من الدبلوماسية الكروية، أنها ستفتح أبوابا لانتعاشة الحوار المعطل، أو الذي كان ملغوما. ستمكن من إعطاء صورة متوازنة من التفاعل الفعال بين القيم الثقافية الإفريقية والأوروبية، وسيحسن من الحوار البناء بين مختلف الشعوب.

وستكون هذه الدول الثلاثة حاملة المشعل لهذا النهج النموذجي الجديد. وسيتم تكريس ذلك، من خلال تشييد النفق البحري بين مدريد والدار البيضاء، تجسيدا ملموسا لهذا التقارب المتميز.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *