ليلة “شعبانة”.. من موروث ثقافي وديني أصيل إلى خمر وجذبة وشعوذة

الحديث عن العادات والتقاليد لدى المغاربة، هو حديث عن الاحتفال بليلة “شعبانة”، التي تعد من الموروثات الثقافية الشعبية المغربية، والاحتفال بها يعد من أشهر الطقوس التي تسبق شهر رمضان الفضيل، لهذا دأبت الأسر المغربية على الاحتفال بهذه المناسبة.

فمتى ظهر تقليد الاحتفال بشعبانة في المجتمع المغربي؟ وهل يمكن القول إنه احتفال نسائي بالدرجة الأولى؟ وماهي الأمور التي تباح للنساء في هذه الليلة؟ وما هي خصوصية شعبانة؟ وماذا يمثل هذا الموروث الثقافي للمغاربة؟ وهل ما زالت تعيش معنا اليوم أم أنها تم التفريط فيها؟ هي أسئلة نقلتها “بلادنا24” إلى أخصائيين وسيدات عايشن الطقس.

اهتمام بالبيت واحتفال

في هذا الصدد، قالت حفيظة إن “شهر شعبان لطالما ارتبط عندها بالاهتمام بشؤون البيت، من تنظيف شامل للمنزل وتلميع لأواني، وتهييئ “شهيوات” من “شباكية” و”سفوف”، استعدادا لشهر رمضان المبارك.

وأوضحت السيدة الأربعينية في تصريح لـ”بلادنا24“، أنها في ليلة “شعبانة”، تحرص دائما على إقامة أمسية تجتمع الجارات والصديقات، للذكر والصلاة على الرسول الكريم، مشيرة إلى أن النسوة في هذه الليلة يحرصن على إرتداء القفطان المغربي”.

ولفتت ذات المتحدثة في تصريحها إلى أنها “تقدم في هذه الأمسية الاحتفالية، الشاي والحلويات، التي سبق وأعددتها خصيصا لهذه المناسبة، بالإضافة إلى إعداد طبق الكسكس المغربي بقديد عيد الأضحى السابق، مؤكدة على أنها أمسية للترفيه عن النفس ليس أكثر”.

في السياق ذاته، أشارت حفيظة في معرض حديثها إلى أن بعض المناطق يحتفلون بليلة شعبانة عن طريق نحر عنزة سوداء، ويشترط ألا تحمل أي علامة، إضافة إلى طبخ اللحم بإضافة السكر عوض الملح، نظرا للاعتقاد السائد في تلك المناطق بأن الجن لا يقبل الملح”.

ارتباط بالزوايا

من جهة أخرى، وحول تاريخ ظهور تقليد الاحتفال بشعابة في المجتمع المغربي ودلالاتها الثقافية والدينية، قالت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي إن “الاحتفال بشعبانة ارتبط بالزوايا، وهو احتفال تقليدي ظهر مع ظهور الزوايا، لكون هذه الأخيرة كانت ترعى كل ما يتعلق بالتجليات والمحطات الدينية”.

وأبرزت المرابطي في تصريح لجريدة “بلادنا24“، أن “الاحتفال بالنصف من شعبان، ظهر في القرن 15 الهجري، إبان حكم اليعقوب المنصور الموحدي، الذي بنى زاوية في مدينة مراكش، وعموما ملوك المغرب اعتنوا بإنشاء الزوايا، مثل دار الضيافة التي بناها المرينيون، وغيرها من الزوايا الأخرى”.

ولفتت ذات المتحدثة إلى أن “مختلف الزوايا الدينية بالمغرب كانت تولي اهتماما بشعبانة، حيث كانت تقيم مجالس للذكر والمديح والسماع الصوفي، في إطار وظيفة الزوايا التذكيرية للمجتمع بالقيم الدينية والروحية، ومنها قيمة شهر شعبان، وأهمية الإستعداد فيه لشهر الصيام، بأنواع العبادات والعلاقات المتمثلة بالأساس في تجديد صلة الرحم والتلاحم والتآزر وتوطيد العلاقات، وتجاوز الخصام وغيرها من أشكال العلاقات”.

وتشكل شعبانة في منظور الزوايا وفق المرابطي، “أحد طقوس العبور الرمزية من المندس إلى المقدس، بكون باقي شهور السنة في اللاوعي الجمعي للمجتمع المغربي، تتخلها ذنوب باعتبار أن الإنسان خطاء بطبعه، لكن تأتي محطة شعبانة للعبور والارتقاء من المدنس الذي يتخلل معظم شهور السنة إلى المقدس والاستعداد لاستقبال شهر الغفران بكل دلالاته الروحية”.

لا يقتصر على النساء

ونفت الأخصائية النفسية في معرض حديثها، كون شعبانة طقس نسائي فقط، موضحة أن “عبر التاريخ هناك من يقصد الزوايا، في تلك الأيام المباركة، من شهر شعبان للذكر وعبادة، وهناك بعض الرجال الذين يحتفلون بشعبانة خارج فضاءات الزوايا، كالفضاءات الخضراء وحدائق المدن والتي تسمى بـ”عرصات المدن”.

عرصات المدن تضيفة الأخصائية “يجد منها هؤلاء الرجال فضاء الاحتفالات، بحيث يهيئون مأكولات، تتنوع بتنوع الفصول التي يأتي فيها شهر شعبان، هذه الاحتفالات تتخللها أيضا جلسات للمديح، وأشكال أخرى من التسلية من “الطقطوقة الجبلية” و”الدقة المراكشية”، أو غيرها من أنواع الفنون التي تميز كل مدينة على حدة”.

أما بخصوص النساء، توضح المرابطي أن “التاريخ القديم لم يكن يسمح للنساء بالخروج العراصي، شأنهم شأن الرجال، لكن كن يحتفلن بطقس شعبانة على طريقتهن، إذ يرتبط طقس شعبانة لديهن بالتنظيف الشامل ما يسمى “العواشر”، أي “التخمال الكبير للمنزل مع تعطيره وتجيير الزقاق والتسياق”، بحيث كانت النظافة تشاهد من بداية الحي، وكذا تهييئ أصناف المأكولات التي ترتبط بشهر رمضان من “شباكية والسفوف أي الزميطة، وحتى مستلزمات الحريرة”.

هذا المجهود الكبير الذي يقوم به هاته النسوة بمنتصف شعبان، تضيف ذات المتحدثة “يتوج بحفل نسائي داخل المنازل، ترفيهي بالدرجة الأولى يتزين فيه ويلبسن أجمل ما لديهن، ويقدمن تلك المأكولات التي يهيئنها بداية شهر شعبان، على أنغام فرق موسيقية”.

تحول إلى” Gala”

في الصدد ذاته، أشارت الباحثة في علم النفس الاجتماعي، إلى أنه “في الوقت الراهن استمرت النساء، بالاحتفال بهذا الشهر بطقس شعبانة بطريقة أخرى، لأننا هنا لسنا أمام قطيعة لكن أمام امتداد وإبداع، فحاليا النساء خاصة في المدن الكبرى، بدأن يقيمن بما يسمى “gala 100% femmes”.

تضيف الخبيرة في علم النفس الاجتماعي، “هذه الأمسية تحضر فيها أجواق نسائية، وتحضر نساء لا يتعارفن بالضرورة، لأن الدعوة تكون مفتوحة للجميع، تتخللها أذكار ومقاطع موسيقية احتفالية، الهدف منها توضح المتحدثة “الترفيه وأخذ الطاقة، من أجل المحافظة على التوازن النفسي، ومن أجل التسلح بكل ما يعين على القيام بالأدوار المتعددة لدى النساء، سواء الأدوار المهنية أو الأسرية، مفعمة بالنشاط من أجل التدبير اليومي لهذه المسؤوليات والتغلب على صعوبات إيقاع الحياة”.

واعتبرت المرابطي في تصريحها أن “النساء في التاريخ القديم أو المعاصر يعيين جيدا أنهن يهيئن طقسا، سواء أكان داخل البيوت أو خارجهاـ كما هو الشأن حاليا في القاعات الخاصة، باعتبارها محطة للإشباع الغريزي من الناحية النفسية، ولأنهن على وعي تام بأن رمضان يلجم بعضا من هذه الممارسات، بمعنى أنها شكل من أشكال توديع الغرائز الإنسانية، لأن رمضان فترة للصوم عن هذه الغرائز على الأقل خلال النهار”.

توديع عالم الشعوذة

علاقة شعبانة بطقوس الشعوذة والسحر، أوضحت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي، “أن ممارسي هذه الأمور يعون جيدا بدورهم، أن رمضان تحرم فيه هذه الممارسات، وبالتالي يقيمون طقسا، الغرض منه هو توديع عالم الشعوذة من خلال “التحيار والجذبة والكناوي والبخور”.

هذه الليلة الاحتفالية تضيف الخبيرة في علم النفس الاجتماعي، “يقام فيها الخمر وكل أشكال الرقص والاختلاط، وهو إدراك في الحد ذاته من تصريحات العديدة التي اطلعت عليها، أن ما يتم القيام به يتعارض مع قيم رمضان، وهي قيم الدين، وبصيغة أخرى، الناس في هذه المحطة يجمعون بين المتناقضات بشكل واع جدا، الهدف منه هو توديع كل ما هو مدنس من أجل استقبال كل ما هو مقدس، لدرجة أن هناك من يقول إن شرب الخمر ينبغي أن يتوقف أربعون يوما، قبل رمضان وهي من الأعراف المتداولة حتى لدى شاربي الخمر”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *