ظاهرة “اللهطة”.. حين يتحول رمضان من شهر العبادات إلى شهر المأكولات

يقبل شهر رمضان الكريم، ككل سنة، وسط أجواء الفرحة، وترحيب من الأسر. هذه الفرحة يعكسها المغاربة، بالمبالغة في الاستعداد لتزيين الموائد بمختلف أنواع المأكولات، ليبصموا على مفارقة غريبة في هذا الشهر الفضيل، تتجلى في كون هذا الشهر، من المفترض أن يكون للعطاء والإيثار والإجتهاد في النوافل، لكنه يشهد ارتفاعا في اقتناء مختلف المواد الإستهلاكية، بعضها لا يتم استهلاكها في نهاية المطاف، والبعض الآخر منها، ينتهي في صناديق القمامة.

الانسياق الجماعي 

ولمعرفة تفسير الاستهلاك المفرط، أو “اللهطة” التي تصيب المغاربة خلال رمضان، رغم أن هذا السلوك مناف لمقاصد الإسلام، قال المختص في علم الاجتماع، أبو بكر حركات، إن “طريقة التقديم، والتفنن، في عرض الخضر والفواكه، وجل المواد، التي يتم استهلاكها بالأساس في شهر رمضان في الأسواق، من العوامل التي تدفع الفرد المغربي إلى الإفراط في الاستهلاك خلال هذا الشهر”.

ورجح أبو بكر حركات، في تصريح لـ”بلادنا24“، الإفراط في الاستهلاك والمبالغة فيه، إلى “طريقة التسويق للمواد الاستهلاكية التي ترتفع في شهر رمضان، التي بدورها تساهم في رفع منسوب الاستهلاك”. لافتا إلى أن “التباهي والتنافس بين الأسر في العزائم والولائم، خلال إعداد الأطباق، هي من الأمور التي تضاعف الاستهلاك أيضا”، وهو ما سماه حركات بـ “العين أكبر من المعدة”.

وأوضح المتحدث، أن “الصائم، عوض أن يكون كريما في عباداته، وتقربه إلى ربه، يصبح كريما في الأكل”. هذا الأمر، يضيف “أثبتته معطيات رسمية، كشفت تضاعف مصروفات المغاربة إلى ثلاث مرات في شهر رمضان، عكس باقي شهور السنة”.

وفي الصدد ذاته، لفت حركات، إلى أن “هذه الظاهرة لها أيضا بعدا نفسيا”، موضحا ذلك، ب “إحساس الصائم بالجوع خلال فترة النهار، يجعله يقبل بشكل كبير على الاستهلاك، وهذا الأمر يشتد أكثر مع مرور أيام رمضان”.

وختم أبو بكر حركات، تصريحه، بالتأكيد على أن هذه الظاهرة “تكرست أكثر، مع كثرة الإعلانات والدعاية التجارية للمواد الاستهلاكية، سواء عبر القنوات الوطنية، أو في الأسواق المغربية”. إضافة إلى “الانسياق الجماعي”، الذي يراه الباحث أنها تدفع الفرد إلى شراء مواد لم تكن له نية في شرائها.

استنزاف مخزون المواد الغذائية

من جانبه، قال رشيد ساري، المحلل الاقتصادي، إنه “رغم ارتفاع أسعار مجموعة من المواد الغذائية بشكل خاص، إلا أنه خلال هذا الشهر الفضيل، يتهافت المغاربة على شرائها”.

وأشار ساري، في تصريح لـ”بلادنا24“، إلى أن “أحدث الاحصائيات، تظهر ارتفاع استهلاك المواد الغذائية في رمضان، خاصة الحليب، والتمور، والمعجنات، وكذا اللحوم، وبعض المنتوجات الفلاحية، على رأسها الطماطم، بنسبة تصل إلى 40 و50 بالمائة”.

وأوضح المتحدث، أن “الاستهلاك المفرط له مجموعة من التباعيات، خاصة على المستوى الاقتصادي”. مشيرا إلى أن “الإفراط في الاستهلاك والمبالغة فيه، يتسبب في استنزاف المخزون مما نتوفر عليه، من مواد غذائية، خاصة تلك التي يتم استيرادها، وتحديدا التمور”.

وفي الصدد ذاته، لفت المحلل الاقتصادي في تصريحه، إلى أن “الشهر الفضيل، يعرف إفراطا في استهلاك اللحوم، ما يجعل المغرب يستورد بشكل كبير هذه المادة الحيوية، نظرا للنقص المسجل في تربية الماشية، وما له من أثر على نقص إنتاج اللحوم الحمراء”.

وعن تداعيات استهلاك اللحوم الحمراء، يضيف المتحدث، قوله “تتخطى المستوى الاقتصادي، لتصل إلى المستوى البيئي”. معللا كلامه، بأن “الاستهلاك المبالغ فيه للحوم الحمراء في رمضان، يؤدي إلى انبعاثات الغاز”.

وعلى هذا الأساس، يوضح رشيد ساري، أن “اقتناء مواد غذائية بكثرة، معظمها لا يتم استهلاكها في النهاية، لينتهي بها المطاف في المقامات”. هذا الفعل، يضيف أنه “يضاعف نسبة النفايات بشكل كبير، ما يؤثر على البيئة، نظرا لأنه في المغرب، لا يتم معالجة مجموعة من النفايات بالشكل الصحيح”.

وفي ذات السياق، أبرز المحلل الاقتصادي، إلى أن “الاستهلاك المفرط خلال شهر رمضان، مثلما يؤدي إلى تداعيات بيئية، يؤدي أيضا إلى ارتفاع معدلات التضخم”. واعتبر أن “الاستيراد المفرط، يؤدي إلى ارتفاع أسعار مجموعة من المواد التي نستوردها من الخارج”.

وختم بالقول، إنه “مثلما نستعرض التداعيات، لابد من استعراض الحلول، المتمثلة بالأساس في الحملات التحسيسية في الأسواق المغربية”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *