النيجر ومالي وبوركينا فاسو.. خطوات جريئة نحو الاستقلال الاقتصادي

تتجسد العلاقة بين فرنسا ومستعمراتها الإفريقية السابقة الناطقة بالفرنسية في خطوات جريئة تتخذها بعض هذه الدول لفك الإرث الاستعماري. بعد انتهاء التواجد العسكري الفرنسي في تلك البلدان، خطوة غير متوقعة تمثلت في إعلان باماكو بالتعاون مع نيامي إلغاء اتفاقية الضرائب المبرمة بينهما وبين فرنسا، التي استمرت لأكثر من 50 عامًا.

يهدف هذا القرار، وفقًا لبيان حكومتي مالي والنيجر، إلى وضع حد للوضع “غير المتوازن”، حيث يجعل الشركات الفرنسية ملزمة بدفع الضرائب في هذين البلدين، وذلك في سياق يرى فيه استعادة التوازن الاقتصادي.

تأتي هذه الخطوة في إطار أوسع، إذ اتخذت بوركينا فاسو نفس القرار في غشت 2023، بهدف “وقف الخسائر الكبيرة في الدخل”، وفقًا لوكالة الإعلام البوركينابية. وهذا يعكس إرادة هذه الدول في تغيير ديناميات العلاقات مع فرنسا وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.

الاقتصاد والمنافسة الدولية

يبرز أستاذ الاقتصاد بجامعة إنجامينا، يعقوب شعيب، أهمية هذا القرار في فتح مجال المنافسة الدولية. يشير إلى أن غياب الضرائب أو دفعها بشكل ضئيل كان يؤدي إلى فقدان هذه البلدان لعائدات ضريبية يمكن أن تساهم في تعزيز ميزانياتها والحد من العجز في ميزان المدفوعات، وزيادة الإنتاج القومي.

ويرى أن الشركات الفرنسية كانت تحظى بمزايا استثنائية تمنحها إمكانية تغطية واحتكار مشاريع كان يفترض أن تكون متاحة للشركات في دول منافسة. وبفعل هذا القرار، ستظهر شركات وطنية جديدة وستدخل شركات أجنبية جديدة السوق، مما سيجبرها على دفع الضرائب وستعود الدول بالفعل بالاستفادة من مواردها بشكل أفضل وعادل.

التأثير على المهاجرين

يناقش المحامي المالي والباحث المشارك في جامعة روان الفرنسية في السياسة والقانون العام، تأثير هذا القرار على المهاجرين الماليين والنيجيريين في فرنسا. يشير إلى أنهم سيتأثرون بشكل مباشر، فضلاً عن مواطني هذه الدول في فرنسا، حيث ستخضع ضريبة الميراث التي يحصلون عليها للازدواج الضريبي.

ويوضح أن هذا القرار سيؤثر أيضًا على الطلاب والمتدربين الماليين والنيجيريين في فرنسا الذين يستلمون أموالًا من أقاربهم. بموجب هذا القرار، سيتعين عليهم الآن تقديم إفادات ضريبية إلى دائرة الضرائب في فرنسا.

الأبعاد السياسية

يرى الجنرال المتقاعد وخبير الأمن في إفريقيا، برونو كليمنت بوليه، أن هذه القرارات الفجائية تعكس رغبة واضحة في الانفصال عن فرنسا بطريقة فعّالة وملفتة للانتباه. يعتبر أن إلغاء هذه القرارات للاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية ليس مجرد قطيعة مع فرنسا، وإنما رسالة قوية إلى الغرب بأن هذه الدول قد سئمت من التدخلات الغربية في شؤونها السياسية والاقتصادية.

ويضيف الخبير أن هذا الثلاثي الساحلي يدرس حاليًا فكرة توحيد عملته، في إطار ما يشير إليه بـ “الاختيارات الغريبة”، مستعرضًا تجربة إفريقيا الوسطى في قبول البيتكوين كعملة قانونية.

في الختام، يظهر أن هذه الخطوات تنبع من رغبة واضحة في تحقيق الاستقلال الفعلي وإعادة السيطرة على الثروات لصالح المواطنين. بعد توقيع اتفاقية للدفاع المشترك بين حكام مالي وبوركينا فاسو والنيجر، يبدو أن هذا الثلاثي الساحلي قد اتخذ خطوات حقيقية نحو توحيد مصيرهم وتحقيق استقلال سياسي واقتصادي بعيدًا عن تأثيرات الاستعمار.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *