النقيب عبد الرحمن بنعمرو.. “الشامخ الذي يركع المجد له” (بورتريه)

“عبد الرحمان بنعمرو ومن لا يعرفه”، الشخصية “البارزة” والمناضل “اللامع” الذي يجسد تفانيا لا يعد ولا يحصى في سبيل العدالة وحقوق الإنسان. ولد في العاصمة الرباط عام 1933، ما يجعل عمره اليوم يشارف التسعين، إلا أن روحه لا تزال شابة وفتية، ومنذ صباه أظهر اهتماما بالحقوق والقضايا الاجتماعية، وفي طليعتها القضية الفلسطينية، “القضية الأم” كما يصفها العرب.

“المجد يركع لك أيها الشامخ”، هكذا كُتب على صورة التقطت لبنعمرو خلال تواجده في الصفوف الأمامية لإحدى الوقفات الاحتجاجية بشوارع الرباط، كعادته بشعر اكتساه البياض، وبوجه رسم عليه الزمن ما تيسر من تجاعيد، يتمشى ممسكاً بعصاه بيده وابتسامة بشوشة لا تفارق محياه. فمن هو عبد الرحمان بنعمرو يا ترى؟.

النقيب عبد الرحمان بنعمرو، يصفه البعض “شيخ الديمقراطييين والحقوقيين المغاربة”، فيما يصفه البعض الآخر “الرجل العظيم الذي لا يمكن إلا أن ترفع القبعة احتراماً لشخصه”؛ بعد نشأته بالرباط، عمل بنعمرو كمحامي بهيئة المدينة ذاتها، ومارس النشاط السياسي والحقوقي بالموازاة، وانتخب رئيساً لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، فيما يعتبر من المؤسسين للجمعية المغربية لحقوق الإنسان عام تسعة وسبعين.

بداية صعبة لم تزده إلا قوة وإصرارا 

وبالعودة لمسار “شيخ الحقوقيين” الأكاديمي، فقد حصل بنعمرو على شهادة الإجازة في الحقوق بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، منخرطاً عقب ذلك منذ سنوات شبابه الأولى في عدد من الهيئات والمبادرات ذات الطابع الحقوقي، وهو ما يجسد شيئا واحداً، ألا وهو سعيه الفطري نحو التضحية والعطاء في سبيل قضايا العدالة والحرية.

وفي حوار له مع مجلة “تيل كيل” عربي، قال بنعمرو وهو يروي عن بداياته: “بدأ مساري، بعد حصولي على شهادة “البروفي” من مدرسة حرة كانت تمول من رجالات الحركة الوطنية، ولم يكن معترفا بها من طرف سلطات الحماية الفرنسية، بل إن فرنسا كانت تشن حربا بلا هوادة على هذه المدارس، وعلى اللغة العربية.

“كانت الخيارات المفتوحة أمامي محدودة جدا، بعد حصولي على شهادة غير معترف بها من قبل سلطات الحماية، فإما أن أصبح مدرسا، أو موظفا صغيرا في إحدى الإدارات التي تعتمد اللغة العربية، أو أغادر المغرب من أجل إكمالي دراستي في إحدى دول المشرق العربي”، يضيف بنعمرو.

كما يستدرك المتحدث، قائلاً: “بعد تشاور مع والدي، قررت التوجه إلى المشرق العربي من أجل اتمام دراستي، لكنني لم أكن أعرف إلى أين سأذهب، هل أذهب إلى مصر، أم سوريا، أم العراق؟.. كان الخروج من المغرب يمثل تحديا بالنسبة لي، فالفرنسيون لم يكونوا يسمحون للمغاربة بالحصول على جواز السفر، خاصة إذا علموا أنهم يرغبون في إتمام دراستهم بمصر أو سوريا.. بعد تفكير، اهتديت إلى حيلة لمغادرة المغرب، فقد حصلت على جواز سفر من أجل رحلة علاج، لكن الحقيقة أنني كنت  أريد التوجه إلى مصر لمتابعة دراستي”.

“مكثت حوالي شهرين في باريس، قبل أن أتوجه رفقة عدد من الطلبة إلى السفارة المصرية من أجل تقديم طلب إتمام الدراسة بالقاهرة، لكن مسؤولي السفارة طلبوا منا التريث بعض الشيء، خاصة أن مصر كانت حديثة عهد بثورة الضباط الأحرار، فما كان منا إلا أن توجهنا إلى لسفارة السورية”، من مقتطفات حوار بنعمرو مع مجلة “تيل كيل” عربي.

ويخلص بنعمرو، مستطرداً: “كان استقبال السوريين لنا مختلفا، حيث رحبوا بنا، ومنحونا تأشيرة دخول إلى سوريا من أجل متابعة الدراسة، وهو ما مكنني من الحصول على شهادة البكالوريا، ثم جاءت مرحلة التوجه إلى مصر من أجل الحصول على الإجازة في القانون. وفي سنة 1960 عدت إلى المغرب، وقد كان كل همي أن أصبح محاميا، وكان ذلك يتطلب قضاء ثلاث سنوات من التدريب، منها سنة ونصف في إحدى المحاكم، وأخرى تحت إشراف محام”.

كما انتخب بنعمرو نقيبا لهيئة الرباط مطلع السبعينيات، بعدما تحمل عدة مسؤوليات بمجلسها.

سنوات وسنوات من النضال الذي لم ينضب

“إنسان راق ومناضل، وهو الذي لطالما كان مصمماً على حمل رسالة العدالة واستقلال القضاء والمحاماة”. بهذه الكلمات، وصف عمر زين، الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب، النقيب بنعمرو، مشيراً في الوقت ذاته خلال حفل تكريم هذا الأخير، أنه “قد حمل رسالة المحاماة بكل أمانة وإخلاص، ووقف بقاعات المحاكم مدافعاً عن حرية الرأي والتعبير، فعرفناه بمواقفه ودفاعه عن كل مناضل سياسي شريف بالمغرب”.

هذا، ولبنعمرو أيضاً في عالم السياسة تاريخ حافل يميزه، حيث انضم إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم أسس حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي مع رفاقه اليساريين، وكان كاتباً وطنياً للحزب.

كما تعتبر حياة النقيب بنعمرو مليئة بالتضحيات والتحديات، حيث واجه السجن والتضييق بسبب مواقفه الوطنية والديمقراطية، وحكم عليه بالسجن في عدة مرات، إلا أن هذا لم يمنعه من مواصلة مساره النضالي، متمسكاً بمبادئه حتى في أصعب الظروف وأحلك الأوقات.

بنمعرو.. الرجل الذي ترك بصمته في كل المجالات

وبعيداً عن الحقوق والسياسة، كان لبنعمرو حيز خاص به في مجال الثقافة والإبداع أيضاً، حيث تألق “شيخ المناضلين” بقيادته لمجلة “أقلام” الثقافية، والتي أسهم فيها في نشر الفكر والوعي بين الجماهير، وشارك أيضاً في العديد من اللقاءات والندوات، حاملاً دراسات وأبحاثاً ذات صبغة سياسية وقانونية وحقوقية.

وبعد تفننه في كتابة مجموعة من المقالات التي لا تزال لحدود اليوم مصدر إلهام للكثير، أصدر بنعمرو عام 2014 كتاباً تحت عنوان “من أجل ذاكرة عادلة: محطات من حياة المناضل الأستاذ النقيب عبد الرحمن بن عمرو”، وهو عبارة عن حوار صحفي كان ينشر عبر عدة أجزاء بجريدة “أخبار اليوم” الورقية قبل إقفالها، والذي يحكي مضمونه عن محطات بارزة من حياة النقيب بنعمرو كناشط وفاعل في المجالين السياسي والحقوقي.

لخَّص وزير الدولة في حقوق الانسان السابق، مصطفى الرميد، عندما كان على رأس وزارة العدل والحريات، مسيرة “شيخ الديموقراطيين”، حين قال مُحتفياً به: “إمام الحقوقيين المغاربة والرجل العظيم الذي لا يمكن إلا أن ترفع القبعة احتراماً لشخصه ونضاله من أجل تطوير الحريات في المملكة”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *