أمال أحمري.. المرأة التي امتطت صهوة الحلم فصارت أيقونة الفروسية

على صهوة الحلم وضعت سرجها، لتمتطي طموحها الجامح، وبساعدها الناعم، شدت لجام خيلها، فصادقته حتى اطمأنت له، واطمأن لها، ثم قال لها هيت لك.

نشأت في كنف عائلة عاشقة للخيل وفن التبوريدة، استنشقت عبق البارود منذ الطفولة، فألهمها حب الفرس والفروسية. وفي كل يوم كان ولعها بهذا الفن يكبر ويكبر، حتى اخضر وأصبح يانعا يسر الناظرين.

إنها الفارسة أمال أحمري، التي اختارت خوض غمار يراه البعض أنه حكر على الرجال، غير أن تاء التأنيث هذه، كان لها رأي آخر، فقد واجهت كل شيء، لتكتب لسربتها، التي قادتها إلى تحقيق الحلم، حكاية نجاح ولدت من رحم الإصرار، وكتبت بمداد نون نسوة، فرضت ذاتها أمام جمع المذكر السالم.

في هذا الحوار، تجيبنا الفارسة أمال أحمري، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، عن كثير من الأسئلة التي تتعلق بعلاقتها مع الخيل، وكيف استطاعت أن تحقق كل هذا، وكيف وازنت بين حياتها الشخصية والمهنية.

بداية، ما الذي دفعك إلى دخول مجال التبوريدة؟

في الحقيقة، الذي جعلني أختار مجال الفروسية، وأتعلم ركوب الخيل، بصفة عامة، هو حبي للفرس، وعشقي الكبير له. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الهواية يمكن أن تبرز فيها المرأة، كثيرا من الشجاعة والإصرار والعزيمة.

من السهل أن يتعامل المرء مع حيوانات أخرى، عكس الخيل، الذي يصعب امتطاءه. أضيفي إلى ذلك أن تكتب اسمك في مجال التبوريدة، فهو أمر بالغ الصعوبة، وليس بالهين.

بخصوص التبوريدة، فإن هذه الرياضة النبيلة تبرز الهوية المغربية، وهوية أجدادنا، التي يفتخر بها المغاربة. وأظن أن “خيط الروح” الذي جعلني أتعلق بالتبوريدة، هو أنني نشأت في عائلة تعشق الخيل، وجدي كان محبا وعاشقا لهذه الهواية، كما أنه كان مربيا للخيول.

ما هي أقوى التحديات والصعوبات التي واجهتك كامرأة في عالم التبوريدة، الذي يعتبر البعض أنه حكر على الرجال دون النساء؟ وكيف تجاوزتها وتغلبت عليها؟

هذه الرياضة في البداية كانت حكرا على الرجال، وهذا بحد ذاته كان تحديا كبيرا بالنسبة لي، وذلك راجع أساسا لطبيعة بعض الأفكار داخل المجتمع، وبالتالي، فدخول فارسات لهذا المجال، لم يكن أمرا هينا ولا عاديا. والأصعب من هذا كله، أن يعطي فارس، حصانه، لتمتطيه فتاة، فما بالك بأن يعلمها ويدربها.

هذا الأمر كان بالنسبة لنا تحدٍّ كبير، وتطلب الكثير من الصبر والتروي والإصرار والعزيمة. إضافة إلى أن العائلة لها دور مهم وحاسم، لما تمد من دعم معنوي ومادي أيضا، خاصة وأن الفارسة إذا بدأت في المجال وهي في سن صغير، فمن المؤكد أن أسرتها هي من ستتكلف بالجانب المادي، وهذا الأمر من بين العوائق الذي يحول دون إكمال الفارسات لمسارهن في هذا المجال.

مؤخرا، لاحظنا أن جميع الفئات أضحت تزاول هذه الرياضة، مقارنة بالماضي، الذي كان من الصعب مزاولتها، لأن أغلب ممارسيها من البادية، والمرأة بالنسبة لهم، مكانها المنزل، وتربية الأولاد، وليس ركوب الخيل.

وبحكم أن بداياتي كانت مع سربة رجالية، فتجربتي على الميدان هي التي مكنتني من أن أفرض نفسي، وأدون اسمي بين الفرسان.

ماذا يعني لك اليوم أن تكوني “مقدمة” فرقة الفروسية النسوية، ومن أوائل المغربيات اللواتي اضطلعن بمهمة قيادة السربة؟

بالنسبة لي، فمساري جد حافل، وربما شخصيتي مكنتني من إبراز نفسي، وفرض ذاتي في الميدان، بالاحترام، والقوة، والشجاعة، حتى أستطيع القول “أنا هنا وموجودة”، إضافة إلى تحسين مستوى امتطائي للخيل، وحمل البارودة، وأن أبرهن على أن المرأة تستطيع فعل أي شيء، وأؤكد على أن دور العائلة مهم للغاية لأمرين، أولهما رفع المعنويات، وثانيهما تأمين الجانب المادي لضمان الإستمرارية.

قيادة السربة لم تكن ضمن أولوياتي، بدأت فارسة، وأخذت تجربة كبيرة، وحتى بعد تأسيسنا سربة “فارسات النور”، فإننا اخترنا قائدة كان لديها السبق إلى الميدان.

لقد كان هدفي هو أن أستحق لقب فارسة ذات مستوى عال في ركوب الخيل، والتمكن من التعامل مع البارود. وبعد تأسيس “سربة النور”، التي تعد أول سربة في منطقة غرب شراردة بني حسن، تمكنت من قيادة السربة باختيار قادة وشيوخ الغرب، نظرا لتوفري على شخصية “المقدمة”.

“المقدمة” هي مسؤولية كبيرة، وهي تكليف قبل أن تكون تشريفا، فأنا المسؤولة عن تنظيم “السربة”، وكل ما يتعلق بها ماديا ومعنويا، والقائمة عليها، وعلى كل ما يتعلق بها، من أمور صغيرة كانت أو كبيرة. كما أنني المسؤولة على الفارسات في ضيافتي، من المأكل والمشرب، وكذا رعاية الخيل.

طيب، ما هي أفضل لحظة تتذكرينها كقائدة “سربة” في مهرجان أو موسم شاركت فيه؟

قضيت مدة طويلة قائدة “سربة”، وهناك عدة لحظات جميلة لا تزال عالقة بذهني، مثلما كانت هناك لحظات سيئة وصعبة، وهذه هي سنة الحياة.

ومما أتذكره، بكل فخر، وحب، هي تلك اللحظة التي تم فيها الإعلان عن فوزنا بالميدالية الذهبية في البطولة الوطنية بدار السلام، وكنت حينها قائدة “السربة”، لأن هذا الانتصار لم يأتي من فراغ، بل نظير مجهود كبير، والكثير من التعب، والتداريب المكثفة، والجهد المادي والمعنوي، في سبيل إنجاح “سربة” نسوية في مجال التبوريدة.

صدقيني، أنني أتحدث معك، وفرحة الأمس أعيشها اللحظة، وأشعر بها وكأنها اليوم، لأن إحساس ذلك الفوز، لم يسبق لي أن عشت مثله في مساري. والحمد الله أننا استطعنا كتابة تاريخ حافل، نحتفل به في مجال التبوريدة، هذا المجال الذي كان فأل خير علي، ومكنني من الظهور على شاشات التلفزيون، وإجراء الحوارات، والروبورتاجات، وهذا لم يكن سهلا أبدا.

بخصوص حياتك الشخصية.. كيف تحققين التوازن بين كونك قائدة “السربة”، وربة بيت كذلك؟

الحمد الله الذي منحني القدرة على الموازنة بين حياتي الخاصة ومجال التبوريدة. وكما سبق لي وذكرت، فإن الشخصية تلعب دورا مهما وحاسما في مسألة حساسة مثل هذه.

وحبي للخيل ساعدني في خلق هذا التوازن، وحتى أطفالي يحبون الخيل، وأنا حاليا أحضر لإجازتي في علم النفس، وبحث تخرجي يتمحور على علاج اكتئاب الخيل، ما يفسر أن الخيل هو محور حياتي.

أضيف أن زوجي يعلب دورا مهما للغاية، لأننا لو لم نكن نتحدث نفس اللغة، والتي هي الخيل، لما كنت استطعت الموازنة بين حياتي الشخصية والمهنية، والأكيد أن إحداهما كانت لتأتي على حساب الأخرى.

لكن، دعم زوجي، ومساندته لي، ووقوفه الدائم بجانبي، ساعدني كثيرا على تحقيق التوازن من جهة، والاستمرار في الميدان من جهة ثانية. والتوازن في حد ذاته لا نخلقه هكذا، بل يأتي بعد تعب وعدة تغييرات ومحاولات بحث عن الطريق الصحيح التي يمكنك سلكها. وأظن أنه من الطبيعي في بعض الأحيان، أن تكون هناك بعض الأخطاء، لكن تحديد الأهداف، ووضع خطط واضحة، هو ما يخلق التوازن.

ختاما، ما هي الرسالة التي توجهها أمال أحمري للمرأة المغربية بمناسبة عيدها الأممي؟

بالنسبة لي، المرأة هي نصف المجتمع، هي من تلد النصف، وتربي النصف الآخر، ودورها حاسم في ضمان توازن المجتمع.

وأما عن نصيحتي للمرأة المغربية بالخصوص، فهي التعلم، وأصر على أن تكون المرأة متعلمة لنفسها، والتعلم لا يقتصر على الدراسة فقط، وإنما يتعلق بالتنمية الذاتية، وتطوير الكفاءات.

عيد امرأة سعيد أرجوه لكل نساء العالم، وللنساء المغربيات على وجه الخصوص، بمن فيهن جدتي، وأمي، وابنتي. وعيد سعيد لكل النساء الرائدات في جميع المجالات، وأتمنى لهن مسيرة موفقة، بمزيد من التألق والعطاء والتميز.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *