’’النفار’’.. موروث شعبي في طريقه نحو الزوال

تختلف أجواء رمضان بالمغرب عن غيرها من بلدان العالم الإسلامي، أجواء روحانية، وموروث شعبي غني، واحتفالات تليق برمضان، عادات وتقاليد تميزه عن باقي شهور السنة.

موروث ثقافي شعبي

ولأن الموروث الثقافي الشعبي، جد مهم وأساسي في وجدان كل مغربي، فقد كان قديما في كل حي شعبي أو عتيق ’’النفار’’، أي رجل يرتدي جلباب مغربي تقليدي، حاملا مزمارا أو يضرب على الطبل، لإيقاظ الناس للسحور طوال شهر رمضان.

ارتبطت مهنة ’’النفار’’ ارتباطا وثيقا بـ’’سيدنا رمضان’’، ليصبح موروثا ثقافيا شعبيا لا تكتمل أجواء هذا الشهر الفضيل، دون وجوده، فهو الذي كان يكسر هدوء الليل بصوت مزماره، ودقات طبله قبل أن تسكته التكنولوجيا الحديثة، وتساهم في بداية زواله.

كان عمل ’’النفار’’ يبدأ قبل ساعة أو ساعتين من أذان الفجر، حيث يجوب أزقة وأحياء المدينة التي يتواجد بها، ليوقظ الناس بأذكاره ودقات طبله ويحصل في المقابل على بعض المساعدات المالية من ساكنة الحي.

ارتباط بشهر رمضان

ولأن لرمضان مهن موسمية تظهر وتنتعش، وتزدهر وتسيطر، نظرا لعلاقتها بثقافة وعادات وتقاليد المغاربة، فالنفار أو ’’المسحراتي’’ كما يطلق عليه في بعض الدول، واحدة من هذه المهن الرمضانية.

أسامة خضراوي، الباحث المتخصص في التراث الشعبي، بجامعة محمد الخامس بالرباط، يعتبر أن ’’مفهوم النفار في الثقافة الشعبية المغربية الأصيلة، ارتبط بقدوم شهر رمضان وعيد الفطر’’.

وأضاف خضرواي، في تصريح لـ’’بلادنا24’’، أن ’’النفار يعتبر من المهن الشعبية التراثية المعروفة عند العام والخاص، والتي تدخل البهجة والسرور على المغاربة، بسماع تهاليله وتكبيراته وابتهالاته’’، مشيرا إلى أن ’’مصطلح النفار كما هو معروف، لم يأت من فراغ وإنما جاء نسبة إلى آلة النفخ النحاسية الطويلة الشهيرة، كما يدل في الوقت نفسه على صاحبها وعازفها أما الأصل العربي للكلمة هو النفير، وتعرفه القواميس بالبوق الذي يضرب لينفر الناس، أي يستنفرهم، ويعجلهم للسفر والرحيل أو للجهاد’’.

’’يا نايم وحد الدايم’’، عبارة من العبارات التي اعتاد المغاربة على سماعها، قبل الفجر بساعات قليلة، طيلة أيام شهر رمضان المبارك.

“النفار” يقاوم الزوال

أكد الباحث المتخصص في التراث الشعبي، أنه ’’عندما نتذكر النفار، نتذكر أيام الزمن الجميل، لأن هذه المهنة أصبحت من النوادر في المغرب، بحكم الصعوبات المادية والتغيرات المجالية والتكنولوجية، وناقوس الخطر يدق لمستقبل هذه المهنة في الكثير من المدن المغربية، مستثنيا المدن العتيقة ومؤملا في تمسك بعض النفارين بحرفة الأجداد، وحرصهم على عدم موتها والاستمرار في المحاربة من أجل بقائها واستمرار هؤلاء في أداء خدماتهم، تعبيرا عن ولعهم بهذه المهنة، كي لا يطالها النسيان، حتى لو كان المقابل دراهم معدودة’’.

ورغم تطور وسائل التكنولوجيا، ووجود العديد من التطبيقات التي من شأنها أن تتولى مهمة إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، إلا أن عدد من المغاربة يحيون هذه المهنة خلال الشهر الكريم.

وسجل المتحدث ذاته، أنه ’’حتى وإن كانت طلقات المدافع تسمع من أعلى أبراج المدن المغربية العتيقة، لتنبيه الصائمين بموعد الفطور والسحور، يظل النفار تلك الشخصية الثقافية والجمالية والفنية، التي ما فتئت تعبر عن عمق فني متجذر، ضاربا بجذوره في أعماق التراث الشعبي الأصيل للبلد’’.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *