هل تؤثر المضادات الحيوية على البيئة والصحة العامة؟

المضادات الحيوية من الأدوية المهمة التي يوصي بها الأطباء لعلاج العديد من الأمراض والعدوى التي تسببها البكتيريا، وهي من الأدوية الموصى باستخدامها في الوصفة الطبية وبروتوكول علاج مرضى كوفيد19، والإفراط في استخدامها، وخاصة عندما لا تكون هي العلاج الصحيح، يُسبب زيادة مقاومة المضادات الحيوية. ووفقًا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن حوالي ثلث استخدامات المضادات الحيوية لعلاج البشر ليس ضروريًا أو مناسبًا.

بعيدا عن جسم الإنسان، هناك أضرار خارجية، أي تلك التي تخلفها المضادات الحيوية على البيئة بشكل خاص. فأضرار هاته الأدوية لا تقتصر على صحة المريض لوحده، بل تتجاوزه لتؤثر بشكل سلبي على صحة المجتمع ككل، والمحيط الذي يعيش فيه.

منظمات الصحة العالمية تحذر من خطر المضادات الحيوية على البيئة

في هذا الخصوص، يقول ياسين يشو، طبيب وباحث في العلوم العصبية والسلوك البيولوجي وجراحة الدماغ الوظيفي وكوفيد19، في تصريح لـ”بلادنا24“، إن “منظمات حفظ الصحة ومؤسسات الوقاية الدوائية في العالم، تتجه إلى سن قوانين صارمة لمنتجي وصانعي الأدوية، تنص على الأخذ بعين الاعتبار، ليس فقط مضاعفات الأدوية على صحة الإنسان، بل على محيطه البيئي، إذن تعتبر مخلفات الأدوية من الأخطار المهددة للبيئة، خصوصا الأدوية الهرمونية والمضادات الحيوية (انتيبيوتيك)، وأدوية السرطان الكميائية”.

وأفاد يشو، أنه “عند أخذ الدواء، وبعد سريان مفعوله في الجسم، تقوم الكليتين بالتخلص منه عن طرق البول، ثم يمر عبر قنوات الصرف الصحي، ثم إلى الطبيعة، إلا أن المضادات الحيوية، لا تفقد قدرتها البيولوجية بعد أن تخرج من الكليتين عبر البول، وعند تراكم هذا الكم الهائل من المضادات الحيوية في مياه الصرف الصحي، البكتيريات الموجودة في هذه الأماكن تتأقلم مع وجود هذه الأدوية وتصبح مقاومة لها، وهنا تشكل هذه البكتيريات خطرا حقيقيا على الصحة العامة. وإذا انتشرت هذه البكتيريا، فقد تكون مقاومة لجميع الأدوية والمضادات الحيوية مما يجعلها صعبة العلاج”.

ماهي المقاومة ضد المضادات الحيوية؟

يفسر يشو، الطبيب والباحث، في جملة من التوضيحات، أنه “كما يقول المثل المغربي، لي مقتلش يقوي“، نستعمل المضادات الحيوية لقتل البكتيريات. لكن عندما تكون نسبة الدواء ضعيفة وغير كافية لقتل جميع البكتريات، فجزء منها المتبقية يقوم بتطوير طرق الحماية من هذه الأدوية، وهنا تصبح  هذه البكتيريا عند كل تماس مع مضاد حيوي، قابلة لتطوير طرق حماية جديدة، وفي النهاية يمكن أن نصبح أمام بكتيريا مقاومة لجميع الأدوية، أي يستحيل التخلص منها، وهنا يصل الوضع لكارثة صحية وبيئية”.

ويضيف الطبيب المختص، “مما سبق، نستنتج أن الاستهلاك غير المعقلن للأدوية من طرف المواطنين ومهنيي الصحة، يشكل خطرا على الصحة العمومية والعالمية، بسب ظاهرة المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية كمثال”.

من جهة أخرى، أشار الباحث، أنه “ليست فقط المضادات الحيوية التي يمكن أن تأثر على الطبيعة والبيئة، هناك أيضا العلاجات الهرمونية ومضادات الالتهابات الستيرويدية، وعلاجات السرطان، مثل العلاج الكميائي، التي تتسبب في تأثير مباشر على الكائنات الحية، مثل الأسماك في المحيطات، والفرشة المائية، بشكل تراكمي، لتعود عبر دورة الحياة لتضر بالصحة العمومية”.

العلاج بالمضادات الحيوية غير مطلوب لمرضى كوفيد19

وأكد ياسين يشو، أنه “ليس من المنطقي أن يتم علاج أمراض تعفنية فيروسية بمضادات حيوية، كمثال كوفيد، لأنه ليس مرض تعفني بكتيري، إذن لا يجب أن نأخذ مضادات حيوية كدواء إلا في حالة ما كان هناك التهاب تعفني بكتيري مصاحب، أو خطر حقيقي لإمكانية الإصابة بتعفنات بكتيرية مصاحبة، نظرا لحالة المناعة عند المريض، وهذا لا يعني أنه يجب أن نوصي بهذا النوع من الأدوية لجميع الحالات، فقط لأن هناك خطرا ضعيفا جدا لوقوع مضاعفات تعفنية”.

ويستطرد المتحدث ذاته، “في الأخير يبقى تتبع نصائح الطبيب هو ما يجب اعتماده من طرف المرضى، وعلى مهنيي الصحة أخذ المضاعفات البيئية بعين الاعتبار على الصعيد العام، وليس فقط المضاعفات الصحية على مستوى المريض”.

أما لتحديد فعالية دواء على مرض معين، يقول يشو، إنه “يجب اللجوء إلى برتوكول التجارب السريرية الجد معقدة، والتي تستلزم ميزانيات ضخمة ووقتا طويلا، خصوصا في مثل هذه الحالات”.

ويضيف أنه “لا يوجد أي دليل في بحث علمي أو تجارب سريرية يثبت فعالية المضادات الحيوية في حالة كوفيد، ولكن يبقى الاختيار الشخصي للطبيب، بحسب معرفته لحالة المريض، ومدى إمكانية أن يطور الأخير تعفنا بكتيريا مصاحبا، خصوصا المرضى في حالة مناعية ضعيفة جدا، أو في حالة صحية خطيرة، فهنا المضاد الحيوي يلعب دور الوقاية”، مؤكدا أن “هذا لا يعني أن هناك فعالية مباشرة للمضادات الحيوية ضد كوفيد”.

وخلص الطبيب المختص، أنه “يجب على السلطات الصحية والجمعيات العلمية والصناعة الدوائية، فتح حوار جدي ومعقلن بشأن الطريقة التي تعامل بها المغرب في جانب الوقاية الدوائية في فترة كوفيد، حتى نستخلص الدروس والعبر في هذا الصدد”.

بلادنا24 ـ نجوى رضواني

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *