علي بونغو أونديمبا.. “صديق المغرب الكبير” على خُطى والده

استفاق العالم صباح أول أمس الأربعاء، على وقع حدوث انقلاب عسكري بدولة الغابون، قادته عناصر مختلفة من الحرس الرئاسي والجيش والشرطة، ضد نظام علي بونغو أونديمبا، الذي قاد البلاد منذ عام 2009، بعدما خلف والده عمر بونغو، الذي حكم البلاد هو الآخر منذ سنة 1967 إلى غاية 2009، ما جعله أحد الزعماء السياسيين الأكثر مكوثا على كرسي الحكم.

وتربط المغرب بالغابون، علاقات صداقة وتعاون قوية، سواء تلك التي جمعت الراحلين، الملك الحسن الثاني بالرئيس عمر بونغو، أو التي استمرت مع الملك محمد السادس والرئيس علي بونغو.

وأمام هذا الانقلاب، تدخل العلاقات المغربية الغابونية في نفق مظلم، في الوقت الذي لا يمكن فيه الحسم في التطورات المقبلة، وكيف ستسير الأوضاع، ومن سيقود البلاد خلالها، هل سيظل العسكريون ممسكون بزمام الأمور؟ أم من الممكن أن تقود جهود الوساطة الدولية في التوافق على زعيم مدني؟

انقلاب في وجه الانتخابات

عبر قناة “الغابون 24″، خرج قادة الانقلاب يتلون بيانهم من داخل القصر الرئاسي، أعلنوا من خلاله عن إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها علي بونغو لولاية ثالثة تواليا، مع إغلاق الحدود، وحل مؤسسات الدولة.

وأوضح الانقلابيون، أنه تم وضع بونغو قيد الإقامة الجبرية، رفقة أفراد أسرته وأطبائه، فيما تم اعتقال أحد أبنائه، وهو نور الدين بونغو، يشغل منصب مستشار الرئيس، بتهمة “الخيانة العظمى”.

وفي أول ظهور له بعد الإطاحة به، خرج علي في مقطع فيديو، مرتديا الجبادور المغربي، وجه من خلاله رسالة إلى “كل العالم والأصدقاء للتحرك ضد من قاموا باعتقالي”، مضيفا: “أنا موجود في مقر إقامتي ولا أدري ماذا يحدث، وابني محتجز في مكان ما، وزوجتي مفقودة”.

علاقة خاصة مع المغرب

العلاقات المتينة بين المغرب والغابون ليست وليدة اليوم، وإنما تعود لعقود خلت، خلال فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني، والرئيس الراحل عمر بونغو، الذي كان يعرف بـ”صديق المغرب الكبير”.

قبل أشهر، وتحديدا يوم 15 فبراير الماضي، أفادت وكالة المغرب العربي للأنباء، أن الملك محمد السادس، قد أجرى بالقصر الرئاسي في العاصمة ليبروفيل، مباحثات مع علي بونغو أونديمبا، رئيس جمهورية الغابون.

وبحسب القصاصة الصحفية، فإن هذه المباحثات التي توسعت لتشمل بعد ذلك وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، والوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية الغابوني، يولاند نيوندا، والأمين العام لرئاسة جمهورية الغابون، جان إيف تيال، شكلت “مناسبة للتأكيد على أهمية العلاقات العميقة والغنية والمتينة المتجذرة بين المغرب والغابون، وكذا أواصر الأخوة والتضامن القوية القائمة بين شعبي البلدين”.

وخلال هذه المباحثات، استعرض الملك محمد السادس، والرئيس الغابوني، وضع الشراكة الثنائية في جميع المجالات، كما أشرف الملك بحضور بونغو، على تسليم هبة تتكون من 2000 طن من الأسمدة، في إطار “العناية التي تخص بها المملكة المغربية الفلاحين الغابونيين، ولاسيما في ظل السياق الحالي، الذي يتميز بالأزمة الغذائية العالمية وصعوبات التزود بالأسمدة”.

واختتمت قصاصة “لاماب”، بأنه “وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية، سيتم في أعقاب هذه العملية، اتخاذ إجراءات هيكلية تمكن من تسهيل ولوج الفلاحين في هذا البلد الشقيق إلى أسمدة ذات جودة وأسعار مقبولة يتم وملاءمتها خصيصا لتناسب حاجيات التربة والزراعات بالمنطقة”.

دعم دائم ومتجدد لمغربية الصحراء

تعد الغابون من أكثر الدول دعما وتأييدا وتشبثا بقضية المغرب الأولى، قضية الصحراء، فكثيرة هي المحطات التي عبرت فيها عن دعمها للوحدة الترابية للملكة المغربية، وسيادتها على الأقاليم الجنوبية، ولمبادرة الحكم الذاتي، التي تقدم بها المغرب عام 2007، باعتبارها تمثل حلا جديا وواقعيا وعمليا للنزاع المفتعل في الصحراء، كما تقف دائما إلى جانب المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، والجهود التي يقودها لإيجاد حل تحت المظلة الأممية.

فخلال أشغال اجتماع لجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، لمنطقة المحيط الهادي، التي انعقدت في بالي بإندونيسيا، شهر ماي الماضي، قالت ممثلة الغابون في كلمة لها، إن بلادها “ترحب بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي وتشجعها، لكونها تقدم آفاقا موثوقة ومطمئنة تمكن ليس فقط من وضع حد للمأزق السياسي الحالي، ولكن أيضا من التوصل إلى حل سياسي مقبول لدى الجميع ومتفاوض بشأنه”.

وأضافت المسؤولة الغابونية، أن أزيد من مائة دولة عبرت عن دعمها لتسوية النزاع التي اقترحتها المملكة، مبرزة أن المخطط المغربي يحظى بدعم دولي قوي، لا سيما من طرف مجلس الأمن الذي أكدت قراراته المتعاقبة، على الدوام، مصداقية هذه المبادرة.

كما بادرت الغابون، إلى فتح قنصلية عامة لها بمدينة العيون بداية عام 2020، بحضور وزير خارجيتها آلان كلود بيلي باي نزي، لتكون من أوائل الدول التي اتخذت هذه الخطوة، ليلتحق بها بعد ذلك أزيد من 25 بلدا عربيا وإفريقيا، بكل من العيون والداخلة.

وفي خطوة رمزية، وذات رسائل عميقة، اختارت سفارة الغابون بالرباط، خلال سنتي 2021 و2022، مدينة العيون، للاحتفال بذكرى استقلال هذا البلد الإفريقي، وهي مناسبة عرفت حضور أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في العيون والداخلة، ومسؤولين من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بالإضافة إلى منتخبين محليين، وفعاليات من المجتمع المدني.

فترة نقاهة بالرباط

يعتبر علي بونغو، أحد الزعماء الأفارقة الذين تربطهم علاقة خاصة مع المغرب، ومع الملك محمد السادس بشكل شخصي، إذ انخرطا في زيارات متبادلة، وعملا على تعزيز روابط الصداقة والتعاون على مختلف المستويات.

في شهر أكتوبر من عام 2018، توجه الرئيس بونغو إلى العاصمة السعودية الرياض، للمشاركة في المنتدى الاستثماري “دافوس الصحراء”، إلا أن وعكة صحية مفاجئة ألمت به، جعلته يغيب عن فعاليات المنتدى، ليظل أزيد من شهر تحت الرعاية الطبية بمستشفى الملك فيصل.

وبعد مرحلة العلاج من مرض تضاربت الآراء حوله، بين جلطة دماغية وشلل نصفي، في ظل غياب معطيات رسمية، واكتفت الرئاسة الغابونية بوصف الأمر بكونه بسبب “الإجهاد في الأشهر الأخيرة”، حط علي بونغو الرحال بالعاصمة الرباط لقضاء فترة إعادة التأهيل الطبي والنقاهة، بدعوة من الملك محمد السادس، وفق ما أعلنت عنه زوجته سيلفيا وقتئذ.

وقد زار الملك، يوم 3 دجنبر، الرئيس الغابوني، بالمستشفى العسكري الدراسي محمد الخامس بالرباط، للاطمئنان على صحته.

وخلال مقامه بالعاصمة الرباط، الذي دام شهرين، ظل علي بونغو يتابع الأوضاع ببلاده، إذ التحق به مسؤولون كبار في الدولة، وفقا للمهام المنوطة به كرئيس للبلاد، للعمل على “الملفات الأكثر إلحاحا”، بل إنه أعلن من الرباط، بتاريخ 13 يناير 2019، عن تشكيلة الحكومة الجديدة، والمكتب الرئاسي الجديد، بعد محاولة انقلاب فاشلة، أراد أصحابها استغلال فرصة وجود الرئيس خارج البلاد لأزيد من ثلاثة أشهر، من أجل اعتلاء كرسي الرئاسة، كما وجه أيضا إلى شعبه خطابا بمناسبة السنة الجديدة، بثه التلفزيون الغابوني.

بونغو المغربي الهوى

من يتابع تحركات الرئيس علي بونغو، سواء على المستوى الرسمي، أو حتى على مستوى حياته الشخصية، يجد أن اللمسة المغربية حاضرة معه، من اللباس، إلى قصره بليبروفيل، وصولا عند ضريح والده.

لقد اعتاد الأخير على استقبال ضيوفه بقصره الرئاسي، بمن فيهم قادة الدول، أو خلال حلوله ضيفا على زعماء دول أخرى، في أكثر من مناسبة، أن يرتدي الجلباب التقليدي المغربي، كما أن أول ظهور له بعد الانقلاب الذي قاده قائد الحرس الجمهوري، الجنرال بريس كلوتير أوليغي نغيم، كان مرتديا الجبادور التقليدي.

أما قصره الرئاسي بالعاصمة ليبروفيل، فلا يختلف كثيرا عن قصور الرباط وفاس ومراكش ومكناس، فاللمسة المغربية حاضرة وبقوة، على مستوى الجبس، والزليج، والخشب.

هوس الزعيم الغابوني بالمغرب لم يقف عند هذا الحد، بل إنه شيد ضريح والده الرئيس الراحل عمر بونغو، على نفس تصميم ضريح محمد الخامس بالرباط، إذ دشنه بداية عام 2021 بالعاصمة، وأشرف عليه مهندس مغربي، على امتداد مساحة تفوق 6 آلاف متر، ويضم مرافق عديدة.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *