عزوف الشباب المغاربة عن الزواج .. بين “قلة النية” ورفع سقف الطموحات

إن دوامة عدم الثقة في النفس وفي الغير، باتت تقود في الألفية الثالثة إلى إشكالية العزوف عن الزواج بالنسبة للشباب المغربي، كأسر من المرتقب أن تقود المستقبل، إلا أن هذه الإشكالية تتسم بالتعقيد بين النفس والغير، فوجود الغير شرط لوجود الأنا.

فبين فقدان الثقة، والحاجة المادية، بات العديد من الشباب يرفضون فكرة الزواج وفئة أخرى تؤجله قدر المستطاع، إلا أن الغوص في تفاصيل هذا الرفض والتأجيل، يحيل حسب استطلاع رأي جسد أجوبة هؤلاء الشباب، إلى الأنانية الذاتية والخوف الممزوج مع إنعدام الثقة إضافة إلى تعثر ههذ الخطوة بسبب الحاجة المادية.

ثقافة الحذر المفرط وعدم اليقين 

عمق الموضوع يعود في طياته إلى التنشأة المرتبطة بـ”ثقافة الحذر المفرط”، يروي أبو بكر حركات، أخصائي نفسي واجتماعي، مؤكدا أن “الطفل سواء فتاة أو ذكر مند صغره يتربى في وسط يحذره من الجنس الأخر كأنه مصدر للخطر”، وأعطى مثال بـ” أن المرأة تتلقى دروس من طرف أمها حول الحذر من الرجل ومن معاشرته، كأنها تحاول تجنيبها ما عاشته من قبل، ما يؤدي في باطن المرأة إلى الإعتقاد أن كل رجل لايستحق الثقة الكاملة، وكذلك بالنسبة للرجل مع المرأة عندما يسمع عبارات من قبيل إن كيدهن عظيم”.

وأبرز حركات، في حديثه لـ“بلادنا24”، أن “التربية أيضا تساهم في تفكيك أو تعزيز بعض القيم والتي من أهمها الترابط الأسري، فبدون هذا الرابط يعيش الشاب أو الشابة في فخ حب الذات المفرط والتي تنتج عنها أنانية تتمثل في إستقرار المرأة ماديا وإستقرار الرجل ماديا وكل منهما يفضل حياته الخاصة مع نفسه، حتا إن كانت هناك رغبة جنسية يلجؤون إلى التطبيقات الخاصة بالمواعدة العابرة، دون مراعاة للقيم الأخلاقية والذينية التي تنبثق من حضن الترابط الأسري”.

مساهمة العولمة في العزوف عن الزواج 

ومن أسباب العزوف أيضا، رصد المحلل النفسي والإجتماعي، إشكالية العولمة، مبرزا أن “العولمة أثرت بشكل سلبي على الشباب خاصة في عمر العشرينات والثلاثينات إذ يتعلقون بواقع خيالي يجعلهم يعيشون في دوامة عدم اليقين في ظل تطلعات مادية مكلفة للغاية”.

وتابع حركات، قائلا: “يجب الانتباه إلى أن سقف طموحات الشباب قد تغير بالمقارنة مع الماضي، فاليوم في ظل العولمة يبحث الشباب عن تحسين ظروفهم وعيش حياة مماثلة لما يرونه عبر الأنترنيت، بالرغم من أن الطريقة الصحيحة ترتبط بالتحصيل العلمي وحيازة شهادات عليا تخول له رفع دخله وتغيير ظروف عيشه إلى الأفضل”.

التحرر من الخوف 

ومن جانبها، أكدت الأخصائية في الأسرة، سارة عفيفي، أن “الإشكالية برمتها مرتبطة بالتحرر من الخوف، ففور التحرر من قيود الخوف كالخوف من المسؤولية، من معاشرة الغير، من وضع الثقة، ومن خوض الغمار والحد من سوء النية، يمكن حينها أن يتراجع هذا المعدل المخيف للعزوف عن الزواج اليوم”.

وأضافت عفيفي في تصريحها لـ“بلادنا24”، أن التخلص من تأثير العولمة عن طريق كشف وملامسة الواقع الحقيقي لذات كل شخص، وعدم السماح لتجارب الغير الفاشلة فالزواج إذ بات يحكم عليه انطلاقا من تجارب الأخرين، كذلك عدم التأثر بمعدلات الطلاق المرتفعة وربطها بمستقبل علاقتك التي لم تولد بعد، كلها عوامل يمكنها أن تعزز ثقة الفرد بنفسه وتجربته وتقوي مناعة عدم الثأتر السلبي بالغير”.

وشددت الأخصائية، قائلة “الزواج سكينة للروح ومصدر للاستقرار النفسي، فلايجب أن ينظر له على أنه قفص من المشاكل وحد للحرية، على العكس من الضروري النظر للشريك بالمودة والرحمة لوجه الله قبل كل شيئ، مع محاولة عيش التجربة وعدم مقارنتها بتجارب الغير”.

نسبة العزوف عن الزواج 

جدير بالذكر، أن تقرير أنجزه المرصد الوطني للتنمية البشرية بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سبق وكشف عن أرقام جديدة تهم الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشباب المغربي لا سيما بعد الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا، إذ تبين أنه على الرغم من أن الشباب المغاربة يهتمون بفكرة تكوين أسرة، إلا أنه على مستوى الأرقام تم رصد عزوفهم عن الزواج، إذ انتقلت النسبة من 42 بالمئة عام 2011 إلى 70 في المئة عام 2019.

ووفق ذات التقرير، اتضح أن “الشباب هم الأكثر تعرضا للأزمة الحالية، التي يواجهها المغرب والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حلت عليه”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *