عبد الحق حسيني.. رجل الأمن الذي ترك “المسدس” وتسلّح بالقلم

لم يمنع التقاعد عن العمل وعامل السن، رجل الأمن السابق عبد الحق حسيني، رئيس قسم الاستعلامات العامة بالمنطقة الإقليمية للأمن بالناظور، من الخوض في حياة جديدة، وولوج عالم الكتابة، حيث أنه بمجرد أن سلم مسدسه وغادر سلك الشرطة، عمل بمبدأ “الانتقال السلمي للسلطة”، وتسلح بالقلم، وعمل على تكريس وقته لكتابة الشعر، حيث أصدر ثلاثة دواوين شعرية، وعاد بذاته سنوات إلى الوراء، إذ كانت أول بكورة أعماله “حنين إلى زمن الحروف”، وبعدها “انكسار في قوس قزح”، و”متى يعود النورس”، فيما يستعد لإصدار ديوانه الرابع “رقعة الشطرنج”.

في الذكرى التاسعة والخمسين لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني، وقبل سنوات فقط على مغادرته لجهاز الأمن الوطني بعد أن وصل سن التقاعد، اعتلى عميد الأمن الإقليمي، عبد الحق حسيني، منبر الاحتفال بالمنطقة الإقليمية للأمن بالناظور، مرتديا زي الخدمة، ولم يمنعه الخجل من قراءة قصيدته “ملحمة 16 ماي”، وكأنه يلقي من خلالها آخر تحية وداع على المهنة وزملائه في سلك الشرطة.

“مجندون بحب الوطن.. نزرع الأمل في ذاكرة الزمن.. نمشي على خطى ملك همام.. ننشر في الأرض منابع الأمل”، كان هذا مطلع قصيدة “ملحة 16 ماي”، للشاعر عبد الحق الحسيني، التي ألقاها أمام عدد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين وغيرهم، قبل أن ينهيها بـ”أيا إخوة فاشهدوا أن في حب الله، وحب الوطن، وحب الملك، لا نخشى المحن”.

هذا، الأمني/الشاعر، لم يردد ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود دريوش، حينما قال عن العمر والكبر: “لقد كبرنا دون أن ننتبه، لم يسمح لنا بأن نكبر على مهل”، بل شده الشوق والحنين إلى مدينة وجدة مسقط رأسه حيث أطلق صرخته الأولى سنة 1956، وأعلن عن أول أعماله الشعرية وكأنه يقول “لمدينته.. مدينة الألف سنة.. ها أنا هنا.. لقد عدت..”، إذ قام بتوقع ديوانه الشعري “حنين إلى زمن الحروف” في المقهى الأدبي النخيل.. في عرس شعري بهيج، نظمته جمعية المقهى الأدبي وجدة “لاميرابيل”، وحضره مثقفون وأدباء وشعراء.

أولى محاولاته الشعرية، كانت في السبعينات، إلى جانب صديق طفولته الشاعر الراحل عبد السلام بوحجر، حيث كانت تشكل الكتابة لديه نوعا من الهروب المتعلق بواقع تلك الحقبة، ونوعا من التحرر.

فبعد ديوان “الحنين إلى زمن الحروف”، أصدر الشاعر عبد الحق الحسيني، ديوانه الثاني “انكسار في قوس قزح” والذي يحكي فيه عن ظروف العمل التي منعته من الكتابة، فيما كان ديوانه الثالث “متى يعود النورس”، سؤالا مشروعا عن عودة ابن مغترب بديار المهجر، غير أن نجله/نورسه دخل عش المنزل بدون موعد وفي غفلة منه، الأمر الذي أكسر سؤاله ولم يفسح له الوقت الكافي للتغني بديوانه الشعري الذي التقط صورة غلافه في “أطالايون”، بينما هو جالس على جنبات البحر والنوارس تحلق من فوقه.

وتشكل الكتابة بالنسبة للشاعر، عبد الحق الحسيني، متنفسا، حيث تمنحه مساحة لكسر رتابة التقاعد ومحاربة كآبته، وتفريغ مشاعره في أبيات وصور شعرية يضعها كبنيان مرصوص، غير أن ديوان “انكسار في قوس قزح”، تزامن مع انكسارات شخصية، حيث كتب عن الأنثى بصفاتها المتعددة الأخت والزوجة والأم والابنة والحبيبة.. يرتمي عند قدميها فيقبلها باعتبار أن الجنة توجد تحت كعبها، ويحضنها ابنة وزوجة، يغازل رقتها وأحاسيسها ويلامس عواطفها بكثير من مهارة المتحدثين والشعراء.

ويعد الشاعر، عبد الحق حسيني، أول رجل أمن يحظى بتكريم من قبل ساكنة الناظور بمختلف أطيافها ومكونات مجتمعها المدني، في “ليلة الوفاء”، كعربون حب المواطنين له، وهو الاحتفال الذي لم يحظى به أي مسؤول أمني في المدينة، إذ غصت قاعة المركب الثقافي بالحضور.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *