حوار| عضو تنسيقية أساتذة الكونطرا: التعاقد مخطط سياسي يهدف إلى القضاء على مجانية التعليم

منذ 2016 إلى الآن عرف القطاع التعليمي أقوى حركة احتجاجية عندما قررت الحكومة نهج نمط جديد من التوظيف، ما يعرف بـ”التوظيف بالتعاقد”، الذي يعتبره المناهضون لهذا التوظيف خوصصة للتعليم العمومي ومحاولة للإجهاز عليه.

الأساتذة بالمغرب إلى حدود 2016 كانوا يخضعون للنظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي يخول لهم مجموعة من الحقوق، لكن بعدما قررت الدولة التخلي عن توظيفهم من قبل الوزارة بات التفكير في مصير “الحقوق” المكفولة ضمن النظام الأساسي.

فاللجوء إلى هذا التوظيف على حد وصف أعضاء تنسيقية أساتذة الكونطرا ،هو محاولة ترقيعية من الحكومة لسد الخصاص الذي تعرفه المنظومة التربوية، ولحل مشكل الاكتظاظ داخل الأقسام التعليمية دون مراعاة للمكتسبات التاريخية التي راكمها القطاع.

وفي حوار أجرته جريدة “بلادنا 24” مع عضو لجنة الإعلام الوطنية في التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد وعضو بالمجلس الوطني حميد الحواصلي، اعتبر أن نظام التعاقد مخطط سياسي يسعى إلى خوصصة التعليم العمومي، والقضاء على مجانية التعليم، بالإضافة إلى المكتسبات التاريخية للشغيلة التعليمية، مشيراً إلى أن عمل التنسيقية يعوض عمل النقابات التي انزاحت عن دورها الأساسي في الدفاع عن مصالح نساء ورجال التعليم.

وفيما يلي نص الحوار:

كيف تفسر لنا طبيعة هذا التعاقد من وجهة نظرك كأستاذ و إطار تربوي؟

بصفتي أستاذ اعتبرها مخططا يهدف إلى خوصصة التعليم العمومي والوظيفة العمومية والقضاء على ما تبقى من مجانية التعليم، وهو في طبيعته مخطط سياسي، ولا يمكن أن يخرج عن هذه التسمية، لأن الغرض منه تفكيك علاقة الشغل القائمة في القطاع العام، ونقل العلاقة إلى القطاع الخاص.

فالهدف من التعاقد هو تحويل الوظيفة العمومية، إلى ما يعرف بالمقاولة في إطار سياسة الانفتاح النيوليبرالية الذي ينتهجها المغرب ليس فقط في قطاع التعليم، بل أيضاً في مجموعة من القطاعات الأخرى، لذلك أرى بأنه مخطط سياسي يروم إلى تفويت التعليم العمومي إلى القطاع الخاص.

– ماهو البديل المناسب عن التعاقد؟ وما هي سُبل تحقيقه؟

نحن نطرح البديل بالحفاظ على المكتساب التاريخية للشعب المغربي ككل، وللشغيلة التعليمية بشكل خاص، من خلال النظام الأساسي للوظيفة العمومية، والنظام  الأساسي الخاص بموظفي  وزارة التربية الوطنية لسنة 2003، بالرغم من أن مجموعة من النقابات تطالب بتعديلات لهذا النظام، ولكنها تعديلات إيجابية وليست سلبية، وليس بالتخلي عنه بشكل نهائي والمجيء بنظام أساسي جديد ، يسير في الاتجاه ذاته لمخطط التعاقد من أجل التخلص من الوظيفة العمومية، والمدرسة العمومية، وخلق نظام جديد يستجيب ومتطلبات القطاع الخاص.

وبالتالي هو نظام أساسي جديد بعيد عن الوظيفة العمومية، لذلك القضاء على التعاقد هو التشبت أو الإبقاء على النظام الأساسي للوظيفة العمومية، والنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، ولا حل سوى الحفاظ على مكتسبات الشغيلة التعليمية، وهو لا يخص فقط الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، بل هو نضال جميع الأطراف المعنية من داخل التعليم من نقابات وجمعيات ومجتمع مدني، وجمعيات آباء وأولياء التعليم لأن التعاقد كما يقال هو الشجرة التي تخفي الغابة.

– هل ظاهرة التعاقد أزمة تربوية أم أزمة سياسية؟

التعاقد مرتبط بشكل كبير بقطاع التعليم، والتعليم يعرف أزمة سياسية وليس تربوية منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، لأنه ما يلاحظ لا وجود لرغبة سياسية لحل المشاكل المتراكمة بحق التعليم منذ سنوات ماضية، لأن الحكومات ترى بأن التعليم يخلق ثقل في الميزانية، ويكلفها تكاليف باهظة من ناحية كتل الأجر كما تبرر هي، لكننا نعتبر أن ذلك غير صحيح، لأنه إذا فتح النقاش حول كتل الأجر يجب أن نناقشه على جميع الموظفين بالمغرب، وليس فقط بالنسبة لرجال التعليم.

فالتعاقد هو مخطط سياسي، وأزمة سياسية من داخل االقطاع، و إذا استطعنا إخراج التعليم من الاستقطابات السياسية  التي تدور ما بين القوى السياسية الفاعلة بالمغرب، يمكن حينها تغليب الرؤية التربوية.

والقطاع التعليمي قطاع فاشل نتيجة للسياسات التعليمية التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة في تاريخ المغرب فهي لا توليه الأهمية اللازمة رغم أن التعليم هو القاطرة الأساسية لتقدم أي بلد أو تأخرها.

– هل بعض الأحكام الصادرة بحق الأساتذة تؤثر سلباً على المطالبة بحقوق الأستاذ من منظور تربوي؟

نحن نعتبرها أحكاماً سياسية لأنه جرى اعتقالهم ومتابعتهم في حالة سراح على خلفية نضالهم وفاعليتهم داخل التنسيقية الوطنية، من أجل الدفاع عن مطالبهم العادلة والمشروعة، لذلك أثناء النضال يمكن أن تتعرض للاعتقال، والمتابعة، والمحاكمة، والقمع، ولا يمكن أن نعتبر الأحكام تؤثر بشكل سلبي عما هو تربوي، لكن قد تؤثر في علاقة التنسيقية بالحكومة من داخل قطاع التعليم في إطار الفعل، لكن لا أعتقد أن يؤثر ذلك على الأساتذة لأنهم مناضلين ويدركون تماماً سبب نضالهم، وكانوا متوقعين كل السيناريوهات المحتملة.

-برأيك.. هل تشكل الإضرابات معوقاً تربوياً أمام التلاميذ في تحصيلهم العلمي وكيف يمكن تجاوز هذه العقبة ؟

الإضرابات لا تشكل أي معوقات تربوية أمام المتعلمين، ويجب إثارة نقطة مهمة وهي أن الإضراب حق دستوري للشغيلة سواء التعليمية أو غيرها للدفاع عن مطالبها المشروعة، لذلك قطاع التعليم بالمغرب يتخلله الكثير من الاختلالات قبل 2016 وقبل أن يظهر ما يعرف بسياسة  التشغيل بالتعاقد، فالهدر المدرسي كان قبل هذا التاريخ، بالإضافة إلى الاكتظاظ، رغم أنه من بين المبررات التي قدمتها الحكومة بشأن التعاقد هو القضاء على الاكتظاظ.

والكثير من المشاكل كانت قبل 2016، من قبيل غياب النقل المدرسي والمنح، والمطبعات وغيرها ، لذا لا يمكن أن نربط بشكل تعسفي مساهمة الاضراب بتراجع مستوى المتعلمين، مع العلم أن هذا التراجع وثيق الصلة بالسياسة التعليمية وليس بلإضرابات، وحتى إن سلمنا جدلاً بهذا القول فيجب على الحكومة أن تلبي مطالب الأساتذة، وباختصار إذا أردنا القضاء على الإضراب يجب أن نقضي على مسبباته.

– في اعتقادك ..ما هو دور نقابات التعليم في المحافظة على مكتسباتكم؟ وهل أنتم راضون عن هذا الدور؟

دورها أساساً يتجلى في الدفاع عن مصالح الشغيلة التعليمية، وتبنّي مطالبها، وتحقيق الحد الأدنى من الشروط لضمان عمل وشغل قار في ظروف جيدة، لذا نعتقد أن النقابات انزاحت شيئاً ما عن هذا الخط، والدفاع عن المطالب العادلة والمشروعة لنساء ورجال التعليم، وبرأيي ما قامت به النقابات من خطوات نضالية يمكن أن نسميها بخطوات خجولة، وتكتفي بإصدار بلاغات وبيانات تندد بها بواقع التعليم، مع العلم أن دورها ووظيفتها يتجلى فيما تقوم به التنسيقية حالياً من نضالات واحتجاجات وإضرابات.

ومادام أن كل متتبع للقطاع التعليمي يعرف الضعف والهشاشة التي بلغته النقابات، ليس فقط على مستوى التعليم بل أيضا في باقي القطاعات، لذا فالشغيلة التعليمية لم تعد تثق بها في سبيل تحقيق مطالبها العادلة والمشروعة، وهذا ما يفسر بروز تنسيقيات في مجموعة من القطاعات بشكل كبير، تعبيراً عن عجز النقابات في القيام بدورها المنوط بها، وأنا أعتقد أن جل الأساتذة غير راضين عن الدور الذي تلعبه لأن مكانها الحقيقي في التموقع بجانب الشغيلة والدفاع عن مكتسابتهم.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *