تقرير: عودة الجدل حول الإجهاض.. الموضوع يقسم المجتمع المغربي

سكينة الصغير – متدربة |

ليس هناك موضوع يُقسم المجتمع المغربي مثل موضوع الإجهاض لتعقيداته وارتباطه بالموروث الديني والثقافي. في كل  مناسبة يثار فيها الموضوع ينشطر المجتمع إلى قسمين الأول ينافح عن  الحق في الإجهاض والثاني يعارض.

ولقد أثير الموضوع بقوة بعد اعتقال الصحفية هاجر الريسوني في عام 2019 والحكم عليها لمدة سنة قبل أن تستفيد من عفو ملكي، بسبب لجوئها إلى الإجهاض و ممارستها الجنس خارج الزواج، فكان الجدل حول الحريات الفردية وحدود الترخيص أو منع العلاقات الرضائية، والحق في الإجهاض من عدمه.

لقد اختلف الفقهاء والأطباء القدامى والمعاصرين في الحالات التي يباح فيها الإجهاض، فالإجهاض كباقي الظواهر الاجتماعية، يعتبره البعض ضرورة طبية، فيما يراه البعض الاخر مخالفاً للأحكام الشرعية الثابتة، ومخالفا للقانون.

فمنهم من ذهب إلى المنع مطلقا، سواء قبل نفخ الروح أو بعده، ومنهم من ذهب إلى إباحة الإجهاض قبل نفخ الروح وفق ضوابط، ومنهم من أجازه بعد نفخ الروح في حالات محددة.

ماذا يقول القانون المغربي؟

ينص القانون الجنائي المغربي على تجريم الإجهاض من خلال عشرة فصول ضمن الباب الثامن المتعلق بالجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة، حيث يجرم هذا الأخير الإجهاض، وتتراوح عقوبته بين 6 أشهر و5 سنوات سجنا، ولا يقتصر فقط على المرأة التي أجهضت، بل يعاقب أيضا كل من قام بفعل الإجهاض.

لا يعتبر الإجهاض مُجرَماً ولا يعاقب عليه إذا كانت حياة الأم في خطر في الفصل 453 من القانون الجنائي الصادر في 17يونيو، إذ وقع تعديل عليه بمقتضى المرسوم الملكي، الذي ينص على عدم العقاب على الإجهاض بغية الحفاظ على صحة الأم وذلك بإذن من الزوج، ولم يخضع الفصل لأي تعديل منذ ذلك الوقت.

من جهة أخرى، فإن المرجعية الدولية لحقوق الإنسان لا تعتبر مبدأ حماية حياة الجنين في مرحلة الإخصاب أو أية مرحلة معينة من الحمل أمرا مهما، حيث أكدت ذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان برفضها اعتبار الجنين مواطنا له حقوق.

الفقه الإسلامي والإجهاض؟

اتفق الفقهاء على أن إسقاط الجنین بعد نفخ الروح فیه حرام شرعاً، إذا كان ذلك بغیر عذر، وذلك لأنه اعتداء على كائن حي له أھلیة الوجوب، والتى عرفھا العلماء بأنھا صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة له وعلیه معاً.

وبین الفقھاء أنه آثم شرعاً ومعاقب من االله في الدنيا والآخرة، فعلیه القصاص إذا سقط الجنین میتاً أو سقط حیاً ثم مات لأنه حینئذ مات متأثراً بالعدوان علیه.

وذكر أھل الطب أن الإجهاض قد یؤدى إلى التهابات شديدة تحدث في الرحم وذلك لاستخدام الوسائل العنیفة كالقفز، أو ادخال أجسام غریبة في الرحم، مما قد یؤدى إلى الوفاة أو إلى العقم.

وتتعرض الأم لمضاعفات خطیرة نتيجة اجراء عملیة الإجهاض في عیادات سریة غیر مصرح بھا من قبل الدولة وهذه العیادات تستخدم أدوية سيئة، ومواد موضوعیة كحقن محلول الصابون، أو اللجوء إلى اجراء عملیة الكحت والتفریغ فكل ذلك مؤذ للحامل، مما قد یؤدى إلى الوفاة، أو تقوم بترك أثار مدى الحیاة.

الإصابة بالإحباط والأمراض النفسیة

فالإجهاض قد یؤدى إلى أمراض نفسیة أھمھا الإحباط للمرأة الحامل، حیث إنھا تستعمل وسائل سيئة تؤدى إلى الإجهاض كشرب الخمور، أو ابتلاع أقراص الكینین، أو شرب بعض الأعشاب، وفشل ھذه الوسائل فى التخلص من الحمل قد یؤدى إلى إحباط المرأة الحامل مما یؤثر على صحتھا العضویة والنفسیة.

قد یؤدى الإجهاض إلى أضرار مجتمعية أشد خطورة من الأضرار التي تصیب المرأة نفسھا، فالإجھاض إذا انتشر في مجتمع فإنه یؤدى إلى تناقص النسل أو انقراضه وقد یحرم المجتمع من أطفال قد یخدمون مجتمعھم علمیاً وأخلاقیاً واقتصادیاً وقد لوحظ أن بعض الدول أباحت الإجھاض، فلما رأت أنه یسبب تھدید النسل بالإنقراض قامت بتحريمه وحدث ذلك في إیطالیا بنسبة 95 بالمئة من عدد الولادات.

وفى الاتحاد السوفيتي ظهرت 16 ملیون حالة إجهاض سنویاً  فتمت المسارعة إلى تحریمه، وفى فرنسا حصل انزعاج بقادتھا ومفكریھا لما رأوا زیادة حالات الإجھاض عن حالات الولادة العادیة.

تقنين الظاهرة

يرى حزب التقدم والاشتراكية أن قانون “الإيقاف الطبي للحمل” سيحد من ظاهرة الإجهاض السري المنتشرة في البلاد، حيث يسعى المقترح الحزبي إلى إفراد نص قانوني خاص بـ”الإجهاض”، وإخراجه من مجموعة القانون الجنائي، وإدراجه ضمن قوانين “الأخلاقيات البيوطبية” للمواطنات والمواطنين.

كما يهدف هذا المقترح، إلى الحد من وفيات الأمهات الناجمة على الإجهاض السري، وتمكين الأطباء من العمل في إطار قانوني شفاف؛ للقيام بعمليات في جو يحترم مقومات السلامة الصحية، فيما يجب أن يقوم بعملية الإجهاض طبيب مؤهل، وأن تتم العملية في المؤسسات الصحية ومستشفيات القطاع العام والخاص، مع ضمان متطلبات الرعاية والسلامة الصحية، وكذا الإجراءات الصارمة للمراقبة.

كما من الضروري تحديد الحالات والشروط التي يتم فيها الإيقاف الطبي للحمل، فيما ينص المقترح على احترام سرية البيانات الشخصية.

إلى حد الآنّ، لم تعلن الحكومة عن إدخال أي تعديلات على المقتضيات التي تشمل مشروع القانون المسحوب؛ لكن وزير العدل عبد اللطيف وهبي، تعهد في تصريحات سابقة، بـ”الانفتاح أكثر والإتيان بقانون يساير المستجدات العصرية”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *