تواصل فرنسا حملتها الممنهجة على الاسلام و المسلمين في كافة أجزاء التراب الفرنسي، فبقدر تواصل الاجراءات الزجرية ضد الفئة المسلمة هناك، يتواصل معها خطاب كراهية الإسلام الذي صيغ في حقبة التوسّع الاستعماري في القرن التاسع عشر، أيام كانت فرنسا قوة صاعدة، ويستعاد اليوم، بعد تحوّلها إلى قوة هرمة ، لرصّ الصفوف والاتحاد مع بقية القوى الغربية ضد “الآخرين“، مسلمين بشكل خاص وغير مسلمين بشكل عام.
واقعة طرد الامام اكويسن تخلق خلافًا بين القضاء والداخلية بفرنسا
أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، في وقت سابق، أن بلاده ستقدم على ترحيل إمام في منطقة الشمال، يدعى حسن إيكويسن، معروف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين، وبتوجيهه لدعوات إلى “الكره والعنف، خصوصا في حق الجالية اليهودية“.
وأوضح الوزير في تغريدة على حسابه الخاص على تويتر أن ما يبرر هذا الترحيل أن “هذا الداعية يتبنى منذ أعوام خطاب كراهية ضد قيم فرنسا، يتنافى ومبادىء العلمنة والمساواة بين الرجال والنساء“، وأضاف “سيتم طرده من الأراضي الفرنسية“.
ليصدر القضاء الفرنسي عقب ذلك قرارًا يقضي بتعليق ترحيل الامام المغربي، متحججا بأن ترحيله “سيمس بحياته الخاصة والأسرية بشكل غير متناسب“.
ليعلن بعد ذلك وزير الداخلية الفرنسي عن أسفه للقرار، ويعلن عن تقديم طلب الاستئناف أمام مجلس الدولة، والتي تعتبر أعلى محكمة إدارية بالبلاد.
و صادق مجلس الدولة الفرنسي بعد ذلك على قرار طرد الإمام المغربي وترحيله إلى بلاده، إلا أن “حسن اكيوسن” فرّ قبل وصول الشرطة التي إفترضت انه لجأ إلى الدولة البلجيكية، حيث يحظى بالدعم هناك.
وقالت وكالة “فرانس بريس” أنها علمت من مصدر قريب من القضية أن الإمام المغربي، و الذي صادق مجلس الدولة على طرده من قبل جيرالد دارمانين ، يعتبر فاراً وقد تم إدراجه في قائمة المطلوبين لدى العدالة.
على غرار ايكويسن.. فرنسا تستعد لترحيل لائحة أئمة مغاربة
تعتزم وزارة الدّاخلية الفرنسية طرد وترحيل المزيد من الأئمّة المغاربة الذين يشتغلون بشكل قانوني في البلاد، وذلك في أعقاب تنزيل ما يعرف ب“خطّة ماكرون” لمواجهة “الانفصالية الإسلاموية”.
وتستهدف وزارة الداخلية الفرنسية، في هذه الخطّة، عددًا كبيرًا من الأئمة وكذا الجمعيات الإسلامية والزعماء الدينيين، وفقًا لمعلومات أوردتها صحيفة “ميديابارت”.
وأكّد وزير الدّاخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، على قناة (BFMTV)، أن هذه الخطّة “الطّارئة” تهم ما يناهز 100 شخص من مختلف الجنسيات ، بمن فيهم المغاربة.
وبحسب جريدة “ميديا بارت“،فقد واجه المدير التنفيذي السابق لـ( UOIF) (اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا)، أحمد جاب الله، صعوبات هائلة لمدة 03 سنوات قصد الحصول على تجديد تصريح إقامته.
كما يعاني إمام مسجد بيساك، المغربي عبد الرحمن رضوان، الذي سبق أن ربح الدعوى القضائية التي رفعتها ضدّه إحدى الجمعيات، بعدما تقدّمت بطلب إغلاق مسجده، من عراقيل ذات صلة بتصريح إقامته، بعدما كان يتم تجديده دائمًا في المواعيد النهائية السابقة.
هذا و سبق لوزير الدّاخلية الفرنسي القول: “إنّ الحصول على الجنسية الفرنسية والإقامة في هذا البلد لسنوات لا يعني أنّنا سنتسامح مع المتطرّفين”، وتابع في نفس السياق : “سنعمل على طردهم ولنا لائحة جاهزة بأسمائهم”.
كما تم الكشفت وفي سائل اعلام فرنسية في نفس الإطار أنّ “قرار أعلى محكمة إدارية طرد الإمام المغربي حسن إيكويسين سيسمح الآن للسلطات بتقييم قضايا أخرى لزعماء دينيين”.
هل ايمانويل ماكرون و ماري لوبان وجهان لعملة واحدة؟
قرار طرد الامام اكيوسن و استعداد وزير الداخلية الفرنسي لترحيل لائحة تحمل الأئمة المغاربة تحت ذريعة ” التطرف و الترويج لخطاب الكراهية“، يعيد للواجهة واقع كره فرنسا للاسلام، بالرغم من دعوة الرئيس الحالي ماكرون للديموقراطية و الانفتاح وادعائه بأن بلاده تدعم جميع الشرائح والأقليات، إلا أن الجمهورية الفرنسية في عهدته عرفت تزايدًا كبيرًا لحالات العنصرية و الاعتداءات على المسلمين.
مما يكشف بشكل كبير التشابه الايديولوجي بين الرئيس الحالي، وزعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان، و التي بدورها وعدت خلال حملتها الانتخابية بتجميد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا إلى غاية التحقق من مصادر تمويلها، وتوسيع قانون منع ارتداء الرموز الدينية في المدارس ليشمل الأماكن العامة، ومنع ليس النقاب أو البرقع فحسب، بل والحجاب أيضا، وأعلنت رغبتها في فرض غرامة مالية لمعاقبة وحظر ارتداء الحجاب، خلال مقابلة على قناة تلفزيونية.
وكما يلجأ الرئيس الفرنسي إلى توظيف الصراعات الاجتماعية والسياسية الداخلية للترويج لفرضية التهديد الإسلامي، تعتمد لوبان في تصريحاتها على مبدأ “محاربة أيديولوجية استبدادية تسمى الإسلاموية“، حيث قدمت هذه الأخيرة في يناير عام 2021، مشروعها لمحاربة “الأيديولوجيات الإسلامية” التي تعتبر “شمولية” وأصبحت في نظرها “في كل مكان“، والتي تنوي إبعادها عن جميع مجالات المجتمع، بدءا من الحجاب.
وهذا لا يؤكد إلا شيء واحد، وهو أن ماكرون و لوبان ليسوا الا وجهين لعملة واحدة، كل منهما يروج لإيديولوجيته الخاصة التي تحمل في طياتها هدفًا واحدًا ، وهو كره الاسلام و محاربته في كل أجزاء التراب الفرنسي.
هل تستغل فرنسا خطة “محاربة التطرف الاسلاموي” بشكل تكتيكي للضغط على المغرب؟
قال مراد غالي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الدولية الخاصة بأكادير في تصريح خص به “بلادنا24” أنه “الأكيد أن محاولة قراءة مسألة توجه وزارة الداخلية الفرنسية إلى طرد بعض أئمة المساجد في إطار خطة محاربة “التطرف الاسلاموي“، تبقى هي خطة في إطار استراتيجية دولة، لكن ربما قد يتم استغلالها تكتيكيًا من أجل الضغط على المغرب و إثارة بعد ردات الفعل من أجل جس نبض المغرب”.
واعتبر غالي أن ” هذه الخطة تبقي هي خطة وطنية ، و سياسة عمومية لدولة، يعني كما نعلم بأن ماكرون أطلق خطة وطنية من أجل “محاربة التطرف“، داخل فرنسا، وهذه المرحلة قد تستغل ربما تكتيكيًا، لكن الأكيد أن العلاقات الفرنسية المغربية هي علاقات مستمرة، سيكون فيها شد وجذب، و ستكون هناك تكتيكات، و محاولات لإثارة المواقف لدفع المغرب إلى تقديم المزيد من التنازلات في بعض القضايا و بعض النقط التي ترى فرنساأحقيتها بها“.
وتابع المتحدث في نفس السياق ” الأكيد أن المغرب اليوم قوي و لديه حلفاء استراتيجيون، وله القدرة على على الضغط بقوة، خصوصًا و أننا فعلًا شاهدنا أن المغرب كانت له خطوات و قوة موقف، وكانت له دبلوماسية حقيقية، في عدد من الأزمات الدبلوماسية التي كانت آخرها الأزمة مع اسبانيا، و التي أعطت أكلها ودفعت باسبانيا لتقديم اعتراف تاريخي و مهم و أساسي بمغربية الصحراء“.
كما أوضح أستاذ العلوم السياسية في تصريحه لـ“بلادنا24” أن ” هذه التكتيكات و المحاولات،ربما ستبقى مجرد محاولات لدفع المغرب لتقديم تنازلات، لكن المغرب اليوم، هو مغرب قوي، مغرب قادر على صناعة دبلوماسية جديدة،المغرب أصبح قوة اقتصادية و دبلوماسية وسياسية قوية، و أصبحت له مواقف جريئة و قوية، وأصبحت له القدرة على المواجهة والندية مع دول أخرى“.